دون أدنى نقاش ودون الحاجة إلى دليل، صرنا نعيش في عالم لم يعد بالإمكان فيه الحديث عن حال دولة بمفردها، دون ذكر أو استعراض حال دولة أو دول أخرى، لذلك صرنا أمام مفهوم آخر للحدود، المعتمدة وفق الاتفاقيات الدوليّة لتعريف جغرافية البلدان.
كذلك صرنا أمام نسق متسارع للأحداث ومتداخل بينها، ما يجدّ في سورية شديد التأثير على ما يجري في ليبيا، والحال في ليبيا يحمل تأثيرات أكيدة على الوضع في الجزائر وتونس، مثلا…
من ذلك لم يعد من الممكن الحديث عن شؤون داخليّة وأخرى خارجيّة، أساسًا على مستوى الأمن، حين انتفى «الجدار» بين الأمن الداخلي والأمن الخارجي. مستقبل الصراع مع (ما يسمّى) داعش مثلا، مهما كانت النتائج، سيكون شديد التأثير على التوازنات الاستراتيجيّة في عديد الدول، منها تونس…
هذه الانقلابات في الواقع والتقلّبات في العلاقات، تستوجب، أو هي استوجبت لدى الدول التي تملك تفكيرًا استراتيجيا، ابتكار أدوات جديدة لقراءة العالم بأكمله، وأيضًا ابتكار أدوات للتدخّل.
لم يعد من الممكن بل هو المستحيل، قراءة ظاهرة الإرهاب، في أسطرها الأولى ضمن منظار «الأمن الداخلي» (حصرًا) أيّ الاهتمام بما يجري «داخل الحدود» دون الأخذ بعين الاعتبار ما يجري وراء الحدود المجاورة أو على بعد ألاف الكيلومترات.
لا يمكن مثلا النظر إلى تفجير حافلة الأمن الرئاسي، ضمن منظار تونسي بحت، بل وجب أن ننظر إلى المسألة ضمن «قوس قزح الإرهاب». تلك مهمّة جديدة ومهمّة صعبة ومهمة مستجدّة، ليس فقط على مستوى الوسائل والاعتمادات، بل على مستوى المقاربة الشاملة والقراءة الجمليّة.
الحرب (غير المعلنة) بين جمهوريّة روسية الاتحادية والجمهوريّة التركيّة، كائن ما كانت نتيجتها، ستكون أحد أهمّ المحدّدات للمعارك الدائرة في الشرق الأوسط وشرق المتوسّط، وعلى أساس ليس فقط النتيجة النهائيّة، بل نوعيّة النتيجة، ستكون العواقب على تونس.
مصير آلاف المقاتلين التونسيين المتراوحين بين الموصل غربا والرقّة شرقًا، مرتبط بالصراع الروسي التركي، ومصير تونس مرتبط بمصير أبنائها. انكسارهم وانكسار (ما يسمّى) داعش، سيجعلهم يحاولون ليس فقط العود إلى تونس بشتّى السبل، بل تطبيق ما تعلّموه هناك في بلدهم، ومن ثمّة التأسيس لمشروع بديل.
