لم يجد العاهل الاردني عبد الله بن حسين أفضل من «البحر الميّت» مكانا لقمة عربية تحتضر أو هي تحت الرعاية الطبية إن لم تكن في حال من «التنفس الاصطناعي». الانجاز الوحيد (بل اﻷوحد) لهذه «السنّة» (العربية) يكمن في دورية انعقادها، كأن هذا «الاجتماع» تحوّل (أو هو تحوّل فعلاً) إلى «طقس» في ذاته، بقطع النظر عن المحتوى أو هي النتائج، ممثلة في «البيان الختامي» الذي (مع فوارق شكلية وفروقات تعبيرية)، يأتي نسخة عن بيان القمة الفارطة، على مستوى الشكل العام على الأقل.
يغلب على بيان هذه الدورة (حين نعتبره ترجمانا عن الحال العربي)، ليس فقط «البعد الإنشائي»، بل ذلك السعي المقلق أو حتّى «المرضي» للظهور في شكل «الفتى النظيف» (المؤدب اللطيف) الذي يتفوق على «قرينه» (الكيان الصهيوني) على مستوى «الأخلاق» وكذلك يريد إثبات أنّه أدى ما عليه من «فروض» على «أتمّ وجه»، ومن ثمة تنفس الصعداء (أي الزعماء العرب) حين صارت كرة «الأخلاق» (إفتراضًا) في المرمى الصهيوني، تحت أنظار «الراعي» (الأمريكي) الذي عليه (وفق الزعماء العرب) أن يؤدي دوره في «موضوعية وحياد،» أو هكذا لا يزال «الحلم العربي» رغم الاصطفاف الأمريكي الواضح (بل المفضوح) إلى جانب «كيان المسخ الصهيوني» الذي وإن خسر المباراة على «المستوى «الأخلاقي»، إلا أنه بلغ في مجال الاستيطان (مثلما فعل مؤخرًا حين أطلق حملة واسعة) ما يجعل «حل الدولتين» ليس فقط غير قابل للتطبيق بل غير قابل للتصديق، مهما كانت السذاجة ومهما جاهد المرء في تصديق الصورة التي يتمّ تسويقها، من خلال هذه القمّة مثلاً…
على خلاف علم الطب الشرعي ونظريات التشريح، لا يزال القادة والزعماء العرب يتشبثون بما يسمى «المبادرة العربية» لقمة بيروت 2002، وهم يعلمون علم اليقين، أنّها لاقت الرفض وحتّى السخرية والاستهزاء عند إصدارها، حين اكتسح المجرم السفاح «آرييل شارون» مخيم جنين، وما ارتكب جيشه من جرائم حينها. يعلم هؤلاء القادة، أنّ (هذه) «المبادرة» (مهما يكن التنقيح على النسخة) لن تتوافق مع الواقع القائم راهنًا، حين لا يأمل سوى الغبي أو الساذج أن تتراجع القيادات الصهيوني، أو تُراجع مشروعها (بما يكفي) لتطبيق هذه «المبادرة»، بالقدر الكافي لضمان «صدقيّة الصورة»…
انتقل التناقض الاستراتيجي من مستوى الصراع مع الصهاينة إلى صراع بين قادة الأنظمة بما يحملون من مشروع حكم وما يحلمون به من دوام على الملك من جهة، مقابل الواقع الماثل أمامهم (وأمامنا)، ليصبح الصراع أو هو يتحوّل من التناقض (الاستراتيجي) مع الصهاينة إلى رغبة في جمع المتناقضات الثلاث التالية:
أوّلا: الحفاظ على حدّ أدنى من صورة «الاختلاف» مع الكيان الصهيوني، لأنّ «الاختلاف» (وحده) ضامن لشرعيّة هذه الأنظمة، بل سبب وجودها وأساس دوامها،
ثانيا: الحفاظ على الحدّ الأدنى، إن لم يكن السعي لتوفير الحدّ الأقصى من الاستمراريّة في الحكم، سواء من باب توفير «أسباب القوّة» (الأمنيّة أساسًا)، أو الحفاظ على تفاهمات (اجتماعيّة) أرست دعائمها تفاهمات «الخبز مقابل الحكم» وفي بعض الدول «الرخاء مقابل الحكم»،
ثالثًا: إفهام «المجتمع الدولي» (أيّ الغربي والأمريكي)، أنّ هذه الأنظمة تفهم وتدرك، بل هي تتقن لعبة الوقوف ضمن مربّع «التقاطع» بين النقطتين الأوليتين، ممّا يعني (جهرًا وعلانيّة) الجمع بين صورة «الواقف في وجه الاحتلال» مقابل التوافق مع المشروع الأمريكي، أو على الأقل عدم التناقض معه أو الوقوف (العلني) ضدّه…
ضمن هذه الدوّامة التي تزيد سرعة دورانها وينخفض مجال التقاطع بينها، مرّت استقالة الدكتورة «ريما خلف» الأمينة العامة للجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا، من موقعها، احتجاجا على طلب الأمين العام للأمم المتحدة، سحب تقريرًا أشرفت على صياغته، أثبت بالدليل المادي القاطع أنّ «الكيان الصهيوني» يمارس أبشع درجات «التمييز العنصري»، وسط صمت عربي رسمي، كذلك، وسط قوافل الشهداء التي يدفعها الشعب الفلسطيني، سواء من عامّة الشعب أو من رموزه السياسيّة والعسكريّة، جاءت هذه «القمّة» دون الحدّ الأدنى الضامن لما هو «ماء الوجه»، حين لا قدرة ولا رغبة للموقف «العربي» (الرسمي) أن يحتكّ بما هي «المخاطر» التي تتهدّد هذا «النظام» والتي (في الآن ذاته) تغيض «ماسكي القرار» على المستوى الدولي…
علميّا، ودون الحاجة لرمي الأقداح (على عادة العرب في الجاهليّة) أو قراءة الطالع في النجوم أو حتّى «ضرب الرمل»، يمكن الجزم، أنّ هامش التقاطع بين «ما يحفظ» الوجه لهذا النظام العربي من جهة مقابل تقديم الحدّ الأدنى من «الصورة» (المقبولة) وإن كان على مستوى الشكل وحاجة المشهد، في تراجع، ممّا يجعل هذه القمّة (في دوراتها القادمة) في حاجة إلى «لاعبي سيرك» للقفز ضمن مجالات الممكن أو الوقوف فوق هذه المساحة المتناقصة في سرعة كبيرة.
العمق العربي الصامت وغير المهتمّ (ظاهرًا وشكلا) بما هي هذه الملهاة/المأساة التي صارت تنعقد كلّ سنة تحت عنوان «القمّة العربيّة»، وكذلك غير قادر (وهنا الخطر والطامّة العامّة) على تحويل الوعي الفردي والباطن، إلى وعي جماعي وفاعل، هو عمق يختزن الغضب، وكذلك تتراكم في أعماقه مرارة، تزيلها (لوقت قصير) بطولات الصامدين في العمق الفلسطيني، غير مهتمّين بهذه «القمّة» أو ذاك «القرار»، لأنّ المسألة لم تعد تعني إمكانيّة قيام الأعاصير في هذا «البحر الميّت»، بل هو «التسونامي» القادم حتمًا وضرورة ودون نقاش…
25 تعليقات
تعقيبات: lafuma聽jacket price
تعقيبات: cheap marmot jackets
تعقيبات: uggs store online
تعقيبات: Callaway Golf online
تعقيبات: moncler outlet store