مصطفى حارس السفارة التركيّة في تونس، يرتدي الزيّ الرسمي (التركي) ويتبختر بسلاح (مسدّد مثبت في خصره) على الرصيف (رصيف السفارة)، في ضرب لأبسط قواعد بروتكولات «فيينّا» للتعامل الدبلوماسي (أمام جهل عون الأمن التونسي أو هي لا مبالاة، تبكي «هيبة الدولة» في نسختها «الباجيّة»)، يأتي (أيّ مصطفى) بوسامة أبطال المسلسلات التركيّة أو هو «وادي الذئاب» (بالذات)، منقوصًا تلك الدبلجة الشامية الأقرب إلى لغة المخنثين، حين لا يفقه (هذا الحارس) في التخاطب مع الوافدين على السفارة، سوى رفع الصوت والحديث في لغة بين الاستنطاق والأمر، مع خلط كلمة عربيّة بأخرى فرنسيّة، دون أن ينسى الاستنجاد ببعض الألفاظ الانجليزيّة، كأنّ من يراجعون السفارة من البكم أو ممّن عجزت أدمغتهم عن الفهم، أو من بلد لا لغة لها ولا هويّة، ولا ثقافة ولا حضارة…
الأتراك (مهما كان الموقف من النظام ومن يحكم هناك) يمكن الجزم دون أدنى شكّ أنّهم (على مستوى بناء الدولة والاقتصاد والمجتمع) يجعلونك تحسّ (بل هو اليقين) بوجود «نقطة بيضاء» (مضيئة) في هذا الفضاء العربي والمسلم، أين يغلب التخلّف ويعمّ الظلم وتكون الأوضاع أقرب إلى الإقطاع (المقيت) من دول (تحترم ذاتها)…
الأتراك (الدولة العصريّة والمتقدمّة) اعتمدت طلب التأشيرة عبر الانترنت، أسوة بالدول الكبرى، لكن تحديد الموعد (في السفارة) لتقديم الملف (بالنسبة للسفارة التركيّة في تونس) يكون بتاريخ يتجاوز موعد الذهاب والإياب بأكثر من أسبوع… العون المكلف بالسفارة في تبرّم واضح وانعدام الابتسامة وغلبة الغضب، وفي عربيّة أشبه بما هي لغة تجّار «البازار» في إستنبول، يعلمك أنّ موعد الزيارة غير قابل للتقديم، بل فقط، بريد إلكتروني على ذمّة المراجعين الذين يريدون «التظلّم» (العبارة للعون)…
هذه المآسي (مأساة عشرات الليبيين القابعين أمام السفارة في العراء، تحت شمس ساطعة)، تقطع أو هي تتناقض مع «الخطاب الرسمي للدولة التركيّة» التي يبحث (سلطانها) أردوغان (الحاكم بأمره بعد طرد رئيس الوزراء) عن تشكيل «جامعة اسلاميّة» تكون (طبعًا ودون أدنى شكّ) حليفًا له ولدولته في معاركها القائمة وحروبها القادمة، دون شكّ…
السفارة التركيّة (في تونس) حين جعلت من الاستعلاء قيمة ومن عدم التقدير عادة، سواء تعلّق الأمر بتاجر ليبي ذاهب لشراء بضاعة تركيّة، أي نفع مباشر وصريح للاقتصاد التركي، أو مثقف تلقى دعوة رسميّة لحضور مؤتمر هناك، هي سفارة، تتراوح بين تدمير العلاقات أو (وهنا المصيبة) تستبطن «الاستعلاء التركي» (وليس العثماني) حين صار الأمر للقطاء المماليك الذين على أيديهم صارت الخلافة إلى حضيض…
تركيا مقبلة على عمليّة تدمير صريحة ومعلنة ومكشوفة، تريدها جهات غربيّة وأوروبيّة بالتأكيد، هالها بل أقضّ مضاجعها أن تصير تركيا (الرجل المريض سابقًا) بهذه القوّة. تركية (هذه) أعجز ألف مرّة من أن تجد لها حلفاء، حين تأتي السعوديّة (أقرب الحلفاء المعلنين) أشبه بدولة «هشتك بشتك» دون أن ننسى أنّها الأقرب إلى «موالي» الولايات المتحدة، الراعي الرسمي وشبه المعلن لعملية التقزيم هذه…
جهات أوروبيّة (وهذه معلومات مؤكدة) بدأت أو هي ستثير «الاحتلال التركي» لشمال جزيرة قبرص، ومساندة حكّام أنقرة لهذا الشطر «غير المعترف» دوليّا… ممّا يعني أنّ تركية، إضافة إلى مخلّفات أو مضاعفات الملفّ السوري، ستجد نفسها في جبّ أعمق ممّا تتصوّر….
