على المستوى الاعتباري وكذلك القانوني وحتّى الانساني، ليس هناك قوّة (في الدول الديمقراطيّة طبعًا) تملك قدرة اجبار أيّ شخص (كان) سواء رئيس الجمهوريّة، أو «مرشد حركة» أو حتّى «أبسط العاطلين عن العمل» على «فضح ذاته» ومن ثمّة الافصاح عن هويّة الشخص أو الحزب أو القائمة التي صوتّ لها.
لذلك يمكن الجزم أنّ تصريح رفيق عبد السلام بأنّ (صهره) «راشد الغنوشي» صوّت لفائدة الباجي قائد السبسي، تأتي «رسالة مقصودة» (فقط) حين لا يعلم، سوى المطلعين (والمطلعات) على دواخل «الشيخ» حقيقة الأمر وصدق المسألة…
لذلك يكون من اللزام طرح السؤالين التاليين:
أوّلا: هل فعلا أخبر راشد الغنوشي «محيطه» عن هويّة «المرشّح» الذي صوّت له، أم أنّ في الأمر «حبكة» (كذبة بيضاء بالتعبير الاجتماعي) هدفها تمرير الرسالة فقط؟
ثانيا: في حال يكون راشد الغنوشي أعلن فعلا «هذه الحقيقة»، هل طلب صراحة ومباشرة من «الصهر/المستشار»، أن يصدع بهذه «الحقيقة» أم أنّ (سي) رفيق مارس «الاجتهاد» (هذه المرّة أيضًا) دون أن يراجع «الشيخ/المرشد» أو (ما يسمّى) «مؤسّسات الحركة؟
من الأكيد وما لا يقبل الجدل:
أوّلا: سواء كنّا أمام «الحقيقة»، كلّ «الحقيقة» ولا شيء غير «الحقيقة»، لم تكن الغاية من هذا الافصاح مجرّد «الإخبار»، بل (وهنا لبّ الموضوع) «تمرير رسالة» ومن ثمّة «إعلان موقف»
ثانيا: لا مجال للنقاش في هويّة المرشّح الذي صوّتت له قواعد النهضة في نسبة ليست غالبة، بل تكون «ساحقة»، حين نزلت قيادات «الصفّ الثاني» أثناء الحملة الانتخابيّة (حينها) وعملت «بكلّ جدّ» مع المرزوقي، بل شكّلت النصيب الأوفر من «المراقبين» الذين وقفوا وبشدّة أمام التزوير وضدّ التلاعب بالتصويت، ومن ثمّة ضمنوا النتيجة الممتازة التي حقّقها….
لا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق أو فطنة كبيرة، ليطرح السؤالين التاليين:
أوّلا: ما الذي يجعل «رأس الحركة» يصوّت عكس «جسم الحركة»؟
ثانيا: ما الذي يجعل «رأس الحركة» يصدم الجميع، لكن أساسًا «جسم الحركة»؟؟؟
لا نحتاج إلى مراجعة عالم نفس أو خبير في «التصرّف البشري» لنفهم أنّ هناك «إشكال» بل «معضلة»، إن لم نقل «ما يصدم» الخبير، كما رجل الشارع العادي، لنكون أمام وجهين، أو هو تراوح بينهما:
أوّلا: توزيع للأدوار بين قيادة، لم تكن تريد أن يمرّ الباجي من الدور الأوّل (على الأقلّ)، أو هي أرادت له السيناريو «الذي تمّ»، أي أن يكون «نجاحه» (في الحكم) مرهونًا بموقف النهضة ووقوفها معه.
