سؤال في غاية البساطة (والبراءة كذلك): كيف سينظر زياد الأخضر (النائب في مجلس نوّاب الشعب عن الجبهة الشعبية) في عيني رفيقه وشريكه في «النضال» الوزير في حكومة الشاهد، عبيد البريكي؟ هل أنّ قرار «المعارضة» يسري حتّى على «رفيق» (الأمس)، أم (على حدّ قول أكثر من مطرب) «الحبّ الأوّل لا يتغيّر؟؟
سؤال يختصر الأبعاد السرياليّة أو هي العبثيّة لحكومة يوسف الشاهد، الذي جعل الحكومة (في مشروعها القائم) في صورة «زردة» عند «وليّ صالح» (الباجي قائد السبسي)، الذي يسعى الجميع إمّا للتبرّك به أو في حال العجز إلى مقارعته…
مقتل هذه الحكومة (أسوة بالعقل السياسي التونسي المريض) أنّها «حكومة النوايا» (الحسنة) وكذلك «الخطاب» الطوباوي (إن لم نقل الطفولي) الذي يستند بل ينفخ في «شكليات» (مهمّة على مستوى الخطاب)، لكنّها (عاجزة وهنا المصيبة) عن «صناعة السياسة» في معناها المطلوب، أيّ تحقيق «رفاهيّة العيش» (بمعناها الشامل): الرخاء والديمقراطيّة….
على مستوى «صناعة التفاؤل» يمكن الجزم دون أدنى شكّ أو قابليّة للنقاش أو التشكيك، أنّ حكومة الشاهد استهلكت أو ذهبت في هذا الدرب وقطعت فيه من الأشواط ما لم يحلم به الحبيب الصيد شخصيا:
أوّلا: رئيس الحكومة ذاته: أتانا أشبه بما هو «الطفل الملائكي» الذي لا «ذنب له ولا هم يحزنون»، أيّ أنّ تسويق «انعدام الخبرة وفقدان التجربة» على الأقلّ على مستوى تسيير من هذه الحكومة في مثل هذا الظرف بالذات تحوّل من «نقيصة» أو هو عامل إزاحة إلى «ورقة رابحة» بل هي من حقّقت الفارق
ثانيا: دخول (أو بالأحرى إدخال) الاتحاد العام التونسي للشغل وتوريطه من خلال «وزيرين» بحجم كلّ من «محمّد الطرابلسي» (المحسوب على التيّار العاشوري ـ نسبة إلى القائد التاريخي للاتحاد الحبيب عاشور)، وكذلك عبيد البريكي (القيادي المخضرم)، لكن (في الآن ذاته) أحد وجوه «اليسار» في البلاد، وعلى وجه التحديد «الوطد» المكوّن الرئيسي لما هي «الجبهة الشعبيّة»، يجعل المعادلة (بمفهوم الرياضيات) تخرج من حيز «المنطق المعقول» إلى حسابات «الافتراضات الخياليّة»…
ثالثا: وزراء (ما يسمّى) «أبناء السبيل» أيّ من ينتمون إلى «كيانات سياسيّة» عديمة الوجود (أو قليله) على مستوى الشارع، وكذلك بحساب الوجود في «مجلس نوّاب الشعب» على قاعدة الانتخابات التشريعيّة السابقة، يجعل الحكومة أشبه بما هيّ «التكايا» (في العصور القديمة)، أيّ فضاءات منفتحة على أساس «الصدقة» وكذلك «البرّ» بالعابرين وذوي الحاجة…
حين نستثني النوايا المنقوصة والتمنيات الناقصة والكمّ الهائل من المديح المجاني، لا تملك هذه «الحكومة» من «الرصيد الملموس» ما يجعلنا نميل إلى التصديق بدل الشكّ أو هي الريبة في أبعادها الأخلاقية…
هي حكومة «القنابل» الموقوتة، أو التي ستنفجر عند «الحاجة»، سواء داخل صفوف نداء تونس، الذي عرف «تململا» بمجرّد مشاهدة أو هو اليقين بأنّ «الصدقة» (أيّ المناصب الوزاريّة) ذهبت إلى «أبناء السبيل» (أيّ منعدمي العمق البرلماني والشعبي) عوض «الأقربون» (أيّ «أهل البيت» من «أبناء الدار»)….
منطق «الغنيمة» لا غير، حين تأكّد وترسّخ (منذ 14 جانفي) أنّ عدد «الملاعق» أقلّ من عدد الأيادي الممدودة، وأساسًا يأتي كمّ الطعام أقلّ من عدد الملاعق. من ثمّة يصبح البون شاسعًا (من حكومة إلى التي تليها) بين «كمّ الغنيمة» مقابل «كمّ الأفواه المشرّعة»….
هذه اللهفة أو هو «الهوس بالمناصب» صنعه الباجي أو هو أجّجه بل جعله أقرب إلى سعير جهنّم (وبئس المصير)، استطاع من خلاله (هذا) «الشيخ/الثعلب» أن يجعل من هبّ ودبّ ومن يمشي على أرض تونس من الحالمين بالمناصب، ليس فقط يشيرون إلى الباجي تلميحا وتصريحا أو هو الصراخ، بل يبذلون ما لم يحلم به هذا «الشيخ/الداهية»…
سمير بالطيب (مثلا) الذي رأى في تسمية يوسف الشاهد أشبه ما تكون «الخيانة» (الموصوفة) لما جاء وما تمّ الامضاء عليه في «وثيقة قرطاج»، ويضيف في إصرار شديد أنّ «جبهة الرفض» (لهذه الخيانة) ستلعب «دور المعارضة»، ليعود الرجل عن جميع ما أعلنه ويبتلع جميع «صولاته وجولاته» ويكون وزيرًا في حكومة «وزير فاشل» (في حكومة الصيد) على حدّ قول «وزير الفلاحة» (هذا)…
يتكّل الشاهد (ومن ورائه ومن أمامه الباجي ذاتيا) على سرعة «الهجوم» لتمرير الحكومة، لذلك جاء «الإعلان الرسمي» واضعًا جميع «الطامعين» كما «الرافضين» أمام «الأمر الواقع» ومن ثمّة الاتكال على هذا «الزخم البطولي» لهذا «الفارس الأربعيني» بل هو «الملائكة ذاتها»، حين يحمل وصف «الشبعان» وكذلك «ولد عائلة»، لكن هذه «الوصفة» لا يمكن (بل من المستحيل) أن تتحوّل إلى ذلك «السحر» القادر على اقناع «الرافضين» أو طمأنة «الممانعين» أو حتّى تليين «الأعداء»…
من الأكيد وما لا يحتمل الجدل، استحالة إرضاء «الجميع» سواء تعلّق الأمر بالممضين على «وثيقة قرطاج» أو هم «أهل البيت» (النهضة والنداء). كذلك من المستبعد أنّ يمرّ الشاهد إلى جلسة منح الثقة بما أعلنه أمام الصحافة. لذلك يمكن الجزم أنّ هذا «الملاك» مجبر بل هو ملزم على فهم لغة «الشياطين»، حين لا فواصل بين الاثنين في تونس…