فرنسا: من الماريشال «بيتان» إلى هولاند العريان

8 ديسمبر 2015

إنّها «الصدمة» دون أن تكون «مفاجأة»، صعود اليمين المتطرّف الفرنسي في الدور الأوّل من الانتخابات البلديّة، كان أمرًا متوقعًا، بل محسوبًا، إن لم يكن محسومًا منذ الاعتداءات الارهابيّة على العاصمة باريس، ممّا يعني (ضمن نظريّة الفعل وردّ الفعل) أنّ هذا «اليمين» يأتي «المستفيد الأوّل» من هذه الاعتداءات، التي أعادت طرح مسألة الأمن والاستقرار من زاوية المهاجرين عامّة والمسلمين والعرب أساسًا…

وجب التأكيد بدءا على أنّ مركز «الطيف الايديولوجي» في فرنسا نزح منذ بداية هذا القرن نحو اليمين. الحزب الاشتراكي الفرنسي (حاليا)، تنظيرًا وفكرًا وممارسة، موقعه ضمن «وسط اليمين» (في أفضل الحالات) قياسًا مع الطيف الذي كان قائمًا زمن صعود الرئيس السابق فرنسوا ميتران إلى سدّة الحكم سنة 1981، ومن ثمّة لا يمكن الاصرار على ذات التسميات في رحلتها على مدى السنين.
أيضًا، لم تعد القطيعة قائمة بين الكتل السياسيّة والكيانات الحزبيّة، بل هناك شخصيات من هذا الحزب (تنظيمًا) يأتون أقرب إلى الحزب المجاور (أيديولوجيا)، كمثل الكثير من حزب «ساركوزي»، هم أقرب على مستوى الخطاب والتصرّف إلى الجبهة الوطنيّة، وبالتالي يكون أفضل (اجرائيا ووظيفيا) الحديث عن العائلات الأيديولوجيّة أكثر من البحث في مسار الأحزاب وأبعادها التنظيميّة…

هولاند - بيتان

هولاند – بيتان

سمة الطبقة السياسيّة الفرنسيّة أنّها صارت «انتهازية» بالمفهوم المباشر للكلمة، الجميع يبحث عن «الخطاب» الجالب للمقترعين وليس عن الخطاب النابع عن أيديولوجيته (بالمفهوم التقليدي)، ممّا يعني انخفاضًا بل هو تدنيا وتدهورًا على مستوى الخطاب الذي أصبح يكرع من «الشعبويّة» أكثر من البحث عن الاقناع. الشيء الذي قاد إلى تشابه الخطابات أو تركيزها على ذات المواضيع من زوايا متقاربة أو حتّى متطابقة…

الثابت وما لا يحتمل النقاش يتمثّل في استفاقة «بعبع» العنصريّة على قاعدة «الخوف» بل هو «الرعب» من طيف من المسميّات، بدءًا بالإسلام السياسي، مرورًا بالعرب والمسلمين وانتهاء بما يسمّى داعش، من خلال الدمج المقصود والمعتمد بين هذه المسميّات جميعها…

سواء كنّا من القائلين بنظريّة المؤامرة، التي تؤكد على أنّ «يد فرنسيّة» تقف وراء العمليات، أو هي «داعش» فعلا (مهما كان المسمّى)، فاليقين قائم أنّ أخطر من الفعل الارهابي الذي لا يمكن التقليل من خطورته، ما هو قائم في فرنسا من تراجع في الاقتصاد وانخفاض في المؤشرات جميعها، ليحتلّ «الارهاب» الصدارة على مستوى الأوليّة، وتصبح المواضيع الحارقة (في السابق) كمثل البطالة والغلاء وتهميش أعداد متزايدة من المواطنين، من الأشياء ليس فقط «المقبولة»، بل التي لا يجب النظر فيها أو حتّى الحديث عنها.
إضافة إلى اليمين المتطرف الذي استفاد من هذه الهجمات على مستوى نتائج الدور الأوّل، يأتي الأعراف في قائمة «المستفيدين» كذلك، حين لم يعد تطبيق مجلّة الشغل أولويّة، بل صار بالإمكان استعاضة عنها بمجرّد عقد يخرق هذه المجلّة التي شكّلت فخرا تباهت به النقابات والحركة العمّاليّة في فرنسا.
نجاح اليمين المتطرّف في الدور الأول من الانتخابات البلديّة في فرنسا، سيدفع بالتأكيد ودون أدنى شكّ أقطاب «اليمين» كما «اليسار» إلى الهجرة «فكريّا» نحو اليمين وتبني (استعداد للدور الثاني وما بعده) خطابًا أقرب إلى خطاب اليمين المتطرّف، حين ذهب فرنسوا ساركوزي زمن المواجهة الانتخابية ضدّ «سيغولين روايال» حدّ تبنّي خطابا يمينًا صرفًا من باب سحب البساط من تحت «اليمين المتطرفّ»…
الاستعداد للدور الثاني يثبت بما لا يدع للشكّ، بطلان نظريّة «فرنسا المؤمنة بالجمهوريّة» في مقابل «فرنسا العنصريّة» حين يرفض «اليمين» كما «اليسار» الانسحاب الآلي لفائدة الآخر في مواجهة «اليمين المتطرّف» بل هناك حديث عن تحالفات قد تكون مكشوفة أو تحت الطاولة بين «أقصى اليمين» و«اليمين» في مواجهة «اليسار»…

سواء جاءت الاتهامات مباشرة، أو طلب منهم الكثير اثبات «حسن النيّة»، يمكن الجزم أنّ العرب والمسلمين هم من سيدفعون فاتورة هذه الهجرة إلى اليمين، حين بدأت الحرب مفتوحة على كلّ أشكال «التديّن» (الاسلامي) من لحية وزيّ «أفغاني» (أو ما شابه) أو الخمار والحجاب ومنذ فترة النقاب…

مسألة أبعد ما تكون عن شكل اللباس أو اللحية، بل هي سعي فرنسي محموم (ومرضي) إلى «تصدير الأزمة» والبحث عن «المذنب بذاته» قبل أن يكون بفعله، فعلها الفرنسيون سابقًا وعلى مرّ التاريخ، حين لاقت الجالية الايطالية في مطلق القرن الفارط نفس مصير العرب والمسلمين راهنًا، رغم الاشتراك في الهويّة الحضاريّة والجذر التاريخي وحتّى اللغوي، دون أن ننسى عامل الجوار، ممّا يعني أنّ أصل هذه الحملة ليس الدين أو التديّن أو شكل اللباس وطول اللحية، أو اللغة أو أيّ وجه من أوجه الانتماء، بل حاجة فرنسا المريضة إلى «كبش فداء» تقدمه قربانًا، ينسيها أو يؤجل النظر لسنين في مشاكلها الحقيقيّة…


15 تعليقات

  1. تعقيبات: marmot jackets store

  2. تعقيبات: roger vivier uk

  3. تعقيبات: toms price outlet

  4. تعقيبات: discount berghaus

  5. تعقيبات: canada goose store in canada

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي