عشّاق الرجل أو أعداؤه، يعترفون للرجل بخصلتين (على الأقلّ): قدرة عجيبة على النزول بالخطاب إلى «شعبويّة» يستحيل لغيره بلوغها، وكذلك ـ وهذا لا يقل أهميّة ـ أنّ الرجل يحمل من الذكاء والفطنة والقدرة على قراءة المشهد السياسي واستغلال الفرص ما هو غير متوفّر لغيره.
هو سليل مدرسة «الاتجاه الاسلامي» وأحد أبرز قياداتها الجامعيّة في تونس (حينها)، انشقّ عن «سيّده ومرشده» (راشد الغنّوشي) وصار يعانده بل بارزه على قناة «الجزيرة»، ممّا جعل الحركة ترفض بل تحسم في هذا «الابن الضال»، أو «العاق» في رواية بعض النهضويين، أو هي «الخيانة» (بالنسبة للأغلبيّة في الحركة). لكنّه يبقى الأقدر (دون منازع) على ملاعبة النهضة في عرينها (الشعبي) من داخل منطقها (الديني) بعد أن حفظ لغتها، بل أتقنها وبرع فيها.
من الإقامة في المملكة المتّحدة، طوّر الهاشمي الحامدي ملكة «التجسيد» (التسمية العربية الأولى لفنّ «التمثيل»)، حتّى برع في الأمر وصار (كما كان يقول الممثّل الفكاهي الراحل محمّد بن علي رحمه الله) «فرجة»، حين يقصد الناس قناته للتمتّع بمواهبه، فيأخذون بين الكلام وضمن الأغاني ما يريد الرجل من خطاب «سياسيّ» بالأساس.
يأخذ عليه العديد من الخبراء في علم الاقتصاد مبالغته بل حتّى اطلاقة الوعود الخياليّة، غير القابلة للتطبيق أو هي من صنف «الخيال»، كمثل دفتر علاج لكلّ مواطن، ومجانيّة النقل لفئة من تجاوز الستين، وهو ـ كذلك ـ لدى آخرين «نصير الضعفاء» أو ربّما شبيه (في الشكل والتصرّف) «روبن هود» بطل الرواية الانكليزيّة الشهيرة (في نسخة تتوافق مع واقع السباسب التونسيّة).
عاد الهاشمي الحامدي هذه الأيّام إلى تونس، وبدأ في دغدغة الجماهير والخروج إلى الناس.
ما الذي دفع هذا «المتمتّع بالإقامة في عاصمة الضباب مع جنسيّة صاحبة الجلالة» إلى ترك عرينه اللندني والعود إلى بلاد الصراعات البيزنطيّة أين يعارك الكلّ الكلّ؟؟؟
دون أدنى شكّ، وممّا لا يمكن نكرانه، الحدس السياسي للرجل، أيّ أنّه اشتمّ ـ مثل غيره ـ أنّ «الجميع» (أو يكاد) شرع في «حرب البسوس» من أجل كرسي الرئاسة، فلم يشأ أنّ يسجّل التاريخ أنّه تخلّف عن «غزوة (فتح) قرطاج»…
الهاشمي الحامدي صريح ويعلن في وجوه الآخرين: هو الأولى بالرئاسة والأقدر على قيادة سفينة تونس إلى برّ الأمان، لكن الهاشمي يتجاهل، أو يتظاهر بتجاهل بيت المتنبّي الذي يؤكّد أنّ الرياح (قد) تجري بما لا يشتهي «السَفِنُ» (بفتح السين وكسر الفاء، وتعني ربّان السفينة، وهو المعنى الأقرب لحال (سي) الهاشمي)…
لا يخاف الهاشمي الحامدي سوى رياح النهضة، ولا يمكن أن يخشى سوى زوابع الغنّوشي، حين رفضت الحركة ورفض رئيسها، الائتلاف مع «العريضة الشعبيّة» بُعيد انتخابات المجلس التأسيسي، رغم أنّ هذه «العريضة» حقّقت المرتبة الثانية وكانت بالتأكيد أقلّ «شهيّة» من حزب التكتّل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهوريّة…
يدخل الهاشمي الحامدي، على بطولة (سياسيّة) في جولة متقدمّة، ممّا يجعله في سباق للحاق بالركب قبل التفكير في الريادة، لكنّه يعلم أنّه (ربّما) يملك قدرة خلط الأوراق أكثر ممّا هو بلوغ أعلى الترتيب.