الصلف التركي غريب، واحساس «التكبّر» هذا وليد «يتم» لم يفارق الأتراك ولن يفارقهم، حين لا يتوافق عندهم مفهوم «القوميّة» مع (ما هو معلن) من «عرق تركي» ينسبونه كذبًا وبهتانًا وزورًا وتزييفًا إلى قبائل التتار (الأولى) التي غادرت آسيا الوسطى، لتتوغّل في آسيا الصغرى ويبتلعها الدين الإسلامي وتبني حضارة دامت قرونًا…
لم يبق من هذه القبائل (التّتاريّة الأولى) سوى التسمية، حين صار الشعب التركي (حاليا) خليطا من شعوب شتّى وقبائل عديدة، دون أن يفقد «أسطورة الصفاء العرقي» التي لا يمكن لمغفّل أن يصدّقها…
من الأكيد أنّ أهل المغرب العربي (تونس والجزائر خصيصًا) يذكرون مآثر آل عثمان الذين دفعوا عشرات الآلاف من الشهداء لتخليص البلاد والعباد من رقّ الإسبان الذين استردّوا الأندلس وحاولوا قلب المعادلة في شمال القارّة الافريقيّة، لكن هؤلاء العثمانيين الذين حطّوا ذات يوم في ميناء حلق الوادي وافتكّوا قلعة «برج علي رايس» الماثلة بجانب أو أعلى مقام سيدي أبي الحسن الشاذلي، دفعوا في كلّ متر شهيدًا، حتّى «غطّى قتلى العثمانيين الطريق إلى البرج» (بشهادة كاتب إيطالي، شغل حينها مساعد القائد الاسباني)، لا علاقة لهم ودون أدنى رابط على مستوى المشروع والتاريخ والبرنامج مع ما نراه من لقطاء المماليك…
نذكر لآل عثمان مآثر يعجز اللسان عن ذكره، لكن دون أن ننسى جرائم لقطائهم من الانكشاريين الذين استفردوا بالحكم وأسّسوا للظلم والطغيان والفساد، الذي يقف وراء ما تعيشه البلاد من تخلّف، والذي نراه ونشاهده عند أعوان السفارة (التركيّة) والعاملين فيها…
هي عنصريّة مقيتة وتكبّر مرضي، لمن يعانون من أزمة يتم وعجز أو رفض للاعتراف بشرعيّة الأبّ، تنقلب لديهم عنفًا يصرفون على من يعتبرونهم أدنى قيمة ومن يرونهم دونهم مرتبة…
تركيا حاليا كتجربة ناجحة اقتصاديا لها من الاعداء الداخليين اكثر من اعداء الخارج كأي تجربة توصف عادة بالناجحة في البلاد العربية و الاسلامية
مضمون النص جدير بالقراءة ..لكن أن تبنى كل أفكاره عن الماضي و الحاضر و المستقبل انطلاقا من سلوك حارس السفارة التركية أو موظفها العتيد ..فيه مبالغة في التقدير و كأن النص قد ولد من قبل لكنه يحتاج قشة ليكون واجب الوجود ..في السفارات الأخرى و خاصة الأكثر إقبالا .. و أنا لم أجرب لكنني أسمع عن إهانات كان الله في عون من يشعر بها ..هل ننتظر نصا لترجمة الخواطر بجوار طوابير التأشيرة أمام السفارة الفرنسية مثلا؟ صحيح المعالجة الالكترونية حيدت الكثير من العنت ..لكن انظروا ما يحدث بالداخل ..ربما وقتها تكون مناسبة لنستعيد معلوماتنا عن النظام القديم الفرنسي و ما فيه ..ونستذكر شيئا عن الهجرات البربرية الأولى …