سليم الرياحي يمثّل «ظاهرة» حقيقيّة بأتمّ معنى الكلمة. هذا «النكرة» (قبل تهريب بن علي) تحوّل فجأة إلى رجل الأربع صفات:
أوّلا: زعيم سياسيّ لحزب اقتلع في الانتخابات في الانتخابات الفارطة 18 مقعدا وتحوّل إلى «رقم صعب» في الحياة التشريعيّة والسياسيّة في تونس.
ثانيا: رجل أعمال، حين اعترفت مراجع عديدة له بصفة «الرجل الأكثر ثراء في البلاد».
ثالثًا: رئيس أحد أهمّ الأندية الرياضيّة في البلاد،
رابعًا: صاحب قناة تلفزيونيّة (لا تزال في طور المشروع)
سليم الرياحي «يلعب» على الجبهات جميعها، ويحاول البروز في المجالات الأبرز في البلاد، ويراهن ضمن المجالات التي يمكن الرهان من خلالها، للوصول إلى «أعلى كرسيّ» في البلاد، حين سبق له أن ترشّح للانتخابات الرئاسيّة الفارطة.
هل مردّ هذا الانتشار (بالمفهوم العسكري المباشر للكلمة) طاقة كبرى وقدرة حقيقيّة على التوسّع ومنافسة الجميع دون استثناء أمّ أنّ النرجسيّة (عند الرجل) فاقت حدّها وتجاوزت حدودها وجعلته «يصرف» (المال) دون حساب، لا همّ له سوى المباهاة والظهور، دون حساب للكلفة ودون تقدير للنتائج؟؟؟
حصد الرجل نجاحات لا يمكن انكارها، لكنّه حصد خيبات أكبر لا يمكن تجاهلها هي الأخرى، أو بالأحرى جاءت حسابات البيدر أقلّ بكثير من حسابات الحقل، أيّ أنّه (بلغة الاستثمار) لم يسترجع ربع ما استثمر على مستوى الاشعاع (السياسي) والوجاهة (الكرويّة) والانتشار (الاعلامي) والزعامة (الماليّة)…
لا يمكن بأيّ حال وفق أيّ قراءة فصل هذه المجالات الأربع عن بعضها ولا يمكن بأيّ حال أخذ (سي) سليم في صفة دون الصفات الثلاث الأخرى، لذلك يمكن الجزم دون الخوف من أي معارضة، أنّ (مجرّد) نزول خبر «انسحاب سليم الرياحي من رئاسة الإفريقي» يمثّل «حدثًا» سياسيّا من الدرجة الأولى، ولا يمكن بل يستحيل «البقاء به» ضمن منطق كروي بحت، أو اعتباره دون تأثير على مجمل مسيرة الرجل أو أطماعه (المشروعة) في «كرسي قرطاج»…
صدور الخبر على وسائل اعلام تحمل مصداقيّة، وقبل حتى اعلان الرجل أو تأكيد الخبر عن طريق بيان رسمي أو ندوة صحفيّة، يعيد خلط الأوراق وبعثرتها، لأنّ (سي) سليم يكون حينها (قد) فقد جزءا من «المدفعيّة» (الثقيلة) التي يملكها في سوق المعارك السياسيّة في تونس.
السياسيون والمتابعون ومختلف الملاحظين، سيربطون بين هذا «الانسحاب» وقدرة الرجل على مواصلة «المعركة» من خلال الوسائل الأخرى، أو حتّى قدرة الرجل على مواصلة الرحلة التي يبغي اكمالها (كما أعلن) رئيسا للجمهوريّة التونسيّة.
وسط سيل الأخبار عن معارك داخل الأحزاب وصراعات بين هذه الأحزاب، وهيجان شعبي بسبب عزل هذا الإمام أو إيقافه أو حتّى اطلاق سراحه، يأتي هذا اعلان الانسحاب (الذي قد يكون من باب المناورة) خبرًا سيؤثر بالتأكيد على مسار الصراع السياسي في تونس.
الافريقي (أو النادي الافريقي كما هي التسمية الرسميّة) ربح من الرجل مالا وفيرًا، بل كان المال ولا شيء غير المال، هو العنصر الذي جعل النادي يقبل الرئاسة ويجعل الرياضي طارق ذياب (وزير الرياضة حينها) يقبل (اثر جلسة بين الرجلين) أن يعتلي «عرش الافريقي» هذا الذي كان من «النكرات» لأشهر خلت.
كما «الترجّي» دولة، الافريقي «دولة» كذلك، والعمق الشعبي (الرياضي) خاصّة، يعطي لهذه اللعبة أهميّة تفوق ألف مرّة ما يشاهد من صراع بالعصيّ بين السياسيين وكثرة الكلام، وسيل الوعود وقلّة التنفيذ، لذلك تحوّلت الرياضة أو ارتقت على مستوى الصورة والزعامة والرمزيّة وحتّى الاعتبار الجماهيري إلى ما يوازي السياسة أو يفوق، وهو السبب الذي دفع (سي) سليم إلى طلب يد «الأميرة الافريقيّة» حين لا وجود لشاهد (واحد) يشهد (دون أن يقسم) أنّ سليم الرياحي حضر مرّة واحدة (وإن كان لدقائق) مباراة واحدة للنادي الافريقي…
كلّها سياسية، السياسة والمال والرياضة والإعلام، كلّها تصبّ في خانة واحدة، حين لا يزال الوضع الجاري يغلب القانون، بين هايكا أتت كمثل «الأطرش والأعمى في الزفّة» وقوانين منقوصة وتشريعات كالمعاق عاجزة عن التفعيل.
من الحمق ان يكون التلويح بالاستقالة مجرد مناورة لكن الخطير ان يمضي الرجل في الاستقالة وان يترك فريقه في هذا الوقت بالذات
لان هذا الوقت له دلالات مالية فقط.