يعيش الهاشمي الحامدي، على مجد الانتخابات المجلس التأسيسي التي جعلت من «العريضة الشعبيّة» الطرف الثاني في المعادلة السياسيّة، لكنّ أنصاره ونوّاب من كتلته حينها، يحمّلون الرجل مسؤوليّة انفراط عقد هذا الكيان السياسي، حين لم يمكنهم (بحسب أحد نوّاب «العريضة » في لقاء خاص) من «أدوات» العمل. (أي المال)، ممّا يفسّر (بحسب النائب) انفراط العقد، وهجرة عديد النوّاب إلى «دكاكين» أخرى، وتحوّل التنظيم إلى أثر بعد عين.
يحمل الهاشمي الحامدي مرارة الانتخابات التشريعيّة الفارطة ومرارة (أقل) بالنسبة للانتخابات الرئاسيّة، حين لم يزد دوره عن «تسجيل الحضور» أوّلا، والأهمّ كان «خلط الأوراق» لفائدة الباجي قائد السبسي (أفضل اختصاص يتقنه الرجل)…
رجوع الهاشمي الحامدي، لا يمكن قياس تأثيره على الساحة السياسيّة، أو على «ترتيب البطولة» دون البحث والسؤال عن «الماكينة» التي يعوّل عليها؟ هل هو قادر على احياء «التيّار الشعبي» (بعد أن صار رميمًا، وتمّ حفظه في سجلاّت «التاريخ القديم»)، أم هو سينطلق من جديد، بحثا عن «ماكينة» رئاسيّة تتجاوز البعد الحزبي ومن ثمّة التشريعي.
يأتي الرجل أقرب إلى ممارسة العدو الريفي (اختصاص أهالي سيدي بوزيد) من قدرة على ممارسة «الألعاب [السياسيّة] الجماعيّة»، التي تتطلبّ كيانا سياسيّا تقليديا، حين يتبيّن دائمًا ويبدو جليّا، أنّ «مفهوم الزعامة» عنده يستثني البقيّة ولا يسمح لهم بالظهور.
وجب التأكيد أنّه هذه «الخصلة» لا تخصّ (سي) الهاشمي بمفرده، بل وزعها القدر بين زعماء الأحزاب جميعًا، الذين لا همّ لهم (بدرجات متفاوتة) سوى تعطيل المنافسين داخل الحزب، إلاّ أنّ الهاشمي الحامدي بنرجسيّة بارزة و«أنا» متعال جدّا، يأتي أقرب إلى «الأسد» المنفرد في البراري من غيره الذين يعيشون ضمن «القطيع» (السياسي).
تشهد تونس راهنًا «تحالفات تكتيكيّة» جدا، بل أحيانًا لا تتجاوز (هذه التحالفات) زمن صورة اللقاء أمام عدسات المصوّرين، ممّا يعني أنّ اللقاءات بين «الفرقاء» لا تعدو أن تكون سوى رسائل متبادلة يتقنون جميعا فنّ ارسالها، وبالتأكيد فنّ فكّ الشفرة وقراءة المحتوى…
لذلك يكون السؤال منطقيا عن «الخطّة» التي سيعتمدها (سي) الهاشمي، بل أيّ قراءة يحملها عن المشهد التونسي؟ الاجابة عن هذا السؤال تحدّد بمدى قدرته وقدرة النهضة (او راشد الغنوشي بالتأكيد) على «طيّ صفحة الماضي» أو (ربّما) إعادة وشائج الودّ كما كانت بين شيخ يترأس الحركة وطالب كان في أوجّ عطائه الجامعي…
دار الزمان أو هو تقدّم، الشيخ صار «مرشدًا» وسراج النهضة الأوّل بل الأوحد في عتمة الوضع الحالي، والطالب صار «نجما» متعدّد المواهب، من الفنّ الشعبي إلى الرقص على نغمات الطبل والزكرة، إلى «تجسيد» الأدوار (الممتعة) أمام العامّة وعلى قناته التلفزيونيّة. لذلك يكون السؤال في أقصاه عن «وضع أوزار الحرب» بين الطرفين، وتجاوز «عتاب الأمس وتهم الماضي» ليس من باب صفاء القلوب وحسن النيّة، بل ـ وهنا الأخطر ـ حين لا يعلم أحد (فعلا) كم تطول «غزوة (فتح) قرطاج» وكم تستلزم من «الرجال» ومن «الذخيرة»، لذلك يرى (من باب اليقين) كلّ من راشد الغنوشي والهاشمي الحامدي، أنّه من الأفضل تفادي «النيران الصديقة» التي تبيّن مدى قدرتها على إلحاق الضرر.
