هبطت «وزارة السعادة» في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة (التسمية الرسميّة)، كما هبطت وزيرتها الشابّة التي بالكاد غادرت سنّ المراهقة، على العالم ووسائل الأنباء ووكالات الأخبار وجميع وسائل الإعلام، في شكل «المزحة» التي تدعو إلى الضحك، في زمن جاءت فيه الأخبار السيّئة والمزعجة والتعيسة، أكثر وأوفر عددًا وأشدّ تأثيرًا من الأخبار التي تدفع لهذه «السعادة» حقّا…
كذلك (وهنا السؤال)، إن كانت دولة الإمارات العربيّة بعليّ مقامها ورفعة شأنها، التي توفّر لعموم «الموطنين» (على عكس الوافدين) كلّ وسائل «السعادة» من تأمين صحّي كامل على أرقى طراز، وخدمات اجتماعيّة من فئة خمس نجوم، ونظام دراسيّ من أفضل ما هو موجود في العالم، دون أن ننسى هبات الزواج وقروض بدون فوائض، وكذلك منازل بالمجان أو يكاد، إن كانت هذه الدولة لم تبلغ «السعادة»، بل رأت وجوب تخصيص وزارة، فكيف هو الحال في بلدان لا خدمات صحيّة فيها، أو هي لا ترقى للحدّ الأدنى وفق معايير المنظمات الأمميّة، وخدمات اجتماعية شديدة التعاسة، ونظام صحيّ متهالك، كيف لهذه الأمم أن تفكر في السعادة أو هي تتخيّل وجودها؟؟؟
القرار الإماراتي، وإن كان على جانب كبير من «البروباغندا» إلاّ أنّه ينمّ عن وعي الدولة بحجم «التعاسة» الراكدة على قلوب الإماراتيين، حتّى نكاد نصدّق أنّ الشعار التي كانت الأفلام المصريّة زمن الأبيض والأسود ترفعه، بأنّ «المال لا يصنع السعادة، وأنّ الفقراء أشدّ سعادة من الأغنياء» ليس فقط يعبّر عن واقع الحال العربي، بل عن «تعاسة الأغنياء» مقابل «سعادة الفقراء»….
في واقع عربي تعيس بل مزرٍ، يمكن الجزم سواء على مستوى الدول كما الأفراد والجماعات، أنّ «الخوف» (وما شابه من الكلمات) يأتي في أعلى ترتيب الألفاظ التي تراود فكر الفرد، بل إنّ من الدول، ما أصبح واقعها من الألم، يحجب عن أحلام سكّانها أيّ خيال بالفرحة أو هي «السعادة»….
عندما نبسط الخارطة أمامنا، ونرى الحروب المشتعلة ضمن الفضاء العربي، كما عدم الاستقرار المفتوح على ما هو أشدّ تعاسة، بما في ذلك «الخليج السعيد» (سابقًا)، حيث «رغد العيش» (لدى بعض العرب) هو أقرب إلى حكايات «ألف ليلة وليلة»… يكون السؤال القاتل والمرعب: ماذا بعد؟
دول الخليج تأتي في رأس «الخوف»، لأنّها «هشّة» (اجتماعيّا) وكذلك «ضعيفة» (اقتصاديّا) وغير قادرة عسكريّا على تأمين (بمفردها) الحدّ الأدنى من الأمن أو من هذه «السعادة» التي تحتاج «وزارة»
الخليج العربي، وخصوصا دولة الإمارات العربيّة تستورد كلّ شيء تقريبًا، من الأساسيات البسيطة إلى الكماليات الرفيعة، لكن بقيت (بإقرار رسمي) لم تبلغ «الحدّ الأدنى المضمون» من «السعادة»، أي فرحة الحياة…
ما يسمّى «داعش» وأخواتها، تأتي المستفيد الأوّل من غياب (هذه) «السعادة»، حين نرى أعداد المقاتلين من دول الخليج، نخلص أنّ النفط وما يحمل من مال سائل وفير، لا يؤمّن سوى «الرفاهيّة» التي تشكّل الجزء من (هذه) «السعادة» ولا يمكن أن تختصرها…
السؤال الذي يهزّ الخبراء والمتابعين: ما الذي ستفعله هذه الوزيرة الشابّة لتأمين «حاجيات المواطن الإماراتي» من (هذه) «السعادة»؟؟؟ سؤال مطروح على القيادة السياسيّة التي صاغت القرار، وهي التي تضع المنظومة وتؤسّس لسبل التأمين هذه.
من حسن الحظّ أو سوئه، لا يمكن توريد السعادة من أيّ بلد، حين لا يتورّع الخليجيون عن توريد أغلى السلع بأرفع الأثمان، بل على الإمارات أن ترسي ركائز ماديّة لصناعة هذه السعادة وتوزيعها على مواطنيها وإن زاد الأمر عن الحاجة يكون للوافدين بعض النصيب…
لا يمكن اختزال «مستلزمات السعادة» في جملة واحدة أو طلب أوحد، البعض (من المعدمين) يرون السعادة في تأمين صحن من الأكل وبعض الماء الصالح للشراب، في حين ترتقي رغبات أناس أخرين إلى ما هو أرقى من قطعة خبز وكوز من الماء…
أيضًا، في الإمارات العربية المتحدة، كما غيرها من الدول الخليجيّة، هناك خلط مرضي ومربك على المستوى الاجتماعي، بين اكتساب الرفاهيّة من ناحية مقابل القول بوجود هذه السعادة، حين يمكن الجزم أن العديد (في باقي الدول العربيّة) لا يتعدّى الحلم بالسعادة لديهم بعض التمرات وقليل من الماء، فقط…
اعتراف دولة الإمارات بوجوب أن تكون «السعادة» متوفرة بأثمان بخسة، إن لم تكن مجانا لجميع مواطنيها أو ربّما للوافدين على أرضها، يعكس رغبة في التباهي، لكن يعكس خوف «صاحب الإمارة» أو هم «أصحاب الإمارات» من أن يؤدّي غياب السعادة إلى أمور شديدة السوء، أو هي تعني (ربّما) تهديد «الوجود المادّي» (لهذا الكيان السياسي)…
قمّة السرياليّة أنّ أغنى العرب يطلب السعادة، في حين يطلب أفقر العرب وأقلهم مالا الكفاف، مقابل أن يطالب العديد من العرب، في سورية والعراق واليمن وليبيا وحتّى الصومال، النجاة من أتون هذه الحروب المستعرة، لتكون قمّة السعادة لدى هؤلاء في أن يكمل يومه معافى وفي صحّة جيّدة…
نخاف أو ربّما هو الانتظار، أن تعلن دولة الإمارات المتحدة عن «عرض دولي» لتوريد ما يكفي من السعادة، حين اعتاد أهل الخليج على أن يعثروا في مالهم على جميع حاجياتهم…