مسؤول الباجي «الكبير»: «كبرنا» من أجل هذه اللحظة التاريخيّة؟؟؟

5 ديسمبر 2015

تستدرج مقولة الباجي عن «المسؤول الكبير» عقول التونسيين العاشقة بل المدمنة على «نظريّة المؤامرة»، ليسرح كلّ في اتجاهه ويمرح من أراد أين شاء خياله…

الاعلان خطير، بل شديد الخطورة على مستوى الشكل ومرتبة المضمون، بل أكثر من ذلك، يمكن السؤال والتساؤل عن الأسباب التي دعت رئيس الدولة، القائد العام للقوّات المسلّحة إلى الإعلان ذاته، حين وجب أن نميّز على مستوى السياسة بين ثلاث درجات للاتصال:

أوّلا: الاتصال في حدّ ذاته، الذي يتمّ بصفة دوريّة ومستمرّة، بين رئيس الدولة وعديد الشخصيات من داخل تونس ومن خارجها، وتدور فيها مسائل تتعلّق بالبلاد ومصالحها وعلاقاتها بهذه الدول وهذه الشخصيات.

ثانيا: مبدأ الاعلان ذاته، لأنّ «المصلحة السياسيّة» وكذلك «القرار الإعلامي» (في بعده السياسي) هما من يقرّر الإعلان عن هذا «التواصل» مع هذه الجهة أو تلك

ثالثًا: إقرار مبدأ «الافصاح» عن أيّ علاقة أو اتصال أو تشاور أو تباحث، يتطلب أسلوبا ومن ثمّة قرارا سياسيّا، يحدّد المحتوى على مستوى الشكل اللغوي والمتن الاعلامي، دون أن ننسى الأسلوب التحريري، وما يتبع من حفظ المقامات وواجب احترام التراتب البروتوكولي

الباجي قائد السبسي

الباجي قائد السبسي

وفق ما أعلنه الباجي قائد السبسي يمكن الجزم أنّنا (في حال عدم صدور بيان توضيحي)، سنبقى رهينة مستويين:

أوّلا: الغموض الذي أحاط ولا يزال يحيط بهذا التصريح، ونتائج الأمر على «التدافع السياسي»، سواء الطبيعي أو المعتاد في أيّ نظام «ديمقراطي» (أو يدّعي ذلك) أو ما هي عليه وسائل التواصل الاجتماعي من هيجان مطلق وتساؤل يرقى إلى مستوى «الهوس» أحيانًا أو تصريف وفق «نظريّة المؤامرة»…

ثانيا: التبرير المقدّم لتجاوز الصلاحيات وتخطّي الدستور، كأنّ هذه التبريرات قادرة على الاقناع أو أنّ الاقناع في ذاته مبرّر لهذه التجاوزات، ممّا يعني أنّنا غادرنا دولة (وجود) القانون و(مرجعيات) المؤسّسات، إلى منطق التبرير (العاطفي) والاقناع (الديماغوجي)، وما يعني ذلك ويحيل عليه من تبعات خطيرة…

ليس من حقّ أيّ جهة أن تجزم بهويّة هذا «المسؤول الكبير»، لكنّ الحقّ قائم لدى أيّ جهة كانت بأن تفسّر وتنظّر، بل ويشطح بخيالها، عندما أصبح «الشطح بالخيال» الرياضة الأهمّ على المستويين الاعلامي والسياسي…

لا يجب ولا يمكن أن نعتبر ما أعلنه رئيس الجمهوريّة والقائد الأعلى للجيش (رغم أهميته) خارج السياق العام للبلاد وما تعيشه من ظروف سياسيّة سواء على مستوى العلاقات بين الأحزاب أو داخلها، أو على مستوى التلقي الشعبي لهذه الصراعات ونظرته لهذه الخصومات، التي (وجب أن نعترف في صراحة) أنّها أصبحت المحرّك الوحيد للتفاعلات السياسيّة وكذلك تحتلّ الحيز الأكبر والمجال الأهمّ من اهتمامات الناس…

لم يفهم الباجي قائد السبسي والطاقم الذي يعمل معه، أنّ «التبرير» (في ذاته) لا يمكن أن يتحوّل (وفق نظريّة النوايا الصادقة)، إلى المجال الأوحد أو الأهمّ للتدخّل السياسي، حين لا يستبطن الناس (المتلقين) هذه «النوايا»، وكذلك لا يمكن لهذه الجهات أن «تتفهم» هذه التبريرات، وثالثا (وهنا الأخطر) هناك جهات سواء وفق نظريّة التدافع السياسي (الطبيعي في أيّ «ديمقراطيّة») أو الطعن في النوايا، تستحسن هذه التصريحات، أو هي تستحسن «الثغرات» التي فيها (عندما نريد الدقّة) لمهاجمة (هذا) «الخصم»، من باب تحسين الموقع ضمن الصراع السياسي (الطبيعي) أو اقصاء هذا «المنافس» (أو من هم معه)…

سيأخذ تصريح السبسي الهمّ السياسي التونسي بعض الوقت، لكنّ المشكلة أو المصيبة أنّ الطبقة السياسيّة ورهط الاعلاميين، سيتراوحون بين مدافعين عن هذه «الطلعة» والمجاهدين من أجل تبرير أصولها «الفقهيّة» ومستنداتها الفكرية ومرتكزاتها السياسيّة، وأخرون سيطعنون هذه التبريرات وسيحاولون نسف هذه المستندات ويريدون دكّ هذه المرتكزات. ممّا يعني أنّ تصريح الباجي أو أيّ فعل مشابه، سواء بالتأويل أو بالتوصيف، ليس سوى التعلّة والركيزة لقيام هذه الحروب الكلاميّة والصراعات على المنتديات الاجتماعية والشحن الأقصى على المنابر الاعلاميّة…

من القطع والأكيد أنّنا سنتجاوز هذه «الفازه» (بالتعبير الشعبي) إلى «فازات» (أخرى)، حين صار ديدن البلاد التقاط «الهفوات» ومن ثمّة بناء الخطط السياسيّة…

ما قاله الباجي خطير جدّا، وما أقدم عليه لا يمكن تجاوزه، لكن من التقزيم أن نرى الباجي رأس المشاكل أو أن نختصر في شخصه ومنصبه أو الوظيفة والرمز، ما تعيشه تونس، خصوصًا زمن هذه الحروب المتداخلة، سواء داخل النداء وما شهده هذا الحزب من انفجار، أو ما وجب أن نذكر من توتّر أمني على خلفيات عمليات ارهابيّة لا تزال تهدّد البلاد وتتهدّد العباد…

حين نريد تلخيص الأزمة في أبعادها الشاملة وتجاوز هذه «اللقطة» مهما كانت خطورتها الأكيدة، يمكن الجزم أنّنا أمام طبقة سياسيّة، لا تفرّق (أمام الإعلام وعلى المنابر) بين منطق «المقهى» وتجاذب أطراف الحديث دون تسلسل منطقي أو سند إثبات، وبل التوجه إلى الرأي العام أوّلا، وثانيا مخاطبة وسائل الاعلام، وثالثا التأسيس لمنظومة حكم ورابعًا نجاح الانتقال الديمقراطي.


110 تعليقات

    1. تعقيبات: discount jimmy choo

    2. تعقيبات: cheap belstaff jackets

    3. تعقيبات: Mountain Hardwear on sale

    4. تعقيبات: Cartier Rings

    5. تعقيبات: hermes h bracelet replica

    error: !!!تنبيه: المحتوى محمي