في غياب أيّ «مَخرج»، نتنياهو في حاجة إلى «مُخرج»…

26 أكتوبر 2023

إضافة إلى قوّة الصفعة التي وجهها «طوفان الأقصى» يوم 7 أكتوبر/تشرين الأوّل، إلى الكيان الصهيوني وكامل المنظومة الدوليّة التي تسنده، يجد هذا «التحالف» الذي أعلن عنه إيمانويل ماكرون، ذاته في مأزق لا يقلّ قساوة، حيث العجز عن تحويل الدماء التي يسيلها في غزّة إلى مكاسب سياسيّة أو غيرها، وبالتالي يجد ذاته أشبه بمقامر لا يدري أيّ خيار يتّخذ، بين نقيضين أحلاهما علقم.

إمّا المواصلة في إسالة شلاّل الدمّ دون توقّف، أو مواصلة قصف المدنيين، والإقدام على اجتياح القطاع، مع ما يعني ذلك من ثمن وجب دفعه، دون إدراك حجم «المفاجآت»…

محاولة «الاستطلاع بالنار» التي أقدم عليها العدوّ الصهيوني على أطراف غزّة، أكّدت أنّ الاجتياح الذي تقرّر من قبل مجلس الحرب المضيّق لدى الصهاينة، ليس فقط محفوف بمخاطر أكيدة، بل يمكن مع يقين كبير لدى كثيرين، بأنّ الهزيمة ستشكّل الضربة القاضية لوجود هذا الكيان.

يعلم الصهاينة ومجمل «المحفل» الدولي المساند له، أنّ مجرّد النيّة على مناقشة فكرة «إيقاف وقف إطلاق النار» دون تحقيق أيّ مكسب يعني انتقال التناقض الوجودي القائم مع الجهة المقابلة، إلى تناقض داخل المجتمع الصهيوني ومن ورائه «المحفل» المساند، الذي يعتبر أنّ وجود الكيان وكذلك امتلاكه قدرة ردع كافية لكسر الدول المجاورة، شأنًا وجوديّا.

AA1iRH8rالضربة التي تلقتها فرقة «دلتا» الأمريكيّة بمعيّة نخبة النخبة من الوحدات الخاصّة من الجيش الصهيوني، أثبتت أنّ حسابات القيادة الأمريكيّة الماسكة لسلطة القرار العسكري في الكيان، لا تتوافق مع معطيات الواقع الماثل على أرض الواقع، بل هي نقيضها النافي لجميع الخطط التي تمّ ولا تزال بصدد الإعداد.

السؤال الحاسم القادر على إضاءة المشهد بكامله : «لفائدة من يلعب عنصر الزمن؟».

من الجانب الفلسطيني بقدر شلاّل الدمّ الذي يسيل كلّ يوم بل يزداد، مع ظروف حياة جدّ صعبة، لا يزال الشعب الفلسطيني رافضًا للاستسلام ورفع الراية البيضاء. في المقابل، يزداد السؤال حرجًا داخل الكيان، عن سبب هذا تأخّر الاجتياح البرّي، حين لا تزال القيادات العسكريّة وكذلك السياسيّة، تصرّ على أنّ ما جدّ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأوّل، لا تعدو أن تكون سوى «كبوة» عابرة، حين استردّت المؤسّسة العسكريّة (وفق ذات الرأي) عافيتها، وبالتالي بالإمكان، بالاعتماد على الحليف/الراعي الأمريكي، الذي يبذل الغالي والأكثر غلاء، من أجل العود بها إلى نقطة ما قبل «طوفان الأقصى»…

أمام «حتميّة» الاجتياح البرّي من أجل رتق ما أمكن من «الشرف الصهيوني المهدور»، وكذلك أمام «الرعب» الشديد من مجرّد الشروع في عمليّة عسكريّة، السؤال مطروح وبشدّة عن امكانيّة انجاز «شيء ما» يمكن تسويقه لدى العمق الصهيوني كما الحلف المساند، في صورة «اجتياح» دون أن تؤدّي هذه الخطوة إلى «اجتياح» حقيقي مع ما يعني ذلك من غرق في وحل غزّة وما يعني ذلك من خسائر مؤكدة…

يبرز تناقض بين الصهاينة والأمريكان، حين تتوسّع الرؤية من المستوى الإقليمي إلى مشهد عالمي، حين تعلم الولايات المتّحدة الأمريكيّة أن الغرق في مستنقع الشرق الأوسط وما يعني ذلك من خسائر مؤكّدة، سيمكّن طيف الأعداء وحتّى الخصوم من استغلال الفراغ الذي سيتركه الغياب الأمريكي عن الساحات الأخرى، سواء روسيا التي ستجد المجال أوسع أمامها، خاصّة في أوكرانيا، أو الصين التي ستوسّع سيطرتها على بحر الصين، وربّما اتخاذ قرارات موجعة (للأمريكان) في ما يخصّ تايوان.

الصهاينة ليس لهم من طلب سوى ألاّ ترى العين الأمريكيّة سواهم، وأن تستمرّ في تمكينهم من السلاح الذي كان من المزمع ارساله إلى أوكرانيا، في حين أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة التي وإن تعاملت بكثير من «العواطف الجيّاشة» مع هذا الفخّ التي سقط فيه الكيان الصهيوني، إلاّ أنّها بدأت تحسّ أو ربّما لم تفقد الإحساس أنّ من يقابلها على الضفّة المقابلة، ليس فقط لا يبدون تراجعًا أمام جلب حاملات الطائرات، بل هم لا يتورّعون عن «الجهل فوق جهل الجاهلين»، عندما هاجمت عدد من القواعد الأمريكيّة، بأسلوب أقرب منه إلى التنبيه المؤلم، من الهجوم المدمّر.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي