انطلاقًا من جذورها الإخوانيّة الصريحة والمعلنة، سواء على المستوى الفكري أو التنظيمي، وبناء على قراءة متأنية لواقع الكفاح الفلسطيني المسلّح، وخاصّة التجارب السابقة لها، اختارت «حركة المقاومة الإسلاميّة» (حماس) عند انطلاقتها أن تتجاوز وألاّ تنغلق ضمن الصراعات الأيديولوجيّة الضيّقة مع باقي الأطراف الفلسطينيّة ومع العمق المحيط (سواء المباشر أو العربي)، مفضلة الانطلاق نحو هدف تحرير فلسطين، كلّ فلسطين (من البحر إلى النهر)، في تجاوز (كذلك) للموقف العربي الرسمي الذي جعل سقفه (ما يسمّى) «الشرعيّة الدوليّة»، التي تستند إلى القرار الأممي 242، وما نتج عنه (عربيّا)، سواء «مبادرة (الملك) فهد»، أو «مبادرة قمّة بيروت» العربيّة، أيّ «الأرض مقابل السلام»، وما يعني ذلك من تسليم معلن وصريح بشرعيّة الكيان الصهيوني على الأرض المحتلّة قبل 1967.
إلى حين اندلاع (ما يسمّى) «الربيع العربي»، استطاعت حماس أن تسبح ضمن (هذا) المستنقع العربي الموبوء بأقلّ الخسائر، أيّ دون صدام عنيف وعداء مقلق مع «النظام العربي الرسمي» سواء بفعل التناقض الصريح والمعلن على مستوى المرجعيّة، أو الموقف السياسي من الأحداث، رغم مشاركة «حماس» في الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة، ممّا يعني (شكلا وموقفًا) «الاعتراف» (ضمنًا) بما هو «واقع أسلو»، أيّ «إدارة الواقع» تحت سقف (ما يسمّى) «الشرعيّة الدوليّة»…
جاء (ما يسمّى) «الربيع العربي»، ليضع «حماس» أمام أولويات جديدة وتحديات طارئة، بدءا بوصول «إخوتهم» إلى الحكم في مصر وما تلاه من «انقلاب عسكري» لم يغفر ولن يغفر للحركة ما أعلنت من دعم للرئيس مرسي ومن معه. كذلك تورّطت «حماس» بل هي انغمست ضمن «المستنقع السوري»، سواء بحكم تورّط «الإخوان» ضمن هذه «الحرب» (فكرا وتنظيمًا)، ومنها مغادرة خالد مشعل لدمشق، أو (وما هو الأخطر) مشاركة أطراف ذات ارتباط صريح ومعلن بحركة «حماس» داخل سورية (مخيّم اليرموك على وجه التحديد) في الحرب ضدّ النظام السوري.
لا يمكن بل يستحيل على حركة «حماس» أن تحافظ على ما هو مطلوب أو طبيعي من انضباط على المستوى العقدي، من قبل «تنظيم الإخوان» الذي دخل في صراع دموي مع النظام السوري، من جهة، وكذلك المحافظة على حبل الوصل (بالسلاح خاصّة) مع محور دمشق/طهران، حين لا يمكن لأيّ كان أن يتخيّل أو حتّى يطالب الدول الحليفة (الأخرى) لحماس (من النظام العربي الرسمي، قطر خاصّة) أو حتّى تركية، أن تمدّ «حماس» برصاصة واحدة، ممّا يعني (بالمعنى الوجودي) أن على «حماس» أن تختار بين وجودها «العسكري» من جهة، وبين نقائها «الإخواني»…
سعت أطراف داخل حركة «حماس» (في غزّة)، بمباركة تكتيكيّة من قيادة الخارج ودعم منها، إلى القول بل العمل على الجمع بين «الولاء الإخواني» من جهة، وما يعني ذلك من موقف عداء صريح وموقف عدمي من «النظام السوري» وما يتبعه من ولاء معلن ونصرة صريحة للجهات الإخوانيّة (وغيرها) التي تقاتل هذا النظام، مع سعي جدّي وعمل دؤوب على «تطوير الصناعات العسكريّة» (في غزّة) إلى درجة «الاكتفاء» بل هو «التخلّص» من «المدد» (الموبوء حسب ذات الفكر) الذي يؤمنه محور دمشق/طهران…
فشل الجهات التي راهنت على خيار الجمع بين «الولاء الإخواني» (في معادة النظام السوري) و«الاكتفاء في السلاح»، ليس فقط في تحقيق المشروع، بل في ترسيخه في صورة «الخيار الاستراتيجي»، أدّى إلى نشوء «تباينات» ( بصفة عامّة مع استثناءات عدّة) بين «السياسيين» من جهة، مقابل «العسكريين»، وكذلك بين «الداخل» مقابل «الخارج»…
