من أبجديات علم الاتصال والتسويق السياسي أن اللجوء إلى «التوضيح» وكذلك «التصويب» وما صاحب من عبارة (تقديرية) على شاكلة «الخروج عن السياق» (العام)، كلها وجميعها من الدلائل البينة والعلامات الواضحة عن «الفشل» أو في (أكثر حالات التخفيف) «عدم نجاح» في تسويق الخطاب السياسي، لان تسويق (هذا) «الخطاب» السياسي أو غيره، تأتي من العلوم الصحيحة التي لا تحتمل الخطأ ولا تقبل المجازفة غير مضمونة النتائج.
من ذلك يمكن الجزم أن اللغط الذي خلفه تصريح الغنوشي بخصوص «تكفير داعش» (أو عدمه) تعود مسؤوليته (المباشرة والصريحة والتامّة) إلى الغنوشي (الشخص والرمز والمؤسسة) لأن من أبسط قواعد علم «التواصل السياسي» أن يخضع أي خطاب إلى قاعدة «جدلية التلقي»، (أي أن قاعدة الاستماع والتقبل تغلب بل تلغي منطق النطق والكلام، إن لم تكن هي الذي تحدّده).
هي أزمة الغنوشي (الشخص الرمز والمؤسسة) بين أصوله القطبية وواقعه «الديمقراطي» وضرورة الوقوف (أشبه ببهلوان السيرك) بين «الهوية الايمانية» الغالبة على عمقه الإخواني (في تونس وخارج تونس) مقابل «المناخ الديمقراطي» (العالمي) المعادي (على مستوى المنطوق اللفظي) لما يسمى «القاعدة» ومشتقاتها بدءا بما هي «جبهة النصرة» وصولا إلى (ما يسمى) «داعش».
العقل الباطني لراشد الغنوشي (الشخص والرمز والمؤسسة) عاجز عن استيعاب ومن ثمة صياغة خطاب (أي موقف منطوق) قادر في الآن ذاته على التوافق مع «المنطوق العالمي» (أيّ معاداة كلّ أشكال «التطرّف» وتفرعاته «الإرهابيّة)، مقابل أو في صدام إن لم نقل القطيعة مع العمق «الإسلامي» (الإخواني كما السلفي)، الذي (على الأقلّ) يرى في هذا «التطرّف» وهذا «الإرهاب» من «الفائدة» في سورية كما في العراق، ما يجعله يراه (أيّ الإرهاب) «صاحب فضل» وكذلك «يقدّم نفعًا» في محاربة كلّ من النظام العراقي كما السوري.
من أجل فهم هذه «الازدواجيّة» داخل عقل راشد الغنوشي (الشخص والرمز والمؤسّسة) علينا أن نرى ونلاحظ وجود كلّ من لطفي زيتون وكذلك الحبيب اللوز (إلى وقت قصير) ضمن التنظيم السياسي ذاته. الأوّل من أنصار «دمقرطة» النهضة مهما كان الثمن، وصولا إلى التهديد أثناء المؤتمر الفارط بالخروج وشقّ النهضة، في حين أنّ الثاني تحسّر في آهات بليغة أنّ العمر بلغ منه عتيّا ومنعه من «ممارسة الجهاد» في سورية.
استطاعت النهضة (أو هو راشد الغنوشي) شطر النهضة بين «حزب» (سياسي) في فصل «توصيفي» عن «المرجعيات الدينيّة» مقابل «البقيّة» (اللوز ومنه شابهه) الذين (وهذا الأهمّ) لم يعد بالإمكان «ربطهم» بما هي «النهضة» (في نسختها الجديدة).
حديث الغنوشي عن «عدم تكفير داعش» لا يعدو أن يكون عَوْدًا (بالذهن والإيمان والسليقة) إلى «مربط اللوز ومن معه»، ليس من باب الخطأ أو الهفوة، بل هي «مجازفة» أو «مخاطرة» معلومة الثمن، لأنّ «العمق الشعبي» وكذلك «الرابط الإيماني» لا يرى نفسه معنيّا لا بما هي «شطحات» لطفي زيتون (الأسبوعيّة) على صفحات إحدى اليوميات، أو بما هو فصل بين كلّ من «الإيمان» مقابل «السياسة»، لأنّ هذا «العمق الشعبي» يرى ويؤمن ويوقن أنّ هذه «التقسيمات» تأتي من باب «المكرهات» (أيّ فقه الضرورة) ومن باب «مكره لا بطل»، ولا يمكن (وهنا الخطورة والأهميّة) أن يمسّ أو تعني الجذور المؤسّسة للعقيدة الإخوانيّة، على مستوى التعريف أو المهمّة على الأرض، المتجاوزة للأفراد والمتعدية للأجيال، بما في ذلك راشد الغنوشي رغم رفعة مقامه وعلوّ شأنه.
