أغبياء وسذّج ومتخلفين ذهنيّا، من حسبوا يومًا أو اعتبروا أنّ نزول بضعة ألاف إلى شارع بورقيبة يوم 14 جانفي يمثّل «السبب الحقيقي» لما يسمّى «سقوط نظام بن علي» ومن ثمّة اعتلاء المبزّع عرش قرطاج والغنوشي كرسي القصبة. بجميع الشواهد وكلّ الأدلة، كان بن علي مستعدّا وله القدرة على ادخال البلاد أتون حرب كما جدّ في ليبيا ومن ثمّة، يأتي «العمق الثوري» (خصوصًا جماعة 14 جانفي) أشبه بذلك «مريض الوهم» الذي «يحسب الخيال واقعًا»، حين يتوهّم نفسه «فاعلا»…
من ذلك تأسّست صورة خاطئة عن موازين القوى في البلاد، أنّ «وزارة الداخليّة» لم تكن قادرة «أمنيا» يوم 14 جانفي على «مسك البلاد»، في حين جميع الأدلة القاطعة تثبت أنّ الأزمة كانت على مستوى القيادة وفي مستوى التصوّر….
وزارة الداخليّة ذاتها، سواء القدرة الأمنيّة أو العقل المدبّر أو حتّى القرار السياسي، سقطت في هذا «الفخّ» وصار همّها منذ يوم 14 جانفي وما تلاه، اثبات القدرة للذات أوّلا وللأخرين ثانيا، أنّ الوزارة لا تزال في الآن ذاته قويّة وقادرة، وثانيا (وهذا الأخطر) قادرة على ملاءمة هذه القوّة وتطويع القدرة مع «المتطلبات الديمقراطيّة» (الطارئة)…
مسيرة الوزارة منذ التاريخ، تثبت أنّها لا تزال تبحث عن طريق بين الدروب، وتتحسّس مسارًا بين كلّ الاحتمالات الممكنة. تقرير «مجموعة الأزمات» (الأوروبيّة) التي أجرته عن «قوى الأمن الداخلي» [انقر هنا للحصول على نسخة من التقرير] أثبت بما لا يدع للشكّ (علمًا أنّه تم بطلب من وزارة الداخليّة وبمساعدة منها) أنّ الاصلاحات يجب أن تمسّ الهياكل كما العقيدة بكاملها.
راكمت وزارة الداخليّة الهفوات والأخطاء التي جعلتها تبدو في صورة أشبه إلى «وزارة بن علي» أو «الوزارة زمن بن علي»، حين عجزت الوزارة لأسباب عديدة، أهمّها ضعف الامكانيات ونقص في التجهيزات، عن ملاءمة مقتضيات «العهد الجديد»، أيّ الفاعليّة الأمنيّة مقترنة باحترام أبسط قواعد حقوق الانسان…
دليل هذا الفشل، اصرار القيادات النقابيّة الأمنيّة، بالجملة وعلى كلّ المنابر دون حصر، على:
أوّلا: تبخيس «مفهوم حقوق الانسان» واعتباره «تعلّة» تقف في وجه أداء «المهمّة الأمنيّة»، أساسًا «مكافحة الإرهاب»،
ثانيا: المطالة بإطلاق أيدي العاملين في الوزارة، أيّ (بمفهوم الآخر) أولويّة تحصيل «النتائج»، بقطع النظر عن «الكلفة الانسانيّة» (أي التعدّي على حقوق الانسان).
