«جاؤوا يغازلون الجغرافيا ويمتدحون تاريخهم، ويؤسّسون من سيوفهم أمجاد سلاطينهم الباقية، ويؤرخون من الفتح، بدء التاريخ وطواعيّة الجغرافية أمام سنابك خيولهم المائجة»، هكذا قال من تقدّم الصفوف ورفع الراية خفّاقة عالية وراح يناجي النفوس بموّال عن «الفاتح» وما شيّد من مساجد عامرة. هي كذلك، في فصول الأوّلين وأيضًا ما سار به البحّارة بين المحيطات المائجة، أنّ الصبية منهم تخرّ لهم الجبابرة، بل الجبال وما تعالى من القمم الشاهقة. هكذا قال البعض، وفي رواية أخرى قالوا أنّهم من الجبابرة.
«بين هذا وذاك، لا مجال للروايات البائدة، هم فتحوا الدنيا ووقفوا أمام أسوار مدينة مانعة»، هكذا يروي التاريخ أمجادهم العامرة، ويؤرّخ لبعض من انكساراتهم الخائبة، وكيف ركبوا البحر وهزّوا الجبال على أوتادها، بل راحوا يقاتلون دون هوادة، حتّى أناخت لهم الأقوام وجاءتهم السفارات بالهدايا القائمة.
«هو تاريخ، من أمجادهم عبروا، وإلى تاريخنا بما نحن نعتبر»، جاء قول الحادي، على أقوال الروّاد وما ساق الركبان من أدعية السيّارة، وبقايا الجيوش الغازية، بل هي عبارات كمثل النار هي، وتراتيل على شاكلة الصلوات الصادقة. بين من جاء يمشي على أعقابه كمثل الأرانب الخافتة، ومن سار كمثل الأسود الهائجة، سيذكر التاريخ، أنّ التواريخ كذبت، حين بانت طلائع الجيوش الغازية، علّ التاريخ يسجّل عِبْرةً ومن المنهزمين يوثّق عَبْرَةً صادقة، حين عزّ الدمع في مقلة جفّت، طالما بكينا على أمجادنا، بل هو انقطاع الدمع من أحدقنا.