إيقاف رضا الجوّادي: التعلّة والألف ذنب… النهضة والثور الأبيض

27 أكتوبر 2015

الجهة صاحبة القرار (السياسي) التي أمرت بإيقاف رضا الجوّادي لم تفعل سوى طرح المسألة من ناحية «العنف المادّي» (المستوجب) تجاه خلاف بخصوص «الإمامة الدينيّة» وما يتبع من «رمزيّة السلطة»، أيّ «النفوذ السياسي المستوجب»، كما كان الحال بين المهاجرين والأنصار في حادثة «السقيفة» الشهيرة، بُعيد وفاة الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم.

يسلّم العلماء من بن خلدون إلى هشام جعيّط مرورًا بطيف كبير أنّ «مسألة الإمامة» تأتي أو تمثّل جذر السياسة في الفضاء العربي الإسلامي، حين تأتي السيطرة عليها «باب للدعاء» على المنبر «استحواذًا على السلطة السياسيّة» والوسيلة الوحيدة لابلاغ الناس بذلك.

الصراع من أجل جامع اللخمي يختصر هذه المعادلات الملتهبة ويفتح الأسئلة على الواقع التونسي المتراوح بين الهزيمة الموقوتة والأزمة الدائمة.

رضا الجوادي

رضا الجوادي

إلقاء القبض على رضا الجوادي يندرج في العراك الدائم والمستمر والذي لم ينقطع في تونس، بين «السلطة الدينّية» العاجزة عن السيطرة على الشأن السياسي، حين خرجت النهضة (الممثلة للإسلام السياسي الحاكم) من الحكم بعد أن ذاقت ويلاته، من جهة مقابل «السلطة السياسيّة» العاجزة (منذ زمن بن علي) عن بلورة «رؤية دينيّة» خارج الرفض الآلي وحتّى المرضي للجهة الماسكة لهذه «السلطة الدينيّة».

عثمان بطيّخ الممثّل الأعلى والرسمي للوجه الديني لهذه «السلطة السياسيّة» يأتي كمثل البطاريّة غير قابلة للشحن، استنفذت مهمتها منذ زمن بن علي، وبالتالي يمثّل مأزق السلطة على مستوى الخطاب والممارسة، وحقيقة المأزق الذي يتفرع إلى وجهين:

أولاّ: عجز عن بلورة خطاب ديني خارج منطق معارضة «السلطة الدينيّة» القائمة بذاتها في البلاد

ثانيا: عجز عن إيجاد رجال من أصحاب القامات المديدة في مجال الفقه وعلوم الدين تحارب بهم أصحاب القرار لدى «السلطة الدينيّة»

إنّها الصورة ذاتها تأتينا من زمن بن علي بُعيد وصوله إلى السلطة وصراعه من أجل الاستحواذ الكامل على كامل آليات القرار في البلاد، «سلطة دينيّة» استولت على شرعيّة الخطاب (داخل المساجد) وعاجزة عن إيجاد موطأ قدم لها على أرض الواقع «السياسي»، و«سلطة سياسيّة» عاجزة عن بلورة رؤية دينيّة خارج ردّ الفعل «المادّي»، ولا شرعيّة لها خارج «العنف الرسمي» لحسم الخلاف الفقهي والاختلاف بخصوص الإمامة.

الاختلاف الوحيد والأوحد أنّنا (الآن وهنا) أمام حركة النهضة (الحزب «الديني» الأول في البلاد) التي تجد نفسها جزءا من «الحكومة القائمة» و«طرفا مسؤولا» (نظريّا على الأقل) عن ممارسات وزارة الداخليّة، ليكون الخيار بين موقفين أحلاهما مرّ.

دون السقوط في «نظريّة المؤامرة» بالضرورة، ودون القول بشرطية وجود «مطابخ سياسيّة سريّة»، يمكن الجزم أنّ إيقاف رضا الجوّادي يستهدف (مباشرة أو غير مباشرة) حركة النهضة ليس فقط على أساس موقفها «الرافض» (في هدوء شديد جدّا جدّا) لعزل الأئمّة عن منابرهم، بل زرع «فتنة» (موقوتة) بين «الجناح الدعوي» (القريب جدّا جدّا من رضا الجوّادي) و«الجناح السياسي» الذي يتمنّى (والتمني طلب المستحيل) العود بالزمن إلى الوراء وفسخ أيّ علاقة للحركة بالدين الاسلامي كما يفعل لطفي زيتون وينادي بذلك السيّد الفرجاني.

إذا تمّ تفتيت النداء أو على الاقل شطره أو تقزيمه، لا بدّ من تفتيت النهضة أو شطرها أو تقزيمها، لأنّه لا يجوز من منطق «الدولة العميقة» أن تستفرد النهضة بالزعامة في البلاد وتبقى الحزب العملاق (كمّا) والأفضل (تنظيمًا)…

بان وتبيّن للملاحظ العادي قبل المراقب الفطن، مدى الحرج الذي أصاب حركة النهضة عندما شرع عثمان بطيّخ (بقرار من هم يشتغلون من خلاله) بعزل الأئمة، فكان السؤال الحارق حين تعجز (ولا تزال) الحركة عن الردّ: هل تذهب في التوافق الاستراتيجي المرسوم بين الشيخين وما يستوجب من «صمت» في موضوع الأئمة مع تأثير ذلك على «الجناح الدعوي» في الحركة، أم تنتصر لهؤلاء المعزولين وتعادي الدولة العميقة وتقطع «شعرة معاوية» مع السبسي، وتدفع بالبلاد نحو المجهول؟؟؟

خطورة السؤال أنّ العزل مسّ «المساند السياسي الأوّل للنهضة في صفاقس» وروعة هذا «المساند» أنّه لا يطلب جزاء أو شكورًا، أيّ أنّه لم يقايض أبدًا وقوفه مقابل منافع سياسيّة أو أغراض دنيويّة. هل تقبل النهضة أن تكون في صورة «ناكر الجميل»؟؟؟؟

يملك راشد الغنوشي موهبة المراوحة بالمسألة مكانها، أي تهدئة الأوضاع إلى حين، لكنّه مجبر وملزم بالردّ على تساؤلا عمق شعبي غير هيّن، وضع أسئلة عديدة وتساؤلات عدّة بخصوص «المهادنة» ومدى ما تدفع الحركة من ثمن.

يعلم الجميع أنّ صفاقس المدينة والمنطقة تمثل عمقا لحركة النهضة، وراشد الغنوشي البراغماتي بطبيعته والذكي بطبعه، يعلم أنّ السياسة كالتجارة لا تسمح بالرهان برأس المال، خاصّة وأنّ رأسمال هذا بدأ في التململ جهرًا سواء داخل الحركة أو في عمقها الانتخابي.

 


26 تعليقات

    1. تعقيبات: Lafuma sale

    2. تعقيبات: buy ecco shoes online

    3. تعقيبات: Skechers online

    4. تعقيبات: lk bennett handbags outlet

    5. تعقيبات: cheap parajumpers sale

    error: !!!تنبيه: المحتوى محمي