ثانيا: أن تكون «القاعدة» (النهضويّة) غير راضية بالمرّة عن تصرّف القيادة، لكنّ «التراث الإخواني» في «الصبر» كما «الطاعة» وكذلك عدم «فكّ البيعة» يجعل الأمر أشبه بتلك «الزوجة» الصابرة المحتسبة، من معاناتها لزوج سكّير وعربيد، أملها تربية أبنائها وعدم العود مطلقة إلى بيت أهلها. أي أنّ «شماتة» (الأعداء والأخرين) أعظم عند قواعد النهضة ممّا يفعل (سي) راشد ومن مع (سي) راشد…
يمكن الجزم عندما نشاهد أمر حركة النهضة بشيئين:
أوّلا: لا تزال فعلا «الحزب الأفضل» في تونس، سواء على مستوى رسم الاستراتيجيات أو تطبيق البرامج، أو حتّى القدرة على التعبئة، دون أن ننسى «تقاليد» الطاعة وعدم «الخروج عن الصفّ»
ثانيا: لا حاجة لمراكز سبر الآراء لمعرفة بل هو الإدراك باليقين، أنّ نسبة الغاضبين داخل الحركة في تزايد، وعدد من صاروا يملكون قدرة رفع الصوت في ارتفاع.
من الأمرين السابقين، تتراوح مرتبة النهضة بين «أقلّ الأحزاب سوءا» (عند ننظر إلى الجوانب السلبيّة) وكذلك لم تعد (على الأقل على مستوى الصورة)، تبدو «تلك الساعة السويسريّة» حيث يعمل الجميع في «توافق» (تامّ)، وفي «تفاهم» (كامل).
لن تعرف النهضة سيناريو «النداء» ولن يكون حالها كمثل حال «حراك تونس الإرادة»، حين ينفرد الغنّوشي بمسك المال والعلاقات الداخليّة كما الخارجيّة، ممّا جعله وجعل الحركة، تصنع أو هي تحافظ في «براعة»، تحسدها عليها الأحزاب الأخرى، بين مركزيّة القرار بين يدي «الشيخ راشد» (والزمرة المحيطة به) من جهة، مقابل «دوران» عجلة «مؤسّسات الحركة» بما يحفظ «الحدّ الأدنى» من الصورة الديمقراطيّة المطلوبة أو الضروريّة لتكون النهضة أفضل الأحزاب في تونس…
ليس الموقف من المرزوقي هو الذي يفصل عمق الحركة عن قيادتها، بل هو «كره الباجي»، الذي قال فيه رفيق عبد السلام ومن قبله لطفي زيتون، من المديح ما عجز عنه أفضل الشعراء، بل يمكن الجزم أن عمق الحركة يتقزّز عند سماعه، ليكون السؤال، ليس عن «فرضيّة التصدّع» بل عن «الموعد» (أوّلا)، وثانيا (وهذا الأخطر) عن «كمّ هذا التصدّع» لأنّ الثابت ما يلي:
أوّلا: عجز «الغاضبين» عن تكوين «حزب مواز» على شاكلة حزب محسن مرزوق، لأسباب «تربويّة» (تخصّ التكوين الاخواني) وثانيا لعدم قدرة أيّ شخص على الخروج من النهضة وتكوين حزب مواز
ثانيا: يمكن الجزم أنّ النهضة كسبت أنصارًا (بمعنى الناخبين) من «الوسط المحافظ»، لكنّ أوساط اسلاميّة (من عمق النهضة)، لا تزال في الآن ذاته «ترفض (قيادات) النهضة» كما ترفض «البدائل المعروضة» ممّا يعني (دون أدنى شكّ) أنّ نسبة «الامتناع عن التصويت» (في الانتخابات القادمة) ستكون «مرتفعة» أو ربّما (وهنا الخطر) تكون بنسبة تهدّد مصداقيّة الانتخابات وقدرتها على صياغة نظام يملك القدرة على العمل الفاعل والفعّال…
عندها ستنتفخ فعلا «نسبة الغاضبين» وكذلك نسبة من يرفضون «السلع» المعروضة عليهم في «الدكاكين السياسيّة»، ليكون التطرّف أكثر أو «ثورة»، في نسخة لا علاقة لها بالياسمين…