تخيّلوا المشهد فقط:
تونسي، من أهل السّنة والجماعة وأحد مذاهب التوحيد الأربعة (لا غير)، يعادي، بل يكفّر جهرًا وعلانيّة ما تجاوز ذلك، يقصد تركية للسياحة أو في زيارة عائليّة، فيلقى الترحاب وحسن القبول، بل يلحّ عليه المضيفون للإكثار من تناول الفستق والزبيب، فيكتشف أخر السهر، أنّ كميّات الفستق والزبيب التي تناولها في نهم شديد ولذّة أشدّ (ألف شفاء وهناء) مستوردة من بلاد من يطلق عليهم تسمية «الروافض/المجوس/الصفويين»، بل إنّ العائلة التركيّة، التي هي الأخرى من أهل السّنة والجماعة ومذاهب التوحيد الأربعة (لا غير)، لا تجد غضاضة في الأمر، بل تصرّ على أنّ الفستق الإيراني أرقى أنواع الفستق وكذلك الزبيب وهلمّ جرّا في ما تعلّق بمئات السلع الأخرى.
التونسي المسكين، الذي اعتاد أن يطلق النار، بل المدفعيّة الثقيلة من باب «شبهة الشبهة» بأيّ علاقة وإن كانت غير مؤكدة بأيّ طرف يشتمّ منه رائحة أو شبهة علاقة ما بإيران، سيكتشف مذهولا، وقد يصل به الأمر إلى «الجنون» أنّ «تركية» رافعة لواء «الإسلام السنّى» والأمل الأفضل (أو الأوحد) في قيام «قطب سنّي» (فاعل وفعّال)، تقيم ليس فقط علاقات اقتصاديّة متميّزة مع «الجار الشيعي»، بل (وهنا السكتة القلبيّة لا قدّر الله) يصرّ داوود أغلو في زيارته إلى إيران وكذلك الطرف الإيراني المقابل على أنّ «العلاقات الاقتصاديّة» رغم «جودتها» فإنّها «لا ترقى إلى ما يأمله الطرفان»، علمًا وأنّ الوفد الذي صاحب رئيس الوزراء التركي والمنظّر الأوّل لحزب العدالة والتنمية، يتكوّن في أغلبه من مسؤولين عن الملفات الاقتصاديّة، وكذلك بلفيف من رجال الأعمال الأتراك المتلهفين لمقابلة نظرائهم الإيرانيين بحثًا عن عقود جديدة وشراكات تنضاف إلى الشراكات القائمة…
صديقنا التونسي الذي أفاق في المستشفى من هول المفاجأة وشدّة الصدمة، ويشاهد زيارة الوفد على التلفاز، يتخيّل أو هو يحلم أنّ النقاش الحادّ والشديد بين الطرفين، يشمل اتهامات على شاكلة ما نراه على شبكات التواصل الاجتماعي، حين تراقب صفحات «مقاومة المدّ الشيعي».
إنّها أزمة عقل ومسألة منطق، بل «مصيبة وعي». الأتراك لا يخفون صراعهم مع إيران حول النفوذ في المنطقة الممتدة في دائرتها الأولى والأهمّ من شرق المتوسّط إلى بحر القزوين وجمهوريات آسيا الوسطى، بل تدور بينهما حرب (شبه) «مباشرة» في سورية، حيث تعمل مصانع السلاح في إيران على مدار اليوم والساعة لتوفير السلاح وخاصّة الذخيرة للجيش السوري ومجمل التشكيلات المقاتلة معه، وكذلك (في الصفّ المقابل) تعمل معامل السلاح في تركية بغية بيع منتوجها إلى التشكيلة الواسعة من الجماعات المقاتلة التي تحارب النظام السوري، دون أن ننسى الحرب الخفيّة بين مخابرتي البلدين على الأرض…
العقل التونسي المريض، المجبول على ثنائيّة الأبيض والأسود فقط وحصرًا، لا يملك أيّ قدرة لفهم هذه المعادلة التي تجمع علاقات اقتصاديّة ممتازة وجدّ متطوّرة مع حرب (شبه) مباشرة على الأرض السوريّة وتنافس لا يقلّ ضراوة في الفضاء المحيط.
أشدّ حمقًا من ذلك، أنّ المخابرات التركيّة تعمل من خلال أذرعها المباشرة وشبكاتها الممتدّة على انشاء جماعات «الأبيض والأسود» أيّ من لا يرون في تركيا سوى رائدة «الفضاء السنّي» ولا يرون في إيران سوى «الخطر الأكبر»، لتجعل منها أذرع الإحاطة بالتوسّع الإيراني.
