سواء جاءت زيارة «جون كيري» كاتب الدولة الأمريكي للخارجيّة إلى تونس «مبرمجة منذ مدّة» (كما عادة البيانات) أو «فجئيّة»، فإنّ هذه الزيارة تأتي ذات أهميّة كبيرة لأمرين على الأقلّ:
أوّلا: الظرف السياسي الذي تعيشه تونس، حين يغلب العراك والصراخ والخصام وحتّى العنف اللفظي، والعنف المادي أحيانًا، على الخطاب السياسي، سواء تعلّق الأمر بما يمكن أن نسميه «سقيفة النداء» (التي طالت) أو العداوة المفتوحة والعلنيّة، وحتّى الشخصيّة (التي لا تقلّ أهميّة رغم عدم تركيز الاعلام عليها) بين كلّ من حسين العبّاسي الأمين العام للاتّحاد العام التونسي للشغل ووداد بوشماوي رئيسة الاتحاد العام التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة.
ثانيًا: صار راسخًا ومقبولا، بل مطلوبًا لدى البعض، أن «ترعى» الولايات المتّحدة الأمريكيّة، الديمقراطية «الناشئة» في تونس، أو هو «الانتقال الديمقراطي»، وتسدي في الأمر «نصائح» وتقدّم «المشورة»، بل تفعل تجاه الطبقة السياسيّة برمّتها (دون استثناء) ما يفعله مؤدّب صبية جلف أمام أطفال غير منضبطين.
بين تدهور الوضع حدّا لا يمكن نكرانه، بل الخوف منه، وبين الدور الأمريكي القائم بفعل «الأمر الواقع» تقف تونس، كمثل أرض عطشى جاءها الغيث النافع، ليس فقط ليقدّم ما هو مطلوب، بل ليضع نقاط الجميع على الأحرف، أو على الأقل (كما عادة «رعاة البقر») اسداء النصائح/الأوامر في بعدها العام، الضامن للمصالح، وترك التفاصيل الترتيبية من شؤون «المقاولين المحليين»….
لا يمكن الجزم أو التصديق أنّ الولايات المتّحدة تفعل ما تريد حيثما تريد بمن تريد (بما في ذلك البلاد التونسية)، لكن وجب التأكيد على أنّ «جدليّة الصراع الداخلي» ومنطق «هذا يرفس ذاك»، إن لم يكن (كما صرّح محسن مرزوق) يطلق عليه النار، يجعل من الجميع، ليس فقط قابلا بالوعظ والإرشاد الأمريكي، بل ـ وهنا الخطورة ـ سبّاق إلى سماع «النصيحة» والظهور في صورة «الْفَتى النَّظيفُ» («مُهَذَّبٌ لَطيفُ» بحسب محفوظات الابتدائي)…
خطورة الوضع في تونس أنّ ليس فيها ذلك الصراع بين جهتين ظاهرتين جليتين، يسهل التعامل معها، حين يأتي الأمر مزيجا بين سباق للعدو الريفي مفتوح على رياضة الرقبي، أي أنّ بمقدور أي كان أن يطيح بأيّ كان بأيّ طريقة كانت، شريطة عدم تخطي «الحدود الحمراء»…
«تلك حدود «الولايات المتحدة» (وشركائها) ومن تخطاها فقد ظلم نفسه»
لا تحمل الولايات المتحدة ومن معها أي رؤية أخلاقيّة أو طوباويّة لهذه «الحدود»، بل هي مصالحها ليس في ضمان الاستقرار بالضرورة، بل أن تتحكّم بمفردها في «مغيّر السرعة في البلاد»… من تسوّل له نفسه التعاطي مع هذا «المغيّر» أبعد ممّا هو مرسوم ضمن «السيناريو» يكون قد ظلم نفسه، خصوصًا، أنّ لا أحد في البلاد، من اسلامين إلى علمانيين، يفكّر أنّه قادر على الدخول في عمليّة «كسر عظم» مع الولايات المتّحدة. كل ما هناك نوع «الدلال» كمثل الطفل المدلل مع الوالد الصارم، لنيل «مصاصة» لا ينالها بقيّة «الأخوة الأعداء» بالضرورة…
مجمل العقل السياسي في تونس، منكبّ ومنحصر ولا غاية له، سوى البحث عن نقاط تقاطع، أو هي «مساحة مشتركة» بين مطالب القوى الاقليميّة والقوى الدوليّة، مع ما يلزم من «ظاهر» لإرضاء الداخل. هذه هي معادلة السياسة في تونس، لا غير. ما يجري راهنًا من عراك وصراع وخصام وهتك الأسرار، لا هدف منه، سوى الصعود في الترتيب لدى هذه القوى الاقليمية والدوليّة .