ينظّر الكثيرون بل هم يذهبون بالأمر (سواء من عمق النهضة أو أعدائها) ويرجعون بهذه المعادلة إلى بعد ضارب في «الأخلاق» سواء ادعى النهضويون «الصدق» في مسعاهم أو رأى فيهم الأعداء «نفاقًا» أو هي «تقيّة»، في حين أنّ المسألة لا تعدو أن تكون «غريزة بقاء» لا غير، لا علاقة لها (على مستوى المبدأ) بالبعد «الإيماني» (الإخواني) في ذاته، وإن كان الجزم (تاريخيّا) أنّ «الإخوان» هم «الأفضل» (في العصر الحديث) على الذهاب بما هو «الإيمان» (الديني) من بعده «الذاتي» (والحميمي) إلى تلك «الرافعة» (الجماعيّة) «التاريخيّة» القادرة على حسم مسألة «الجذر التاريخي» (مع فترة «الرسالة المحمدية») على مستوى التوافق كما التماهي، وكذلك حسم مسألة «الواقع التاريخي» (مع الغرب «غير المسلم»/الكافر).
راشد الغنوشي (مهما كان الخلاف حوله أو الاختلاف معه) «داهية» ومن ثمّة لا أحد في العالم (الحالي أو القادم) يقدّر قوله في منزلة «الزلّة اللغويّة» أو «الخطأ غير المقصود»، بل هو «تاجر» (بالمفهوم السياسي) يدرك سعر «الخطاب» وحجم «المغامرة» عند القول.
في مثل هذه الفترة المفصلية على مستوى الداخل التونسي وكذلك المحيط الاقليمي دون أن ننسى العمق الدولي (العراق وسورية خصوصًا) يدرك راشد الغنوشي (الشخص والرمز والمؤسّسة) أن السياسة هي تقدير الموازين في القول والتقدير في المواقف والحساب في الخطى. بدءا بالحفاظ على «الخميرة» (الإخوانيّة) أيّ العمق الشعبي، مرورًا بالتوازن «الداخلي» وما هو القول أو ادّعاء «التوافق» مع شقيقه «اللدود» (الباجي قائد السبسي)، وصولا إلى سورية والعراق، حين يتراوح العقل أو الغريزة الإخوانيّة بين «ركوب الدبابة الأمريكيّة» مع الاستعداد (كما العادة) للقفز عند أوّل «منعطف» تاريخي…
من باب الانصاف للرجل يمكن الجزم بل هو اليقين، بعدم قدرة أيّ شخصية (اخوانيّة) قائمة أو مضت، على تحقيق نفس النتائج، أساسًا من قدرة «بيع كلّ طرف ما يريد سماعه» وكذلك ذلك «الاستعداد» الفطري لتغيير الخطاب بحسب المقام، وصولا إلى «التعايش» مع المتناقضات…
هي أزمة فعلا، بل هي أزمة وجوديّة، لا تعني ولا يمكن أنّ تخصّ الغنوشي (الشخص والرمز والمؤسّسة) بل مجمل «الفكر الإخواني» الذي يتخيّل، بل يتصرّف في يقين بالقدرة على «خداع الجميع» من خلال المسك بعمق «إيماني» يزداد تمترسًا مع مرّ الأيّام ضمن البعد «القطبي» وصولا إلى التماهي العلني والصريح ودون خجل مع «النصرة» (الفكر والتنظيم) من ناحية، في مقابل التماهي العلني والصريح ودون خجل مع «الخطاب الديمقراطي» (ضمن نسخته الأمريكيّة)…
ما فات الغنوشي وما عجز الإخوان عن فهمه، يكمن في أنّ الأمريكان يرفضون أيّ شريك (مهما كان) في اللعب بالتنظيمات الإرهابيّة وتحريكها أشبه بالدمى الملغومة في مقابل (أو تواصل) التماهي مع «النفس الديمقراطي» الذي يهدف إلى صناعة «السياسة» الداخليّة (الأمريكيّة) وكذلك (وهذا ما عجز عن فهمه الإخوان) «تصريف الصورة» حين تأتي «الصورة» جزءا مؤسسا للسياسة الأمريكيّة…
ربي، إرحمهم واغفر لهم، إنهم لا يعقلون… آمين ربّ العالمين
21 تعليقات
تعقيبات: vivienne westwood for sale
تعقيبات: Rene Caovilla for sale
تعقيبات: discount moncler jackets
تعقيبات: official ugg outlet
تعقيبات: merrell store online