يكفي مراجعة عديد الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لنكتشف أهوالا لا يمكن تصديقها، حين يكفي رجب الطيّب أردوغان أن يرفع يده حتّى يعلو التكبير على هذه الصفحات، التي لم تجعل من الرجل رائدًا، بل «الرائد والقائد»، لتغمض هذه الصفحات الأعين أمام أيّ زيارة لأيّ مسؤول تركي إلى إيران….
إنّها الخطوط الحمراء التركيّة، مثلها مثل الخطوط الحمراء الأمريكيّة، حين دفعت (التعبير اللطيف عوض أمرت) واشنطن الجميع (ممن تحت نفوذها) إلى غلق سفاراتهم في دمشق، في حين أبقى الأمريكان على سفارتهم مفتوحة. كذلك يفعل الأتراك، يسمحون لأنفسهم ولرجال أعمالهم وشركاتهم بالتعامل بيعًا وشراء مع رجال الأعمال والشركات الإيرانيّة، ويدفعون «الصبيان» (في تونس وأينما توفّر الصبيان) إلى فتح «النار» على بيع «عود ثقاب» إلى إيران أو اقتناؤه منها….
تتجاوز لعبة المخابرات التركيّة ودوائر صنع القرار فيها الدائرة الاقتصاديّة والتعامل التجاري إلى السياسة ومجمل ما يتفرّع عنه، حين تنشط الزيارات بين البلدين، بل يجزم المراقبون أنّ تركية كانت زمن الحصار على إيران الرئة الأولى (مدفوعة الأجر) وتريد أن تصبح بعد رفع الحصار أحد أهمّ الشركاء الاقتصاديين مع إيران…
يكفي جولة على مواقع «معادة إيران» لنجد «صمت القبور» بخصوص الزيارة التي يؤديها داوود أغلو إلى طهران، لا قلم ولا نفس من هذه الصفحات يملك جرأة أو «مجرّد التفكير» في نقد «المقدّس التركي» سواء لحاجة في الأمر، أو لعجز في الذات عن تصوّر «الذات التونسيّة» (السفلى) قادرة على نقد «الذات التركيّة» (العليا)…
أبعد من تركية وأعمق من العلاقات مع إيران. الأتراك والإيرانيون بنوا دولة (كلّ على طريقته) ويعلمون كذلك أنّ بناء الدولة وتشييد الحضارة (مهما كان الموقف منها) لا يأتي بالعنتريات ولا يمكن أن يكون إلاّ من خلال العقل الرصين والتخطيط المحكم.
جزء من هذا التخطيط ونصيب من هذا العقل، استعمال «الأدوات» (البشريّة) ضمن نظريّة «التداخل» مع الطرف الأخر. تركيا ستكون الخاسرة وكذلك إيران، في حان فكّر كلّ طرف في طريقة «مقاطعة الطرف الأخر» التي تعتمدها أطراف تونسيّة…
الأزمة (المرضيّة) ليست في معاداة إيران أو مناصرة الأتراك. كلّ يعشق ما يريد، بل أن تصير تونس أشبه بعبيد المعابد الإغريقيّة، يحرمون على أنفسهم ما تحلّله الآلهة لذاتها، وهم (أي العبيد) يقهقهون…
تصويب: سي نصر الدين مسألة التبادل الإقتصادي هي مسألة مصالح مشتركة
سي كريم أنت لم تقرأ المقال بالمرة، لم أتحدث عن “المصالح المشتركة” (في ذاتها) بل عن نقطتين فقط:
أوّلا: جمع تركية وايران لهذه المصالح الاقتصادية من جهة مقابل عداوة مفتوحة (بالوكالة) في سورية وفي العراق كذلك
ثانيا: جماعة “محاربة المد الشيعي” يفتحون النار على من يبتسم في وجه ايراني، ولا ينطقون بكلمة عن تركيا التي مثلت المتنفس الاكبر لإيران زمن الحصار، بقيمة مبادلات تصل حاليا إلى 30 مليار دولار…
الرجاء اعادة مطالعة المقال والرد في جوهر الموضوع فقط
سي نوردين مسألة التبادل الإقتصادي هي مسألة مصالح مشتركة و متوازنة و كل الطرفين يجد فيها مصالحه و ليس في مصلحة الطرفين قطعها (و هنا ينطبق القول : ليس هناك أصدقاء ولا أعداء بل هناك مصالح ). لكن القضية الأم ومن هنا تتشابك المواقف و الأراء هي قضية التدخل العسكري الإيراني وميلشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية الشيعية في سوريا بعشرات الآلاف من الجنود واسلحتهم الفتاكة لمناصرة وحماية نظام بعثي مجرم سفاح ماضيا وحاضرا ضد شعبه الأعزل الذي خرج في مظاهرات سلمية بطشها بجميع أنواع الأسلحة ….مع الملاحظة أن ما يتخفى ورائه هذا الهلال الشيعي من مناصرة الشعب الفلسطيني و الممانعة هي من الخزعبلات التي انطلت على البعض . ذلك كيف يكون النظام البعثي ممانعا وهو الذي باع الجولان لإسرائيل وهو الذي لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان المحتل منذ عشرات السنين فإذا كان ممانعا فالأحرى تحرير أرضه . كيف يكون ممانعا وهو المساهم في قتل الفلسطينيين في تل الزعتر في لبنان؟كيف يكون ممانعا وهو قاتل الفلسطينيين في اليرموك ؟ انتهت لعبة الممانعة.
