«من الذي أضاء الشوارع وجعلها معبرًا للكلمات المارقة، وأعلن في الوافدين أنّ المقام قيامة على حافة الخرفان الخائفة؟»، هكذا أقامت المواشي سوقًا للثائرين، تراجع به الصدمات الثائرة وتعانق به الأهلّة القائمة على أطراف البدور الناقصة، علّ المارق يراجع دوره ويبدي ممّا يخفي أكثر ممّا تتيح قوانينه الظالمة، وأقلّ ممّا تطالب الجماهير المائجة.
«هل العُراب غراب، وهل رحل المُرابي الذي أكل الكبد وشرب الدماء؟»، بهذه الكلمات راحت الميادين ترحل من درجات الموت إلى مراتب العزاء الساخنة وتراجع الوافدين الأحياء على نعوش لا عماد لها، وتبارك لمن رحل عن الوزارات بأنّ الدعاء المستجاب رهينة عند من ملأ الساحات بأسلحة فات زمانها، بل هو عطر من أعالي الزهر وما وقر من ورود مستوردة، علّ من غضب يستنشق الرحيق ويغادر الغضب إلى سماح دون رجعة أو هو التعاطي مع الأحداث من زوايا أخرى مختلفة، بحثًا عن استراحة لهذا المحارب وهدنة غير معلنة، بل هو انزياح الحمل عن صاحبه كما قال العرّافون في كذب صدّقه الحاضرون ومن معهم من جماهير المرحلة.
عند هذه الحدود صارت الفوارق دون قيمة وانقلب الصراع إلى خوف من ضياع القصائد المعلنة، لأنّ الشعراء فقدوا شياطينهم المرحلة، الذين أعادوا صناعة قبلة جديدة، أو بحور أخرى غير تلك التي جاءت بها قوافي المديح المسترسل والمناشدة المعلنة، لأنّ الصابئة لم تكفر علنًا، بل راجعت بعض المفردات في دفاتر الأسباط المعلنة، علّ الوافدين لا يلحظون تغيّرا في لغة الدف والمزامير الباقية، لأنّ الدينار دين لا مرادف له والدراهيم مفاتيح الأبواب المغلقة…