سواء تحدّث ذلك الصحفي ونطق من تلقاء ذاته أو هو «مأمور»، حين تفتقت موهبته وأكتشف (أو هو كشف) أنّ (سي) يوسف الشاهد «ولد عائلة» وكذلك «شبعان»، فهو (وكذلك الوعي العام الشبيه به والمماثل)، قدّم الرجل في صورة «الخاطب الراغب» في الزواج بهذه «الحكومة» التي وجب (وفق ذات الموقف) «إغراؤها» وممارسة أرفع درجات «الغزل» وليس «ممارسة الحكم» ضمن الأحكام المتراوحة من «فلاسفة الإغريق» إلى «المدارس الحديثة»…
هي صورة ناصعة وكذلك «طلعة بهيّة»، كأنّ يوسف الشاهد «الرائع بذاته» قادر جبرًا وضرورة ولزامًا أن يصنع «حكومة رائعة»… هي صورة «محفورة في الوعي» مرتبطة بما هي «صورة البطل» إن لم نقل «الزعيم» (في المخيال الشعبي) التي يتقلّد الباجي «أبهى تجلياتها»، ومن ثمّة يكون (سي) «يوسف» ظلّه في الأرض وصورته بين الناس.
عند هذا المستوى ليس لنا من الرجل وعنه (أيّ يوسف الشاهد) سوى أنّه «طيب المنشأ»، مرفودًا بما هي «الأخلاق الحميدة» دون أن ننسى (وهذا الأهمّ) «النوايا الطيّبة»، ممّا جعل المتلقّي يتّكل على «حسن النيّة» بالرجل وكذلك بمشروعه (الحكومي)، وبالتالي، تصديق أقواله (على بياض) وأيضًا أن «نشرب» ما يسقيه هذا الرجل على سبيل التجربة…
حين نتحرّك إلى الوراء، أو نرجع بعامل الزمن سنة ونصف السنة تقريبًا، ونضع (افتراضيا) صورة (سي) الحبيب الصيد عند انطلاقته في مشاورات تشكيل الحكومة، في موازاة صورة (سي) يوسف الشاهد وهو (كذلك) عند انطلاق تشكيل حكومته، نكاد نجزم بل نقسم بأغلظ الأيمان وأوكدها، أنّنا أمام «الصورة ذاتها»، بل ذات الأصوات التي «تقرع طبول» الفرح وترقص ابتهاجًا بمجيء هذا «المنقذ»، مع فارق كبير وعلى قدر هامّ جدّا، يكمن في أنّ أصوات «التصفيق» (في الحالتين) هي من ذهبت في شيطنة الحبيب الصيد دون حدّ أو حساب، وكانت سببًا في إسقاطه من سدّة «القصبة»…
أهمّ من اختيار هذا أو ذاك، حين لا فوارق (على مدى الرؤية الاستراتيجيّة) بين جميع «الخطّاب» على باب القصر الرئاسي، يكمن في حال الفراغ بل هو الخواء الذي يعيشه الواقع السياسي في تونس، أو هي الطبقة السياسيّة برمتها، وعلى سبيل التخصيص المعنيّة مباشرة بصناعة القرار السياسي وصياغة خطابه…
جاء يوسف الشاهد مجرّد «وعد» يبغي التغطية على الخيبات السابقة، أو هي الاخفاقات التي سقط فيها «ملك قرطاج» الباجي قائد السبسي بمباركة أو هو بدفع مقصود من «جليسه» (الداهية) راشد الغنوشي، أساسًا على المستويات الثلاث التالية:
أوّلا: العجز في قراءة شخصيّة الحبيب الصيد، الذي انقلب (في نظر الباجي وراشد) من «العبد المأمور» إلى الأسد «أبو قلادة»، بل (وهنا الخطير والمميت)، رفض المغادرة ضمن صيغة الدخول، وأتمّ «وعده» وصنع لنفسه صورة «صاحب الأنفة»…
ثانيا: العجز عن القراءة أو عجز الباجي عن إيجاد حلّ لحزبه (أو ما تبقّى منه) الذي تهاوى جانب منه أمام حكومة الصيد، وسيفقد بالتأكيد الجانب الأخر أمام حكومة الشاهد، ممّا يعني أنّ الباجي في سعيه لتثبيت حكمه بدأ يفقد أساس الحكم ذاته، أيّ الحزب (أو هو السلم) الذي عليه صعد إلى قصر قرطاج…
ثالثًا: عجز عن قراءة المستقبل، بمفهوم الفعل والممارسة والتأثير، حين يتأكد لمن درس يومًا علم السياسة، أنّ تغيير «ساكن القصبة» لا يعدو أن يكون (بالمفهوم التجاري) سوى إعادة تعليب «البضاعة» (الفاسدة) ذاتها، ممّا يعني أنّنا أمام تأجيل «الانفجار الاجتماعي»، بل جعله أشدّ وقعًا وأشدّ خطورة.
من ذلك يثبت بما لا يدع للشكّ أنّ يوسف الشاهد، سيكون أو هو ذلك «الشاهد» الذي عليه أن يبدو في صورة «المنقذ» الذي لا يلزم نفسه بقول، لذلك تكفّل «الجوق الإعلامي» (على عادته) في «تلميع الرجل»، بل جعله في صورة «المعصوم» حين وجب الاعتراف أنّ تونس صارت «بحرًا من الفساد»، وكذلك في صورة «المنقذ» حين عمّ «الضلال» واشتدّ «الكفر» (السياسي) وضاع أمر «الثورة» واندثرت «الديمقراطية» (أو تكاد)…
بقدر عتمة «الليل السياسي» بقدر ما جاءت «شمعة الشاهد» (أو هي وجب أن تأتي) مبشرة بالغد المنير والأفضل… الأزمة ليست في «تدوير» الواقع الشعبي بين ثنائيات «الرجاء/الخيبة»، بل في ذهاب «الواقع التونس» أو (بالأحرى) تقهقره (على الأقل من 14 جانفي) ضمن مستنقع ينذر بانفجارات اجتماعيّة خطيرة…
عقل الباجي ووعي الغنوشي، وكامل ما تحمل الطبقة السياسيّة من وعي، لا يمكن أن يتفتّق أوسع من «حكومة التوريط الوطني»، أيّ جعل «القوى القادرة على استغلال الانحدار» تركب السفينة وتكون «متورطة» وعديم القدرة على ركوب «موجة الانقاذ»…
يوسف الشاهد يأتي (بما يملك من مواصفات «رائعة») أشبه بذلك «العصفور» (في قفص الباجي والغنوشي) الذي عليه أن يغني بجانب شبكة منصوبة لطبقة سياسيّة، سقطت أوّل الأمر في «وثيقة قرطاج» لتجد هذه «العصافير» (السياسيّة) أنّ هذا الشيخ باعهم الوهم وطرح أماهم الشيخ الثاني «إصبع القابلة»، ليكونوا أشبه بمن رأسه في الفرن ومخرته في النار…