لا أحد في تونس أو في خارجها في حاجة إلى أدنى دليل إلى أمرين: أوّلا، حجم العنف المتبادل، بل والصريح والمعلن بين الأطراف السياسية في تونس، وعلى الأخص «الجالس على عرش قرطاج» مقابل «الماسك بدواليب القصبة»، مع وجود دوائر تقف وراء كلّ طرف، تسير في ركابه، تشتغل مقابل عطائه وتعمل بأوامره ومن ثمّة تعادي من يعادي، ممّا وتّر الأوضاع في البلاد وجعل «التنابز» بالألفاظ النابية (أحيانًا) ديدن الإعلام أو تصريحات السياسيين. ثانيا (وما لا يقلّ أهميّة) انحصار الأفق السياسي، بل غرائز السياسيين بل هي أولوياتهم الوجوديّة في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة المقرّرة (افتراضًا) لسنة 2019.
الأخطر من هذين النقطتين، يكمن في تفعيل الأولى من أجل الثانية، أي أنّ العقل السياسي مرتبط استثناء وحصرًا بصياغة القرار السياسي راهنًا ضمن جدلية «النفع» للذات (مهما يكن الموقع ضمن دوائرها) أو هو «الضرر» للمناوين. مع التأكيد على نقطتين: أولا، عدم وضوح الرؤية أمام الفاعلين، ممّا يعني أن «الراكضين/الطامعين» سيغيرون موقفهم ويستبدلون موقعهم بحسب جدليّة «النفع/الضرر»، وثانيا، أنّ منسوب العنف «اللفظي/الإعلامي» (إلى حدّ الساعة) في ارتفاع مع اقتراب الموعد (أي الانتخابات) بما في ذلك الترويج/التهديد بتأجيل (هذه) الانتخابات إلى 2021 أي (بالمنطق المعمول به في تونس) إلى أجل غير مسمّى.
أخطر ما في هذه «الفرجة» (لأنّها فرجة) أنّ الواقع الحالي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي بدأ يشهد توتّرًا ملحوظا أو هو عن قصد وتعمّد، ممّا ينذر بعودة سياسيّة ساخنة أو هي «حارقة» بحسب انذار البعض المبطّن، وحتّى تهديده المباشر، ممّا يهدّد الاستقرار من أساسه وكذلك (وهذا الأخطر) يدفع بهذا أو ذاك من المتسابقين إلى تجاوز «قواعد اللعب» أو هو [بالمفهوم الحربي الصريح] «قوانين الاشتباك» المسكوت عنها، لكن المعلومة بالضرورة، كما هي عادات المافيات العاملة أو القائمة على «توازنات» تنظم الصراع وتقننه، ولا تمنعه، ما يسمّى «التوافق» انموجًا.
من الأكيد أنّ رئيس مجلس الوزراء يوسف الشاهد تجاوز «المعهود/المتفق عليه»، حين أقال وزير الطاقة خالد بن قدّور، ليس لأنّ الرجل «بريء» أو «مذنب»، بل لأن هذا الوزير لم يتجاوز «قوانين اللعب» [السياسي] ولم يفكّر مجرّد التفكير في الاعتداء على «قوانين الاشتباك»، فقط حافظ على ما وجد من «طقوس» في وزارته، حين لا يجب بل الأمر من المحرمات، التقليب في «ملفّات الأوّلين» دون قرار صريح وإذن جليّ من «مجلس المافيات» الماسك بدواليب الحكم وما يتبع من مفاصل الاقتصاد فيه.
نقف وتقف البلاد ومن ورائه الدوائر الاقليميّة والدوليّة، أمام مشهد قدمته السينما أكثر من مرّة: «ذئب» [مافيوزي] يريد الانقلاب على «أسد» [مافيوزي] عجوز، فاتت «فترة صلاحيته» (بحسب هذا «النجم الصاعد»). من ذلك لا ينظر يوسف الشاهد إلى وجوده/بقائه في قصر القصبة سوى في صورة السلّم/المصعد إلى «عرش قرطاج»، ومن ثمّة لا يعنيه البقاء ولا تزعجه المغادرة في ذاتها، بل الأهمّ ما هي مرابيح الأولى ومدى المسافة التي سيقطعها بالثانية. لذلك لن ينزعج من «التنحية» ما دام قد أعدّ لنسفه «سيناريو الضحيّة»، أي ضحية «المافيات» التي تعمل على إزاحته لأنّ «قدّيس/نبيّ» يحارب «أبالسة الفساد»….
موقف «الأسد» [العجوز] الثاني، أيّ راشد الغنوشي، محدّد، بل مقرّر وحاسم، هو يريد بل يعمل ويصلّي ويدعو الله أن يدوم الصراع ما أمكنه أن يطول بين «الذئب» [الانقلابي] مقابل «الأسد» [العجوز] الماكر، لأنّ في برنامج الذئب كما الأسد، تحجيم دور هذا الأسد الجالس على ربوة المشاهدة.
ما يميّز هذه «الفرجة» أننا لا نعلم إن كنّا أمام شريطا سينمائيّا أم مسلسلا على نمط المكسكيّة منها التي (قد) تصل مئات الحلقات. لكنّ الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ كاتب السيناريو ذاته، لا يمسك بخيوط اللعبة بكاملها، لأنّ «الملعب» [السياسي] المحلّي شديد الارتباط بالبعدين الاقليمي والدولي، بل هما من يضعان قانون اللعبة ويرسمان حدود الملعب وخاصة يعيّنان الحكم، ممّا يعني أنّ موازين القوى الداخليّة عاجزة وحدها بل مرفوض لها أن تتجاوز حدود المناولة المفضوحة والعمل من الباطن المعلن والصريح.
الحكم الاقليمي/الدولي ومن معه من المراقبين، يملك «هدفا» صريحا بل واضحا وجليّة، يكمن في عودة البلاد والعباد إلى منطق «الطاعة» وكذلك «الامتثال الكامل»، وعلى «آلة الديمقراطيّة» أن تشكّل مجرّد صورة للتسويق لفوائد الجمع بين منافع «الوصايةة» مع فوائد «الصورة» الديمقراطيّة القادرة على تقديم ذلك «الربيع العربي» و«ثورة الياسمين» وغيرها من صروف التسويق السياسي.
من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ (سي) يوسف الشاهد تحوّل إلى «رقم صعب» بل هو «الرقم الأصعب» في المعادلة السياسية وكذلك بقيّة مشاهد فيلم «رئاسيات 2019» علمًا وأنّ هذا العنوان مؤقت ليكون الخيار بحسب مشاهد الخاتمة بين ««نهاية رجل شجاع» أو «مأساة رجل فقد ظلّه»….