قرار منع الجولان في منطقة «تونس الكبرى» من التاسعة ليلا إلى الخامسة صباحًا واغلاق الحدود مع ليبيا لمدة 15 يومًا، قرارات مؤلمة فعلا، وشديدة الضرر بواقع اقتصادي مريض أصلا. ماتت الحياة السياحيّة ليلا، حين أغلقت المقاهي والمطاعم أبوابها أمام الروّاد من التونسيين والسيّاح من الليبيين والجزائريين الذي يقصدون البلاد التونسيّة للسياحة والتبضّع والمعالجة.
أعداد الجزائريين في تراجع كبير جدّا، حين لم يعد يقصد البلاد التونسيّة منهم، سوى من يأتي في زيارات عائليّة، إضافة إلى الصورة السلبيّة جدّا التي يقدّمها هذا القرار عن الحالة الأمنيّة في البلاد.
لا أحد يطلب من «العقل المدبّر» (لهذا القرار) أن يعلن الدوافع (الحقيقيّة) التي تقف وراءه، ولا أحد طلب من هذا «العقل» أن يتصرّف كما أنّ شيئا لم يكن، ولا أحد طالب بأن تكون «القرارات» مريحة بالضرورة. الكلّ يفهم ويتفهّم ما يطلبه الوقوف ضدّ الارهاب من «تضحيات»، شريطة أن تتوافق هذه «القرارات» مع ما هو مطلوب فعلا، وشريطة أن تؤتي هذه «التضحيات» أكلها وإن كان بعد فترة…
من أبجديات مقاومة الإرهاب عدم الانكسار أمامه، وعدم إظهار الضعف في المواجهة، وعدم الذهاب في خوف أكبر منه، وإن كان الحرص والحذر بل الحيطة (ضمن المعاني الشاملة للكلمة) من الأمور المطلوبة، بل الأساسيّة في التصدّي الفاعل والفعلي لهذا الارهاب…
على خلاف هذه القرارات «الانكماشيّة» عبّرت قطاعات عديدة جدّا من الشعب التونسي عن رغبة حقيقيّة في التحدّي والدخول في مواجهة مع «الخوف» ذاته. الكثير تداعى لشرب القهوة في الأماكن العامّة، والكثير ممّن لا يضعون ارتياد قاعات السينما ضمن خياراتهم أصلا، بحثوا على الانترنت عمّا تعرض أيّام قرطاج السينمائيّة وذهبوا إلى القاعات في جماعات وحتّى عائلات.
ما معنى أن يكون القرار السياسي «انكماشيّا» والقرار الشعبي مرتكزًا على التحدّي ومواصلة الحياة؟؟؟
كتب الزميل ماهر عبد الرحمن على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي يوم 26 نوفمبر 2015
ما ألاحظه، ومتأكد انّكم تشاطرونني الملاحظة، أنّ الشعور الطّاغي لدى التّونسيين هو الغضب، وليس الخوف.
لم أر خوفا لا في كلمات ولا في عيون من التقيهم نساء ورجالا، بل حالة غضب شديد من الخيانات الإرهابيّة …
هذا هو الشّعور الذي يجب أن يكون… لا مكان للخوف سوى على مصير البلاد.
هل هناك من قادة الشّعب من سيعرفُ كيف يستثمر حالة الغضب الشعبي وتوظيفها لتوحيد الصفوف والنّهوض بالبلاد؟؟؟
قادة هذا الشعب، فضلوا قرارات انكماشيّة، تؤكّد على الخوف، بل التراجع خطوة إلى الوراء في مقاومة الإرهاب وكذلك شديدة الضرر بالاقتصاد الوطني، بل أشدّ ضررًا بما تبقّى من ثقة بالسياحة التونسيّة.
مهما تكن الأسباب التي دفعت لاتخاذ مثل هذه القرارات، فهي تدلّ على حجم التخبّط والارتجال وحتّى عدم الرؤية والعجز عن قراءة الواقع. لا أحد من التونسيين عبّر عن الخوف أو عن ضرورة التراجع، بل يمكن الجزم أنّ هذه العمليّة الارهابيّة أظهرت روحا شعبيّة عارمة، تصبّ جميعها في تحدّي الارهاب والقدرة على الصبر، بل الذهاب وراء القيادة السياسيّة والمؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة أقصى ما هو مطلوب في هذه المقاومة…
يجزم خبراء الأمن، أنّ لا دولة في العالم، مهما كانت منظومتها الأمنيّة، قادرة على تأمين «الخيار الصفر»، أي ضمان عدم وقوع أيّ عمليّة الارهابيّة. استحالة «الخيار الصفر» تدفع أو هي دفعت كلّ البلدان في العالم، إلى أمور أربع:
أوّلا: قراءة الطيف الممكن من العمليات الممكنة على أراضيها أو ضدّ مصالحها في الخارج، والتحسّب لكل منها،
ثانيا: تأمين قدرة امتصاص للصدمة (عند وقوع العمليّة)، تجعل مؤسّسات الدولة وكذلك مؤسّسات القطاع الخاص، قادرة على تأمين خدماتها للمواطن دون انقطاع مهما تكن درجة العمليّة،
ثالثًا: التحرّك السريع للوصول إلى موقع العمليّة في أقرب وقت، مع كامل الحيطة والحذر، والشروع في معالجة آثار العمليّة
رابعًا: تفعيل منظومة كاملة، هدفها استغلال (في أقصى سرعة) المتوفّر من المعلومات لدى الشرطة العلميّة والشرطة العدليّة، لتعقّب الجهة التي نفذت العمليّة.
لا يمكن لأيّ كان أن يجعل المعركة مع الارهاب، ذات بعد عسكري وأمني بحت، إنّها معركة حياة، ومعركة وجود ومعركة إرادة. عندما تتراجع الدولة وتنكمش، تعطي الصورة السلبية عن ذاتها للإرهابيين ولا تقدّم الصورة المثاليّة أو هي الصورة الرياديّة لمواطنيها، وخصوصا لزوّارها (في بلد سياحي) ولمن تتعامل معهم (في بلد يحتاج الاستثمارات الخارجيّة المباشرة)، دون أن ننسى الجهات المكلّفة بالترقيم السيادي، ومدى تأثير هذا الترقيم على كلفة القروض واقبال المستثمرين، في عالم يشهد تنافسا شديدا من أجل كل يورو وكلّ دولار أو أي عملة أخرى…
الوضع الاقتصادي في تونس، كان (قبل وقوع العمليّة) مقبلا على اضرابات، حين لا أحد في البلاد لا يحسّ بارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائيّة للفرد وللعائلات، ومن ثمّة يمثل اغلاق المقاهي والمطاعم ضربًا للاقتصاد، وغلق الحدود مع ليبيا، شكل من تعطيل السياحة الليبيّة وتعطيل أرزاق المصدرين إلى ليبيا والمتعاملين مع هذه الدولة التي تمثّل رئة الجنوب الشرقي، والشريك الاقتصادي العربي الأوّل…
11 تعليقات
تعقيبات: cheap fitflop shoes
تعقيبات: discount Callaway Golf online
تعقيبات: discount jimmy choo outlet
تعقيبات: coach factory online sale invitation
تعقيبات: cheap keen sale