بلغة كرة القدم (الشائعة في البلاد) يأتي ما نراه من عنف (على كل لون يا كريمة) أشبه بكأس افريقيا للأمم، حين يتم اختيار المشاركين في كأس العالم بين المترشحين والمشاركين في نهائيات كأس افريقيا.
في السياسة كذلك، عليك أن تفوز في «التصفيات» (كمثل كأس افريقيا الضرب تحت الحزام وشراء الحكم ومشاركة بأسماء أخرى) ليكون اللعب حينها من أجل كأس العالم (أي عرش قرطاج ولواحقه)…
لا تهمّ الولايات المتّحدة «الأسلحة المعتمدة» في التصفيات «الافريقية» (أي الحرب الدائرة راهنًا)، فقط على «المتحاربين» حسن قراءة الذكاء الأمريكي ومن معها، لبلوغ الطاقة القصوى الفاعلة ضمن الحرب، وكذلك عدم المساس بخطّ التماس السياسي أو ارتكاب مخالفة في منطقة الجزاء…
تلك من المحرّمات التي يراها الراعي الأمريكي موجبة للتصفية كمثل ما كان في الغرب تجاه «لصوص الخيل» أي الشنق.
تجاوز بن علي خطوط هذا «الراعي/المؤدّب» فنزل عليه العقاب، دون أن يدري أو يفهم أو يقوى على ردّ الفعل
لا يمكن التصديق أنّ الولايات المتّحدة قويّة بذاتها، إنما الأقوى دائمًا بطمع «المتحاربين» فيها وخوفهم بل خشيتهم من عصاها الغليظة، حين (وهنا قوّة الأمريكان) يجعلون لكلّ «حليف» (حسب التعبير الدبلوماسي) من البديل ما يجعلهم «قادرين» (افتراضًا) على تغييره. لا يمكن الحديث عن علم صحيح، أو أنّ الجرةّ تسلم كلّ مرّة، بل فقط عن منطق هذا «الرئيس» قائم وغيره من البدلاء يترقبون (بل يتشوقون) على دكّة البدلاء.
سيأتي «جون كيري» يوم الجمعة، ليضغط من أجل «تسريع الانتقال الديمقراطي»، هكذا ستقول الناطقة الرسميّة باسمه (في حال تكلّمت) وسيقابل أيضًا وجوهًا من المجتمع المدني، لدفع البلد نحو «ديمقراطيّة أفضل»…
يدرك الأمريكان أنّ الوقت ليس للديمقراطية في ذاتها في تونس، بل لإنقاذ المشهد، ممّن تجاوزوا الخطوط الحمراء، أي اخراجهم من اللعبة، وثانيا، التذكير (وهنا يأتي المجتمع المدني) بأبجدية «كرة القدم» (السياسيّة) بـأن يعلم الجميع أنّ منطق «كأس افريقيا» (التصفيات بما فيها من عنف) لا يمكن القبول به، ضمانًا لجمالية «كأس العالم» (أي الحكم في البلاد) وثانيا وهذا الأهمّ «ضمان الحقوق الأمريكيّة» المستوجبة بحكم «العادة والعرف» (كما يقول ضابط الحالة المدنية للمتزوجين الجدد)…
أهلا «كيري» بابا يا بتاع………………
22 تعليقات
تعقيبات: fjallraven online store
تعقيبات: vs pink outlet online