النهضة والانتخابات الرئاسيّة : الحقل المغري والبيدر المرعب.

22 مارس 2024

مهما كان الموقف من حركة النهضة، سواء من الأداء السياسي طوال عشريّة نختلف في تقدير لونها، أو الصورة التي خلفها هذا الوجه السياسي أو ذاك، من بين قيادتها، فالجزم قائم أنّها قادرة (والقدرة لا تعني الفعل بالضرورة) الاتجاه بمجرى الانتخابات الرئاسيّة نحو هذا المسار أو ذاك، دون الجزم بقدرتها على ضمان النتيجة.

السؤال الأكبر المحدّد لهذا المشهد الانتخابي السابق لأوانيه، يتلخّص في بعض الأسئلة :

أولا : متى تحدّد النهضة شكل الخيار الذي ستذهب فيه؟

ثانيا : هل ستحدّد هذا الخيار جهرًا وعلانيّة أم ستفضل الإشارات الخفيّة؟

ثالثًا : من هذه الجهة داخل الحركة القادرة أو المكلفّة بهذا الملفّ؟

رابعًا : ما هي شروط الحركة لقبول هذا أو ذاك ليكون «حمّالة» أصوتها في هذه الانتخابات؟

هذه الأسئلة من بين أخرى كثيرة، بدأت تهزّ الوسط السياسي في تونس، دون جزم بقدرة أيّ كان على تقديم أجوبة منطقيّة أو هو الجواب الذي يجعل «من يعنيه أمر النهضة» يحسم أمره. سواء بالتعويل عليها رديفًا، إن لم نقل «وقود المعركة» أو هو «عدم التعويل عليها» واعتبارها متراوحة بين موقع الخصم/المنافس.

هناك اختلاف داخل حركة النهضة، أو بالأحرى يمكن الجزم أنّه عدم توافق بين أجنحة هذا الحزب ليس فقط بخصوص «رجل المرحلة» أي ذاك الذي يستطيع «قلب الطاولة»، بل اختيار المواجهة من أساسها. حين يعلم الجميع من باب الحساب الذي يعني اليقين، أنّ من لا يملك ثقة «حزب الرئيس» ولا «حزب النهضة»، تأتي حظوظه شبه معدومة، أو في أكثر حالات التفاؤل، تكون هذه الحظوظ ضعيفة جدّا.

BCC4B9D8-75D0-4CF0-8FD8-1EF7BEBAF0ABمهما تكن العلاقة القائمة أو القادمة، بين الطرفين أيّ «حزب الرئيس» كما «حزب النهضة»، اليقين قائم بأنّهما المحدّد الأوحد لنتيجة الانتخابات وما لا يقلّ أهميّة شكلها النهائي، أي نتائج الدور الأوّل، بين قدرة هذا أو ذاك من حسم الأمر دون الحاجة إلى دور ثان. أو هو دور ثان، حيث تتحدّد النتيجة على أساس «هويّة» كلّ من المترشحين، والنسبة التي حدّدت مرور كلّ منهما، وأكثر من ذلك، التحالفات الممكنة.

استراتيجيا، النهضة أمام خيارين إثنين لا ثالث لهما.

أوّلا : دخول معركة الانتخابات الرئاسيّة عبر مرشّح تدعمه وتكون وقوده الذي تدفع به أقصى ما أمكن، أي الشوط الثاني. مع اختلاف شكل «هذا الدعم» بين أن يكون «مفضوحًا» دون مواربة، وبين سند خفيّ بعيدًا عن الأعين (ظاهرًا على الأقلّ).

ثانيا : أن يحصل بينها وبين الرئيس قيس سعيّد «اتفاقًا» تقايض فيه هذه الحركة سواء دعمها أو «حيادها» مقابل الحسم في «الملفّات العالقة» أساسًا حلّ ملف «الموقوفين» كما عودة الحزب إلى الحياة السياسيّة.

تقف هذه القراءة «النظريّة» أمام «منغصات» عديدة. أوّلها عدم إيمان جزء من «حزب الرئيس» بجدوى المصالحة أو وجوب «غلق الملفات» العالقة مع النهضة سياسيا. كما (في الضفّة المقابلة) هناك من في النهضة يرى بأنّ الدخول في أيّ اتفاق من هذا الشكل، يمكن اعتباره «تكريمًا» لقيس سعيّد وتمكينه من «شرعيّة» تسبق «شرعيّة الصندوق»، تُسقط بها صفة «الانقلاب» التي شكلت لشهور عديدة، «الشعار» الذي أقامت عليه الحركة خطابها. إضافة إلى أنّ جهات عديدة داخل «جبهة الخلاص» لا تزال على مستوى الوعي تقف عند «24 جويلية» مؤمنة بأنّ لا صلح لا اعتراف ولا تفاوض مع «الانقلاب» ورموزه. دون أن ننسى أنّ النهضة ليست على قلب رجل واحد. أي قادرة على ضمان «كلمتها» عند الوصول إلى أيّ «اتفاق» ممكن بين الطرفين.

هناك داخل النهضة من يصرّ على اسقاط قيس سعيّد، من خلال انتخابات لا يعترف بشرعيتها وإن كان يأمل في جعلها «أخر عهده بالرئاسة»، في حين ترى فئة ثانية بأنّ مجرّد القبول بالانتخابات فيصلا، يمثّل تراجعا واعترافا بشرعيّة لا يزالون يرونها (في دواخلهم) «انقلابا»، دون الحديث عن فئة ثالثة، ترى الرهان على «مواجهة قيس سعيّد» غير مجدٍـ لأنّ في الحالتين لن تكون «الغنيمة» مجزية.

في حال فاز «مرشّح النهضة» أيّ «الحصان» الذي ستراهن عليه الحركة، فمن يضمن أنّه سيكون ذلك «البرد والسلام» عليها. علمًا أنها قيس سعيد (خصمها اللدود الحالي) يدين لها فعلا ودون أدنى شك بنسبة جدّ هامّة من النتيجة التي حصل عليها في الدورة السابقة من الانتخابات الرئاسيّة، حين وقفت إلى جانبه جهرًا وعلانيّة ضدّ منافسه نبيل القروي.

كذلك ينظر العديد من قيادات النهضة بعين مليئة بالريبة إلى تجربة «جبهة الخلاص» حين دفعت أحمد نجيب الشابي إلى الواجهة، الذي رفض أن يكون مجرّد «واجهة»، بل أراد وعمل من أجل مصلحته في تعارض مع مصالح النهضة الاقليميّة خاصّة.

أكثر من ذلك تعلم قيادات النهضة أن فوز «مرشحها» غير ضامن لأيّ عودة إلى أيّ وضع كان. كما أنّ فوز قيس سعيّد على هذا «المنافس» سيجعلها بمجرّد صدور النتائج تفقد جملة من الأوراق الهامّة التي كانت بحوزتها.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي