دون الدخول في التفاصيل، حين يستغرق ذلك الكثير من التأويل وما لا يخطر على البال من الاحتمالات (الخيالية والفضفاضة)، يمكن الجزم أنّ عودة الصحفي، صاحب «قناة التاسعة» إلى تونس جاءت على مستوى «الوهج الاعلامي» أبسط بكثير ممّا يجب أو هو ممّا هو «مطلوب» أن يكون (وفق منظومة العمل الاعلاميّة التي تشتغل بها هذه البلاد المسمّاة تونس).
عاد الرجل، كما يعود أيّ «مسافر» (عادي) بعد «غياب» (عادي)، دون أن يثير ضجّة. قد يكون، بل من الأكيد أنّ الرجل (أيّ معزّ بن غربيّة) الذكيّ بطبعه، المدرك لأبجديات بل دقائق وأسرار «صناعة الخبر» يرفض أن تتناول القنوات والمحطات والمواقع والصحف (التناول بمفهوم الأكل) «عودته» معه، لأنّ يعلم أنّ أيّ ظهور لدى «الآخر» يمثّل إضافة لدى (هذا) «الآخر» (مهما كان)، ولأنّ معزّ يتقن «فنون اللعبة» التلفزيونيّة، فهو يريد ألاّ يكون في الأمر سواه، على مستوى «التناول» (بمفهوم الأكل دائمًا)…
لكنّ المسألة أو هي المعضلة أو هي «المصيبة» تكمن في أنّ الرجل تحدّث، وقال (بلسانه) أنّه على «معرفة» بالجهة التي اغتالت البراهمي وبلعيد، وكذلك وهذه المصيبة (الثانية) تبع تصريحاته «محاولة اغتيال» شريكه في رأسمال القناة ورجل الأعمال والنائب بمجلس نوّاب الشعب ورئيس النجم الرياضي الساحلي «رضا شرف الدين»…
نحن أمام «المواد الأوّلية» لفيلم درامي يعجز عنه كبار كتّاب السيناريو في العالم، بل ترفضه كبرى شركات الانتاج السنيمائي في هوليوود لجنوح الخيال أكثر وأوسع وأعمق من قدرة المتفرّج على التخيّل…
إضافة إلى «الحقيقة» المنثورة تفاصيلها بين جهات عديدة، أو الماسك لأطرافها أكثر من قطب، يمكن الجزم بل اليقين أنّ «حكاية معزّ بن غربية ومن معه» (التي تصلح لتكون المسلسل الأفضل لرمضان الكريم القادم)، تأخذ أبعادها الخطيرة وعمقها السياسي الذي لا يمكن القول بمدى خطورته، أمام الأجواء المتوتّرة والأوضاع العنيفة التي تعيشها البلاد.
تونس (لمن لم يعلم ولا يعلم) ليست سويسرا (الذي جاء منها معزّ بن غربيّة)، حيث صار أمّ المشاكل في بلاد الساعات الثمينة والجبن الرفيع والشكولاتة اللذيذة، النزاع (لدى المحاكم طبعا) بخصوص نوعيّة الجلجل الممكن تعليقة في رقبة الأبقار…
تونس (لمن لم يعلم ولا يعلم) بلد مفتوح (دون أبواب) على «الارهاب» (كل يفسّر الكلمة حسب معجمه)، تسبح (وتكاد تغرق) في لجّ أزمة اقتصاديّة، دفعت البلاد إلى «رهن» ممتلكاتها واللجوء إلى بنك باريسي لإعداد الميزانيّة، تتنفّس أزمة اجتماعيّة عميقة، حين ازداد وارتفع إلى نسب لا يمكن تجاهلها، عدد «غير الراضين عن الوضع بتفاصيله المذكورة» ويأتي شخص بقيمة ومكانة ومقام وحرفيّة ومستوى معزّ بن غربيّة ويحدّثهم عن «من يهدّده بالقتل» وكذلك «عمن اغتال البراهمي وبلعيد» والطامة الكبرى (بالنسبة للغرب الذي لا ينسى الثأر والقصاص لموتاه) ذكر عمليّة متحف باردو وعمليّة النزل السياحي في سوسة…
في سويسرا كما في تونس (حين أخذنا سويسرا مثالا) للسياسة مطابخ سريّة وغرف عمليّات بعيدة عن الأنظار، وأشياء لا يجب ولا يمكن للصحافة أن تطالها أو هي من «أسرار البيوت» (السياسيّة) لأنّ لكلّ بيت من هذه البيوت «خنّاره» (بمعنى اللسان الدارج في تونس) إلاّ أنّ الفرق والفارق (دائمًا بين كلّ من تونس وسويسرا) أنّ في بلاد الساعات الثمينة والجبن الرفيع والشكولاتة اللذيذة، يتقنون «فنون اللعبة»، حين يندر أن ترى «سياسي ساذج» (أوّلا)، ويحسنون الفصل بين «المطابخ السياسيّة» من جهة وما هو «مسرح سياسي» تحت أنظار الاعلام والرقابة الدستوريّة (ثانيا)، ليتحمّل كل من أخطأ في الفصل بين «المطبخ» (السياسي) و«المسرح» (السياسي) نظير فعله، ويدفع الثمن، حيث لا استئناف ولا تعقيب في مثل هذه المسائل (ثالثًا)…
على خلاف ذلك، يمكن الجزم أنّ (في تونس) من هبّ ودبّ وادعى في السياسة اتقان جملة واحدة، دخل معترك السياسة، الشيء ذاته يسري على القطاعات جميعها، لنرى من أخطاء التعبير (السياسي) على المنابر الاعلاميّة (أيّ «بالمفضوح») ما يفوق الخيال وما يفوق الطاقة على التخيّل.