لا ضامن للجلوس على عرش قرطاج سوى حصول الانتخابات، لكن الهاشمي الحالم كمثل غيره (أو أكثر من غيره)، يدرك أّنه سباق «حواجز»، عليه تجاوز جميع الفرقاء فيه، وفي الأخير «القفز» فوق أهمّ حاجز، راشد الغنوشي (الذي قد يهادن راهنًا، لكنه من طينة من لا يرحم ولا ينسى)…
شاهدت بالأمس أنصار الحامدي في شارع بورقيبة فحصلت لي قناعة أنّ هذا التّيّار هو أصل تجاري جاهز لمن يدفع أكثر والحامدي نفسه يعرف حجمه ويعلم جيّدًا أنّه لن ينال لا رئاسة ولا ما يقرب منْها لذا هو يناور للتّرفيع في الثّمن لا أكثر ولا أقل وهو ظاهرة مكشوفة ستندثر بمجرّد رجوع الزخم الثّوري الأصيل
لن أقول إنني أعرف الهاشمي كما لا يعرف الهاشمي أحد، حتى إن معرفتي به كانت قبل معرفتي براشد الغنوشي شخصيا. في النهاية ذلك من مدرسة هذا صدق في القول وإخلاص في العمل، هذا من منطلق شخصي ذاتي إنساني فلا أخال أحدهما يكره الآخر أو يتربص به لذاته وفي شخصه. أما سياسيا فخروج الهاشمي عن السرب أو غيره أمر لا يدعو إلى التعجب في عموم التنظيمات مهما كانت غير أنه إذا حصل في حركة كحركة الاتجاه الإسلامي أو النهضة حاليا فيبدو غريبا في المخيال الجمعي في بلادنا وفي بعض البلدان الإسلامية الأخرى. إذ الرؤى السياسية وقراءة الخارطة السياسية ومستقبلها قد تتفق أو تختلف والاختلاف قد يحافظ على وحدة الصف والاتمرار جميعا وقد يفضي إلى انفصال وافتراق ولو في أشد صوره دون أن يصل الأمر إلى عداء شخصي وبغضاء. أما إذا بلغ ذلك فلا بد للرجلين أن يراجعا ما عاهدا الله عليه والشعب والحركة من بعده. ما أراه في الأفق التقاء بين قوى وطنية مخلصة للشعب وإن بدت للبعض صغيرة أو ضعيفة لبناء مستقبل بلد يحمل إرثا حضاريا لا يتوفر لغيره، بناء قد يكون عسيرا ولكنه ليس بعزيز .
، راشد الغنوشي (الذي قد يهادن راهنًا، لكنه من طينة من لا يرحم ولا ينسى) ــــــــــــــــــــ انت رائع يا نصر الدين في قرائتك “للاسلامي الاوّل و الزعيم” في علافته بالاعداء في السياسة … نعم انّه لا ينسى لكي يثأر … انّه يدّخر و يخزن في صدره نقيض الودّ لكي يصرّفه ساعة اخرى “يراها آتية” … و لكنّه لم يرى “رابعة” آتية … كذلك فعل اثر انتخابات 2011 ومعه الجوارح في التنظيم … فبني مسارا غير المسار لم يدُم سنتين … وكان الخراب … فهل طبيعي ان يكون “الاسلامي” سبب خراب ؟