تأبين «سمير القنطار» وموقف القيادي العسكري «أبو عبيدة» الإيجابي من إيران، بل توجيهه الشكر إلى «القيادة الإيرانيّة»، ضمن سلسلة من المواقف الأخرى، تأتي جميعها جزءا ممّا ظهر من جبل الخلافات داخل الحركة، على خلفية الخيارات الاستراتيجية. وصول يحيى السنوار إلى منصب رئيس المكتب السياسي، يعني بكلّ وضوح ليس الحسم في هذه الخلافات الاستراتيجيّة سواء المعلن منها على مستوى الإعلام أو الدائرة في الكواليس أو هي دهاليز غزّة وحتّى أنفاقها، بل (وهنا الأهمّ)، سيطرة معلنة وغلبة صريحة لتيّار «الجهاد» على تيّار «الأخونة»، ممّا يقود (وهنا الأهميّة على المستوى الاستراتيجي) إلى إعادة ترتيب المنظومة الفكريّة والتنظيمّية داخل «الإخوان»، بل قلبها، أيّ ارتقاء «العسكري» فوق «السياسي»، على خلاف ما كان سائدًا منذ أن وضع «شهيد» (الإخوان) «حسن البنّا» الأسس التي قام عليها التنظيم وبها عمل ولا يزال، إضافة (وهذا لا يقلّ أهميّة)، إلى أسبقيّة إن لم يكن أفضليّة «الداخل» على «الخارج»، في سابقة هامّة وذات تأثيرات أكيدة على مستقبل الحركة، سواء على مستوى جدليّة الصراع مع العدوّ الصهيوني، أو الابتعاد إن لم يكن التخلّص من «الوصاية» (قطر وتركية) التي أسّس لها خالد مشعل أو هو سعى من أجلها ورضي بها، بل جعلها رأسماله الأوّل ورهانه الاستراتيجي…
من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ «النظام العربي الرسمي»، على رأسه دولة قطر (الراعي الرسمي للتنظيمات «الإخوانيّة ضمن الفضاء العربي)، كما تركية، لن تعلن الأفراح ولن تقيم الليالي الملاح، بهجة بوصول هذا القائد إلى هذا المنصب، بل هي تفضل أو هي عملت عبر إعلامها ودفعت ما استطاعت من مالها، من أجل سيطرة «الفكر» الذي يمثله خالد مشعل على مقاليد الحركة خاصّة في الداخل (أيّ غزّة أساسًا) و(وهنا الرهان الاستراتيجي) السعي إلى احكام القبضة على «كتائب القسّام» وتحويلها رويدًا رويدًا من الفعل العسكري الجهادي، إلى قوّة «ضبط الوضع» في غزّة، ضمن «تفاهمات» تعمل من أجلها هذه الدولة (أيّ قطر)، من خلال وساطة (معلنة) مع العدوّ الصهيوني، تحت غطاء «إنساني»، على شاكلة تحسين الوضع الاقتصادي من انجاز ميناء أو غير ذلك…
ليس من عادة «الإخوان» نشر غسليهم الداخلي على حبال الإعلام، وليس من مصلحة حماس الظهور في صورة الحركة «التي تأكل أبناءها» (أسوة بالنظام العربي الرسمي وحركات التحرير السابقة لها)، لكن من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ وصول يحيى السنوار، لن يشكّل سوى نقطة البدء وصفارة الانطلاق، نحو إعادة «تنظيم» الصفوف، ليس فقط على قاعدة الاصطفاف (الجديد)، بل (وهنا الأهميّة) على قاعدة «غلبة الجهاد» من أجل تحرير فلسطين (كلّ فلسطين) على التقيّد الآلي والطاعة العمياء لتنظيم «الإخوان» (الدولي)….
الأسئلة الحارقة المطروحة داخل حركة «حماس» ليست حكرًا عليها، بل هي هواجس تهزّ الفكر الإخواني بكامله، من ترتيب «اكراهات الواقع» تحت سقف «الخيارات الفقهيّة»، وما يعني ذلك (في كلّ قطر) من وجوب إيجاد «حلول عمليّة» دون القطع إن أمكن (افتراضًا) مع الجذور المؤسّسة (الجامعة لمنظومة الإخوان)…
23 تعليقات
تعقيبات: cheap Lafuma
تعقيبات: cavalli dresses shop online
تعقيبات: buy true religion jeans