ثانيا، نرى تراكمًا لهذه «الأخطاء» دون أن تحرّك النيابة العموميّة ساكنًا (في عشرات المرّات) ودون أن تتحرّك وزارة الداخليّة (في عشرات المرّات)، بل تحوّلت المنابر الاعلاميّة «رحبة» (المكان المخصص لبيع الحيوانات) لتبادل التهم الخطيرة جدّا. مواقع التواصل الاجتماعي كنز للباحث الأكاديمي في الأمر..
ثالثا (على عكس سويسرا المحروسة)، لا نرى منظومة ردع سياسي، سواء على المستوى الأخلاقي أو الاعتباري أو القانوني أو السياسي…
أخطاء (سياسيّة) بجملة، تحوّلت إلى «أمور عاديّة»، ممّا نراه وتشهده كلّ يوم…
لا يمكن بأيّ حال أن يختصر معزّ بن غربيّة ساحة اختلط فيها الاعلام بالسياسة بالمال بالرياضة (جمعها الراحل عن رئاسة الافريقي (سي) سليم الرياحي)…
معزّ بن غربيّة مهما فعل، لا يمكن ولا يجب أن يتحوّل إلى «الشجرة» (السيئة) التي وجب (بحسب العديد) ألاّ تحجب «الغابة» (الجميلة حسب رأيهم)…
أزمة تونس ومصيبتها بل ما يهدّد البلاد ويتهدّد العباد، و(قد) يذهب بالجميع إلى الهاوية، أنّ المقاربات القانونيّة والسياسيّة والاعلاميّة ومن ثمّة «المافيوزيّة» (خاصّة) تختلف باختلاف الفاعل وليس (كمثل سويسرا مثلا) يتساوى الجميع أمام القانون…
في بلد جاءت فيه (ما يسمّى) «الثورة» انتقائيّة، بل شديدة الفرز بين «المذنبين»، لا هي (كانت) على مبدأ الإسلام، تجبّ ما قبلها، وقالت للجميع :«أنتم الطلقاء»، ولا هي حاسبت الجميع دون استثناء، ولم تترك حبّة خردل من مال الشعب وحقّه إلاّ واسترجعته، لا يمكن ولا يجب، أن نحصر «الفرجة» (الاعلاميّة) كما تفعل المنابر الاعلاميّة، في «الآن وهنا»، بل أزمة البلاد والعباد، أنّ الإعلام (المرئي خاصّة) من خلال «انتقائيّة» (مقصودة) يثير ما يريد من «زوابع»، همّه تصفية الحسابات أوّلا، وثانيا «التغطية على جهة بعينها»، وثالثًا (والاخطر) «الالهاء» عمّا يدور، كمثل الشتم المتبادل والاتهام بالكذب من قبل وزير أوّل سابق تجاه قائد أركان سابق…
أمور لا يمكن أن تحدث في بلد الساعات الثمينة والجبن الرفيع والشكولاتة اللذيذة، مثلا…
الخوف الأكبر (فعلا) أنّ بارونات السياسة والماسكين بمفاصل اللعبة، هم الآن (بما افصح عنه معزّ بن غربيّة وغيره، وما جاء في أبحاث بوليس صاحبة الجلالة) مهدّدون (دون استثناء) بما في ذلك «عليّ المقام» أو «صاحب المعالي» أو غيرها من الألقاب التي لا تساوي حبّة خردل في العرف البريطاني، حين وجب أن نبقى في «حبوب الخردل»….
في منطق مثل هذا، الخوف كلّ الخوف، ليس من «القنبلة الاعلاميّة» التي فجرها معزّ بن غربيّة أو ما قد يفجرّه في المستقبل، في حال لم تف «الجهة التي وعدت بالاتفاق»، بل في ما يتمّ (في الأعماق العميقة) ونحن (حاشاكم) كمثل «القردة الثلاث» لا نسمع ولا نرى وبالتالي لم يمكنا الكلام دون بيّنة أو حتّى إشارة…
هذه لعبة يتقنها سوى من لهم حسابات في بنوك سويسرا، حين وجب لسويسرا أن تكون البدء والخاتمة…
18 تعليقات
تعقيبات: lk bennett sale online
تعقيبات: vibram fivefingers store
تعقيبات: discount valentino
تعقيبات: pierre hardy wiki
تعقيبات: canada goose jackets sale