ملاحظة :
1- ليس من إحترام الغير نعتهم بالغباء
2- لا يمكن أن تنفي النشاط الكثيف للسفارات الإيرانية في الدول العربية وبالخصوص تونس ومصر لتشييع أهل ألسنة عبر شراء الذمم و تنظيم الرحلات للشباب والشابات والمثقفين إلى إيران واستضافتهم وغسل أدمغتهم و تمتيعهم بشتى الهدايا ، وحتى إنتداب جواسيس للمخابرات الإيرانية
سي كربم أنت تريد أن تناقش “موضوعًا” والحكمة تريد أن نبقى في المقال؟
السؤال البسيط الذي ترفض أنت وغيرك الاجابة عليه:
لماذا هذا الهجوم في تونس من “أعداء انتشار المدّ الشيعي” لكل من يبسم في وجه مسؤول ايراني، ويقفزون فوق “الحالة التركيّة”؟؟؟؟
فقط هذا النشاز هو موضوع المقال لا غير…
اعتقد ولست جازما انك اخذت الموضوع الى جانب بعيد عن المراد من التنبيه الى خطر التشيع في تونس و هذا ليس وهما فلا اعتقد انك ممن يحبذون ان يتدخل الفرس في محاربة داعش في تونس بتعلة الدفاع عن حسينية في القيروان (كمثال غير واقعي )فان تتعامل تركيا وفرنسا و الجزائر مع ايران لا يعني ان لا انادي بمقاطعة الشيعة فانت ربطت في موضوعك على ان التونسيين خيبت امالهم تركيا على ما اعتقد تركيا خيبت امال البورقبيين قبل هوؤلاء
المقال واضح وصريخ وحضرتك ذهب في تأويلات جانبية وقراءات هامشية
المقال يتحدث ويتلخص في نقطتين:
1. أولا: التعاون الاقتصادي المتميز بين تركيا وايران، في حين ان الحرب شبه مفتوحة بينهما في مجالات أخرى.
2. ثانيا: محاربة جهات في تونس لكل من يبتسم في وجه ايران، واستثناء الاتراك
فقط هذا هو الموضوع، ما تقوله لا علاقة له بالمقال
تركيا ليست تونس وما يطلبه الموالي من تونس ليس التعامل التجاري ونحن نعلم اننا لسنا لهم ندا في الاقتصاد وطلبهم زرع الشوكة الدينية في بلادنا مقابل دنانير معدودة مثل ما فعلوا مع غيرنا لذا حانوت مسكر ولا كرية مشومة حين نتعامل امور بناء واستثمار يمكن لكن سياحة وحسينيات بلاش بيهم خير.
لا أظن أن اليمنيين كانوا ليقاسموك نفس الرأي مما يعيشونه نتيجة علاقتهم الممتازة والمتينة بإيران. نشوفوك في أول لطمية في تونس … لطمية بالفستق الإيراني
سي مهدي ظنك في غير محله، لسبب بسيط لأنه جانب الموضوع ولم يجب على السؤال المطروح:
لماذا لا يندّد أعداء إيران بالعلاقات الاقتصادية المتميزة بين ايران وتركيا؟
أريد رأيك الشخصي والمباشر
سي كريم، ما دخل هذا الرابط والمقال الذي يحيل عليه في موضوع المقال؟؟؟؟؟
نحن ننقاش مقالا وليس موضوعا مفتوحا على مصراعيه…