لذلك لا يمكن أن تكون حادثة اسقاط الطائرة الروسيّة بعيدة عن حادثة تفجير الحافلة. المخابرات الروسيّة رسمت لنفسها «خارطة الارهاب» في الشرق الأوسط وفي شرق المتوسط، أين هي قواتها، ومن الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ «العنصر التونسي» في هذه المعادلة يأتي على رأس القائمة، ممّا يعني دون أدنى شكّ أن هذه المخابرات لا تنظر إلى تفجير الحافلة في صورة «الفعل البعيد» (جغرافيا)، بل هو في «عين العاصفة» التي تعيشها في الشرق الأوسط وشرق المتوسط. عاصفة حاسمة، على مستوى المستقبل الاستراتيجي للاتحاد الروسي…
من ذلك تحوّلت تونس، إلى بؤرة للاستخبارات من جميع أصقاع العالم، كمثل حال بيروت في سبعينات القرن الماضي، الجميع يبحث عن المعلومة، والجميع (أو البعض حين نريد التخصيص) يريد فعلا التأثير في مجرى الحياة السياسيّة (بالمعنى الشامل للكلمة)، بدءا من معرفة ما يدور في عقول أصحاب القرار، وصولا إلى «الجهات الفاعلة» (حقّا) في مجال الارهاب في تونس، ومن ثمّة التأثير على الصنف الأوّل وكذلك اختراق الصنف الثاني أو حتّى التلاعب به، حين تحوّل الارهاب إلى الصناعة الأقلّ كلفة والأفضل مردودًا…
لا يمكن الحديث في تونس إذًا عن «إرهاب» (ضمن المعنى الحصري للكلمة)، أيّ «أعمال عنف تريد اسقاط النظام وتدمير الدولة داخل الحدود»، حين من يمارسون الارهاب داخل تونس، يمارسونه خارجها،
لم يمكن الحديث عن «ارهاب» مجرّد، أي «متطرفون (فقط) يريدون اسقاط الأنظمة وتدمير الدول»، بل هناك تداخلات في المصالح المتغيّرة، حين يستحيل على تنظيم (ما يسمّى) «داعش» أن يكون على هذه القوّة العسكريّة والتمدّد الجغرافي والسهولة في التنقّل، دون دعم مباشر وصريح من دول، ترى مصلحتها (راهنًا) في وجود هذا «البعبع» سواء للاستعمال أو للتهديد أو الاثنين معًا…
من ذلك لا يمكن أن نختصر عمليّة «تفجير الحافلة» في بعدها المادي فقط، أي «انتحاري فجر حزامًا ناسفًا» بل وجب أن نربط المسألة بالبعد الجغرافي المتجاوز للحدود، وبالبعدي الوظيفي المتجاوز لمسألة «التطرّف» (ضمن معانيها المباشرة)…
مصيبة الارهاب أنّه مثل «قوس قزح» (فعلا)، كلّ يراه من زاويته، ينظر فقط إلى اللون الذي يهمّه، ولا يبحث سوى عن مصالحه… الولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول الخليج، دفعت إلى من هبّ ودبّ، واعطت السلاح لمن شاء وأراد، شريطة أن يكون التمويل ويكون السلاح موجهًا لمحاربة النظام السوري.
في سرعة غريبة بل قياسية، سيطرت «المعارضة المتطرفة» على «المعارضة المعتدلة»، بل أقصتها من المشهد، لتكون (ما يسمّى) «داعش» وتكون «النصرة» (الوجه السوري لتنظيم القاعدة). هذه التحوّلات الكبرى في المشهدين السياسي والعسكري في سورية أوّلا ومن بعدها العراق، جاء ضمنه «مجهود تونسي»، حين تحوّل الآلاف من الشباب التونسي للالتحاق بهذه الجماعات المسلّحة، وكذلك أثر هذا الوضع في وعي الشباب التونسي، الذي كلّما تضخّمت «كرة الارهاب» في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، كلّما ازدادت رغبته للمشاركة في تضخيمها.
إنّه منطق الثعبان الذي يتناول ذيله (في نسخته الارهابيّة)…
لا يمكن لمعركة الارهاب أن تنتهي في بلد (بالقضاء على الارهاب) وفي بلد اخر يكون ذات الارهاب قائم وفاعل، لذلك ساذج ومغفّل ومعتوه (لكلّ من هؤلاء أن يختار ما يليق به من توصيف) من يعتقد يقينًا أنّه بالإمكان القضاء على الإرهاب قبل أن تنتهي الحروب بخصوص سورية والعراق، وما يحيط بهما من دول لها مصالح استراتيجية في المسألة. لأن بوجود هذا الصراع في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، سيحاول شباب أن يلتحق بأرض «الجهاد»، وسيفكّر شباب موجود في أرض «الجهاد» في نقل التجربة إلى بلده.
دون أن ننسى أياد محليّة واقليميّة ودوليّة، غير متدينة وغير متطرفة (كما تمّ شرحه) تجد مصلحتها في هذا الارهاب أو ذاك، أو توجهه في هذا الاتجاه أو ذاك…
70 تعليقات
تعقيبات: juicy couture tracksuits
تعقيبات: buy mammut jackets
تعقيبات: mont blanc Cyber Monday sale
تعقيبات: cartier love bracelet replica
تعقيبات: cheap christian louboutin heels