تعيش حركة النهضة، أسوة بالحركات الإسلاميّة «المعتدلة» (أيّ ذات الإرث الإخواني) منذ مطلع هذا القرن (بصفة متفاوتة) حركة «هجرة» أو هو «انعطاف» نحو «الديمقراطيّة»، سواء جاء الأمر معلنًا في صورة «مراجعات» أو قفز البعض أشبه بالبهلوان ليثبت أنّ «الإسلام» (أيّ «الفكر الإخواني») موافق مع «الديمقراطيّة» إن لم يقل أنّ «الإسلام» (أيّ الممارسة الدينيّة ونمط الفكر) مستحيل دون (هذه) الديمقراطيّة…
يبقى الاختلاف قائم والصراع دائم، بين من يرون أنّ «حاكمّية» السيّد قطب هي الأصل وما خالفها «تقيّة»، في مقابل من يرون أنّ الحركة الإخوانيّة (بصفة عامّة) صادقة في مسعاها، سواء ضمن هذه «الهجرة» (نحو الديمقراطيّة) أو في البحث عن «قاعدة» (مشتركة) بين كلّ من الإسلام (الممارسة) والديمقراطيّة…
هذه «الهجرة» نحو الديمقراطيّة جاءت أشبه بما هو «التيه» في الصحراء، حين يمكن الجزم (دون أدنى شكّ) أن الدرب (نحو الديمقراطية) لم يأت سهلا وكذلك لم يأت الأفق بيّنا أمام هذه الحركات الإسلاميّة (النهضة أساسًا) سواء في علاقتها مع محيطها «الإسلامي» وكذلك غير الإسلامي، دون أن ننسى عمقها الشعبي وأصولها الإيمانيّة، التي تؤمن، بل تعمل وفق منهجيّة «التمكين» (في الأرض) وفق قواعد «الحاكميّة»، مع اعتماد التدرّج في المسعى وكذلك «اللين» (أي عدم العنف) في الوصول إلى السلطة…
ضمن هذه الهجرة/التيه، لا يمكن إغفال العوامل الداخليّة (أيّ داخل تونس) أو الإقليمّية وكذلك الدوليّة، وكذلك ضمن عمق الحركة، لذلك لا يمكن لهذا «النزوع» نحو الديمقراطيّة، الذي ارتقى إلى الهاجس الأكبر، أن يأتي خطّا مستقيمًا أو «طريقًا سريعًا» مضاءة أمام الجميع.
على المستوى الدلالي (بالمعنى الفلسفي) جاءت خطابات النهضة دائمًا ساعية إلى «تدوير الكلام» أيّ أن يكون «الخطاب» بعيدًا عن الصدام، ساعيا إلى «الجمع» من خلال الإغراق في «الأخلاقيات» وكذلك «المبادئ» العامّة وأيضًا «القيم» الجامعة…
يعلم الجميع أنّ «العائلة الاخوانيّة» مورطة (حدّ النخاع) في «المستنقع السوري»، سواء من باب «جرد الحساب» (الثأري) مع هذا النظام، أوّ (وهذا الأهمّ) السعي إلى «ربح المعركة» (هناك) من خلال «التوافق» مع «الراعي الرسمي» للحرب هناك، الذي هو (من حسن الحظّ) «الراعي الرسمي» لهجرة «التنظيمات الاخوانيّة» نحو الديمقراطيّة، ليكون التلازم بين «المسارين»: اسقاط النظام السوري والتفوق ضمن جميع الامتحانات التي أعدّها الأمريكان أمام الحركات الإخوانيّة لإثبات أنّها اقتنعت بالديمقراطيّة، فكرًا وممارسة.
لكن ضمن هذا المشهد «البهيّ» (أيّ عصافير عديدة بحجر واحد)، تأتي التنظيمات «المتطرفّة» ضمن المشهد السوري، لتفسد بهاء هذا المشهد، بل لتضع النهضة (ومعها الطيف الإخواني بكامله) ضمن حال من «الانفصام السيكولوجي» الخطير، أيّ أنّ من لعب «ورقة الديمقراطية» التي أباحت قبول «الشذوذ الجنسي» واعتباره من «الحريات الشخصيّة» (في تونس) لا يمكنه (افتراضًا) التلاقي مع «حركة النصرة» أو (ما يسمّى داعش) من أجل اسقاط النظام السوري.
قناة «الجزيرة» (القطريّة) التي يمكن الجزم أنّ تأثير «الفكر الإخواني» فيها قائم بل «مؤثر» إن لم نقل «حاسم» تأتي (في الآن ذاته) «الراعي الرسمي» لتنظيم النصرة، وكذلك أحد أكبر الداعمين (مؤسّسة عزمي بشارة كذلك) لما هو المسعى الإخواني للهجرة نحو الديمقراطيّة.
هو مشهد تيه شديد الخطورة، بل هو مشهد أشبه بما جابه طارق بن زياد، مع إضافة أخطار من الجانبين وقنابل من تحت وصواريخ من فوق، يدفع راشد الغنوشي إلى «تدبّر الأمر» بحسب «الواقعة»، أيّ «البحث عن حلّ» للمعضلة في بعدها الآني والعاجل، وهي «فخاخ» جعلت الغنوشي يبدو «متقلبّا» في تصريحاته (أي تصريحات متناقضة). سبب ذلك أنّ تصريحات الغنوشي (وهذا مهمّ) تخضع أو هي تصدر عن «غريزة البقاء» وليس «حلاوة الكلام» (في ذاته)، حين يتصيّد الطرف الغربي أيّ هفوة، وكذلك «الأعداء» كما «الحلفاء» دون أن ننسى «عمق شعبي» يأتي أقرب (من باب الإيمان) إلى «حركة النصرة» من النزول إلى الشارع للمناداة (صدقا) بحياة الباجي قائد السبسي (رئيس الجمهورية) أو الدعاء له بطول العمر.
مهرب واحد ومنفذ وحيد، يفسّر أو هو «حلّ» النهضة ضمن هذه «الرمال المتحركة» يكمن في أنّ الأمريكان أشدّ حرصًا على «النجاح في سورية» اعتمادًا على النصرة و(ما يسمّى) داعش، من ذلك الحرص (الكاذب) على «تلقين» النهضة الأصول المؤسّسة للديمقراطيّة ضمن نفسها الإسلامي.
غضّ الطرف الأمريكي هذا، يمكّن الغنوشي من القول أو هو الجزم بل المباهاة بأنّ (ما يسمّى) «داعش حالة غضب» ممّا يمكّن النهضة من عدم اغضاب عمقها الجماهيري، الذي يجمع على «عدم جواز تجريم من يحارب النظام السوري» في مقابل قيادة النهضة التي «تشرّع» أو هي لا «تجرّم» (في الصراحة المطلوبة افتراضًا) ما وجب أن يكون عليه «الموقف» (أسوة بما هي «الشرعيّة الدوليّة») من «تجريم» لكلّ من «النصرة» (في نسختها الجديدة) وكذلك (ما يسمّى) «داعش»…
تسعى النهضة (في المقابل) وكذلك «كامل الطيف الاخواني» إلى تجاوز هذه «الدمقرطة» (الفوقيّة) المفروضة من قبل الغرب، إلى نمط من «البراغماتيّة» (بمعناها الانتهازي)، أيّ أنّ «الإخوان» (والنهضة أساسًا في تونس) تأتي ضامنًا، بل الضامن الأكبر لما هو «الاستقرار» في تونس، وكذلك «الحليف الموضوعي» في سورية، وربّما في أماكن أخرى من العالم.
تأمرك الإخوان (بفعل الوقت) أيّ أنّ لا هاجس لهم (النهضة أساسًا) سوى «هاجس البقاء» (أوّلا) وكذلك (وهذا لا يقلّ أهميّة) ضمان «حصّة في الحكم» ليس لذاتها، بل (وهنا الحكمة) لتثبت للعالم (الغربي والأمريكي أساسًا) وصولا إلى «شركاء الداخل» دون أن تنسى الخصوم، أنّ لهم منها «الوجه الضاحك»، المتعفّف عن «المناصب» كي لا تتحوّل (وهنا التهديد) تلك «النسخة الغاضبة» من «الإسلام السياسي» أسوة بما هي «النصرة» (جهرًا) وأساسًا (ما يسمّى) «داعش»…
أنذر الغنوشي ولا عذر لمن وصله الإنذار…
20 تعليقات
تعقيبات: discount mammut outlet
تعقيبات: buy arcteryx
تعقيبات: mulberry handbags outlet uk
تعقيبات: coach purse outlet online
تعقيبات: keen online store