يقظة النائمين واستشراف العاجزين…

يمكن الجزم دون أدنى شكّ أنّ مجرّد الحديث عن «اليقظة والاستشراف» من قبل هذه الحكومة، مدعاة لتجاوز السخرية والتهكّم، حين لا نرى سوى ذاك على شبكة التواصل الاجتماعي، إلى المطالبة (ربّما) «رسميّا» بعرض «المسؤول» أو «الجهة المسؤولة» التي فكّرت طويلا وخرجت على الناس بهذا الابتكار، على الفحص الطبّي!!!

لا مجال في السياسة، أن نصدّق حدوث «المعجزات» حين ولّى زمن الأنبياء والرسل، ولا مكان لأن نشرب (أي الشعب) ما تقوله الحكومة «على سبيل التجربة» من باب (ربّما) قراءة حسن النيّة وصفاء السريرة، أو «عدم الرجم» قبل الحكم، وعدم الحكم قبل قراءة البيّنات.

المسألة في كنهها وأساسًا ومفصلها المؤسّس لها علاقة بمفهوم «الزمن» لدى الطبقة السياسيّة برمتها، وأساسًا «الطرف الفاعل»، أي الحكومة مستندة إلى الائتلاف الحكومي في شكله الحزبي المباشر أو الائتلاف البرلماني القائم.

من باب الاستعارة وتقريب الصورة، يأتي احداث هذا «المنصب» وهذه «الخليّة» الخاصّة بموضوع «اليقظة والاستشراف» مطابقًا لقبيلة من البدو الرحّل، تقرّر بناء قصر تسكنه، في حين أنّها تمارس الترحال ونصب المضارب في أماكن مختلفة على مدار العام.

طرخ استشراف

وجب أن نمتلك الصراحة (في بعديها الأخلاقي والإعلامي) ونقول أنّ من ابتدع هذا «الصرح»، إمّا لا يدري ما يفعل أو يستغفل من يستمع إليه. حكومة تعيش على كفّ عفريت، بين التقلبّات الحزبيّة القائمة والتوقّعات القادمة من جهة، وما هي علاقة هذه التقلّبات القائمة والقادمة بالخارطة السياسية، المنفتحة على احتمالات عدّة، وأساسًا (وهنا الخطر) لا تؤمن بالمراكمة، بل نحن أمام طبقة سياسة تستلذّ حين تمحو ما أنجز السابق، وتباهي بذلك وتفاخر

مفهوم «اليقظة» وكذلك «الاستشراف» يطلب، بل يتطلّب أو هو يشترط رؤية متجاوزة أو هي في قطيعة جذرية، ومعرفيّة وفكريّة وحتّى فلسفيّة، مع الواقع السياسي القائم حاليا في البلاد، أي يستوجب تنصيب خليّة (أو أي تسمية أخرى) تكون مستقلّة عن التأثيرات السياسيّة، وتعمل (فعلا) على الأمد الطويل، وليس أن تكون من «مفاخر» (هذا) لكي «يفاخر» (ذاك) بإزالتها…

لنا عديد التجارب في هذه البلاد، بل (عندما نأخذ الأمر معكوسًا) لا مثال في هذه البلاد مثل الاستقلال عن «شيء» (مهما كانت التسمية) لم يصبه تغيير ولم يعرف القطيعة بمجرّد تغيّر «ماكينة الحكم»…

يمكن استثناء مؤسّسة الجيش في هذا الصدد، التي لم تكن بمنأى عن «الانقلابات» (في هذه البلاد)، بل كانت الأقدر والأشد قدرة على تأسيس «أشياء» (مهما كانت التسمية) تتجاوز التداول في التسمية والتبديل في المواقع، وأساسًا التغيير في الفريق الحاكم.

لذلك لا يمكن أن يكن يكون «صاحب هذه الماكينة» سوى «بائع ريح للمراكب التي لم تعد تملك أشرعة»، هو ستتظاهر بفعل «شيء» في حين «ستتظاهر» الدولة (أو هي الحكومة) برؤية هذا «الشيء» الذي لن ينتفع به أحد، لأنّه هذا «الشيء» (مجرّد) تسمية بدون (أو تبحث عن) مسمّى…

ضربة يقظة

يبقى السؤال معلّقا عن دواعي هذه «الطلعة» (بمفهوم اللسان الدارج): هل هي رغبة في «التذاكي» أمام «العمق الشعبي» علّ هذه الكلمات «الثقيلة» تصيب في أنفسهم مأخذًا، فينظرون إلى الحكومة على أنّها (قد) تبقى «يقظة» أو هي (قد) «تستشرف» شيئا؟؟؟؟

لا تحتاج الحكومة أو هي الدولة، وأساسًا وقبل ذلك كامل الطبقة السياسية، إلى «تبييض المناصب» بمثل هذه الطريقة التي تأتي أقرب إلى «الفهلوة» (بالمنطوق المصري الشعبي)، بل أن تطرح على ذاتها، وعلى العمق الفكري في البلاد، وعلى الطبقة السياسيّة في البلاد، ومن قبل ومن بعد «مجلس نوّاب الشعب» هذه الأسئلة:

أوّلا: هل المجتمع السياسي في تونس، يملك الوعي والقدرة بل الشجاعة على تأسيس «أي شيء» بقطع النظر عن المكاسب «الشخصيّة» والحسابات «الحزبيّة»؟؟؟

ثانيا: هل يملك هذا المجتمع السياسي، قدرة المجاهرة بقراءة بصوت عال، لأيّ عملية فحص لهذا المجتمع، الذي هو (بكامل المقاييس) «قصير النظر»، وفي رواية أخرى «أعمى لا يرى»، ليكون السؤال: «استشراف إيه جاي تسأل عليه» (مع مراعاة لحن الأغنية)»!!!!

ثالثًا: في حال سلمنا جدلا، بحسن النيّة وصفاء السريرة، وأنّنا أمام ذاك «الذي استفاق فجأة» أو نزلت عليه «الرحمة»، لنسأل :«هل تملك هذا «المجتمع السياسي» الوعي بضرورة جمع النخب القادرة على ممارسة «اليقظة» وتعاطي عمليّة «الاستشراف» (حقّا) دون ما نرى من «محاصصة سياسيّة» أوّلا، وكذلك (وهذا الأهمّ)، اعطاء الامكانيات لهذا «العقل» دون سلطان سوى الضمير ومصلحة البلاد العليا؟؟؟

في كلّ الحال، حكومة (سي) الحبيب الصيد لن تذهب أبعد من مارس، ولذك هنيئا لسيّد نجم الدين الحمروني بهذا المنصب، الذي سيلقى احدى المصيرين:

أوّلا: إمّا قراءة «نكديّة» (من تنكيد) بمعنى الحماة التي تكره حدّ الموت زوجة الابن، وسيكون مصير هذا المنصب وهذا «الشيء» الاغلاق، مع حديث (ربّما مؤكدة) عن «فساد في التسيير» وكذلك وقوع «انتدابات وفق الولاء السياسي».

ثانيا: أو القبول بالمشروع (من حيث الشكل) في صورة «الوعاء» والذهاب حينها في «انتقاد» العمل ووصمه بأقذع النعوت…

في الحالتين فتحت الحكومة قوسًا وأغلقته، كمثل المثل القائل (مع ما يجب من التحوير): «العزوزة هازها الواد، وتقول العام بين يقظة واستشراف»….