يتأكد من مجرّد طرح هذه الأسئلة في صيغة هذه المعادلة بالذات، أيّ وضع «حقوق الانسان» في صورة «العائق»، أنّ «العقل الأمني» (أو على الأقل «الناطق بإسمه») لا يزال دون القدرة ليس على إيجاد الحلّ، بل (الأخطر) على طرح معادلة التوافق، بل الجمع بين «الفاعليّة الأمنيّة» (من جهة) يصحبها ويمشي معها «احترام (كامل) لحقوق الانسان»…
أهمّ من الطرح الفكر والمقاربة العلمية أو حتّى التفكير الأكاديمي في هذه المسائل، حين تأكد أنّ وزارة الداخليّة بمساعدة وزارات داخليّة غربيّة (المملكة المتحدة بالخصوص) حاولت طرح هذه المسائل والبحث لها عن مخارج، أهمّ من الطرح، ما تراكم هذه الوزارة، أو بالأحرى «قوى الأمن» من صورة، وجب الجزم أنّها تتراوح (وهنا الخطورة) بين نقيضين:
أوّلا: صورة المقاوم للإرهاب والمتصدّي له، وحتّى ضحيّته، حين أعرب العمق الشعبي ولا يزال، خاصّة في المناسبات الأليمة أنّه يقف بالقول والقلب والضمير مع كلّ الأسلاك المعنيّة بمكافحة الإرهاب والتصدّي له،
ثانيا: التذمّر المتزايد من عودة المنظومة الأمنيّة إلى «عادتها القديمة» من استسهال للعنف أوّلا، وممارسته دون «وجه حق» (بحسب عديد الشكاوى والشهادات) ثانيا، بل الأخطر، وصول هذا «التعنيف» (أحيانًا) حدّ الشدّة، أو هي الوفاة، وفق جمعيّات حقوقيّة، قدّمت شهادات طبيّة وشهادات أقارب المعنيين…
في الصفّ المقابل (حين وجب أن نعطي لكلّ ذي حقّ حقّه)، تأتي الحيرة كبيرة، خصوصًا لدى أعوان التنفيذ والبوليس الملامس للمواطن في حياته اليوميّة:
أوّلا: غياب «التغطية» (الفوقيّة) على كلّ «التجاوزات» (كما كان في السابق)، ممّا يعني أنّ «العون» معرّض للمساءلة القانونيّة والمحاسبة الإداريّة،
ثانيا: لا تزال الوزارة (القيادة) ككلّ الوزارات في العالم، تطالب بنتائج أفضل على مستوى حفظ الأمن وكذلك حلّ جميع القضايا وتقديم المخالفين للقضاء، في حال ثبوت التهم بالأدلة والبراهين التي تتوافق مع أبسط قواعد حقوق الانسان…
حين نريد أن نفهم «تغوّل» النقابات الأمنيّة، وجب أن نفهم أنّها أصبحت تؤدّي الدور الذي كانت تؤدّيه القيادات (الأمنيّة والسياسيّة) زمن بن علي، أيّ «الدفاع عن العون ظالمًا كان أو مظلومًا»، ومن ثمّة نفهم (ونتفهم) هذه الازدواجيّة في عقل العون، بين قبول الأوامر من «القيادة الأمنيّة» والحصول على «الغطاء» من النقابات الأمنيّة.
مفهوم جدّا، بل طبيعيّ (وإن كان غير مشروعًا) أن تلعب النقابات دور «العُراب» في زمن تراجع فيه «القرار الأمني» عن دوره السابق، وكذلك (وهنا المصيبة) غابت فيه التجهيزات (خاصّة التجهيزات الحديثة لدى الشرطة العلميّة)، ممّا يجعل العون (في مواجهة المواطن) عاجز عن تقديم «الخدمات» (المطلوبة ديمقراطيا)، وعاجز (في مواجهة رئيسه) عن تأمين «المردود» (المطلوب)، ممّا أدّى إلى «رجوع حليمة إلى عادتها القديمة»، دون أن تغفل أنّ حال التذبذب هذا، يؤسّس لحالة من تراكم التوتّر، تجعل العون أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب.
نفهم حينها اللجوء السريع والآلي إلى «العنف» (المجاني)/المبالغ، كمثل الاعتداء على الصحفيين الذين سارعوا إلى مكان التفجير الارهابي في محمّد الخامس، كمثل غيرها من الحوادث، التي (وجب الاعتراف) أنّ وتيرتها في تزايد خطير جدّا…
21 تعليقات
تعقيبات: oakley outlets
تعقيبات: marmot outlet online
تعقيبات: outlet moncler
تعقيبات: emu online store
تعقيبات: official balmain sale