هل النهضة ممّن يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ؟؟؟

31 مارس 2024

السؤال الذي سيحسم المعادلة أو في أقلّها سيحدّد المنحى العام الذي ستأخذه الجولة القادمة من الانتخابات الرئاسيّة القادمة في تونس يكمن في الجهات أو تكتّل الجهات التي ستدير دولاب السير في الاتجاه الذي تريده، فيكون على البقيّة (مفردًا أو جماعة) السعي إلى إدارة هذا الدولاب في الاتجاه المعاكس، أو على الأقلّ، إتجاه أخر غير الذي تبغي الجهة أو الجهات الماسكة، السير فيه.

المشهد أشبه بلعبة الرقبي، مع وجوب التأكيد على أنّ كلّ مشارك يلعب لحسابه الخاص، مع بروز تكتلات، أغلبها هلامي وأشبه بالسراب.

في خضم المعمعة الحملة الانتخابيّة السابقة لأوانها، يمكن الجزم دون الغوص في ثنايا التفاعلات القائمة وحتّى القادمة، أنّ الجهات القادرة فعلا على مسك الدولاب، لا يتجاوز ثلاثة أطراف.

الجهة الأولى : القطب السياسي الذي يمثله قيس سعيّد، وهو أشبه بالمذنّب المسافر عبر الكون، نتبين رأسه (أي رئيس الدولة) في حين يعتري بقيّة الجسد كثيرًا من الضبابيّة، وإن كان بيّنا أنّ هذا القطب غير هيّن. أي قادر على مسك الدولاب والسيطرة عليه.

الجهة الثانية : كوكبة النهضة وما فاض عنها من «جبهة الخلاص» بمعيّة أطياف لا يجمعها بهذه الحركة، سوى الاشتراك «اللفظي» في الإشارة إلى «الانقلاب»، مع جملة من «المسكوت عنه» يجعل اليقين قائمًا، أنّ لا جامع ولا لحمة داخل «قوس قزح» هذا سوى التنديد والمعاداة، والرغبة في «الثأر» لما يرون أنّها «ديمقراطيّة مغدورة».

الجهة الثالثة : هي أقرب إلى تصنيف «بقيّة الأقسام» في كرة القدم. أي ذلك الشكل الهلامي الأقرب إلى التمدّد وأخذ الشكل المطلوب وفق منطق اللعب، أيّ التميّز من خلال «المعاداة» بما في ذلك ضمن هذا الطيف ذاته، أكثر منه، الاعتماد على «هويّة» تستطيع استقطاب عمق شعبي حقيقي وفاعل.

وجب الإشارة إلى أنّ بين هذه الجهات الثلاث، يسبح طيف من «الكائنات» التي لا طعم ولا لون ولا رائحة لها، أو هي قادرة على اتخاذ الطعم المطلوب واللون المناسب والرائحة الأمثل، ومن ثمّة الالتحاق سواء بهذا القطب أو ذاك، مع قدرة عجيبة أشبه بالسحر، على الانتقال، على المستوى الخطابي على المنابر الإعلاميّة، من النقيض إلى النقيض.

عند دراسة الجهة الأولى (أيّ قطب الرئيس قيس سعيد) نجد البناء هرمي الشكل، يجلس على رأسه رئيس الدولة، الذي منه تنبع «الشرعيّة» وإليه تعود داخل هذا الفضاء السياسي، بل لا وجود لهذا «الكائن» خارج قرار صاحب القرار داخله.

Charعلى عكس الجهة الثانية التي وإن غاب عنها الرأس الذي تُعقد له راية القيادة، تبقى أشبه بلاعب كرة القدم مسنّ، يتّكل على التجربة وأساسًا «العمق التاريخي» وأكثر من ذلك «القدرة على الحشد»، التي تبقى رغم تراجعها على مستوى الانتشار الجماهيري، تلك «الماكينة» القادرة على الفعل، حين اليقين أنّ جلّ الأحزاب، وبالأخصّ تلك التي حقّقت فوزًا «أسطوريا» في 2014، ذابت في الأرض أو هي تبخرت في السماء.

هنا تلعب «عقدة النهضة» دورها، حين فضلت في «السباقات الرئاسيّة» السابقة التعويل على «جواد» من خارج صفوفها، لتتعمّق «العقدة» أكثر راهنًا حين اليقين قائم داخل العقل الجمعي للحركة التي جاء إلى الدنيا ونشأ ولا يزال يعيش هاجس «الريبة» من الجميع ومن كلّ شيء، بأنّ أخطر ما يتهدّد هذا التنظيم السياسي، يكمن في تحالف «بقيّة الجهات» ضدّه. هذه الخشية كانت في فتر العزّ والمجد، طوال عشريّة الحكم، أو (وفق النهضة) لعبت دور الواجهة دون سلطات فعليّة، فما بالك، والقيادة في السجن، وقد انفضّ عنها كمّ غير هيّن ممن ينوون الاقتراع في الانتخابات الرئاسيّة القادمة. عزاؤها في ذلك أنّ طيف غير هيّن من الكائنات السياسيّة (المسمّـاة أحزاب) غادرت المشهد أو وفق «الداروينيّة السياسيّة، انقرضت وانقطع نسلها.

الجهة الثالثة، وإن كانت لا تملك لا شكلا هرميّا ولا كتلة متجانسة، إلاّ أنّها الأقدر على المناورة واللعب على التناقضات، خاصّة القدرة على استقطاب من يريدون «التخلّص من قيس سعيّد» والإصرار على ذلك «مهما كان الثمن»، أو كما يردّد شرشبيل «أخر عمل في حياته».

هنا تكمن «العقدة» التي تكسر «منشار» النهضة أو قد يجعلها تكسب الجائزة الكبرى : هل تعيد سيناريو «التوافق» مع الطرف الأقوى مثلما كان بين «الشيخين» وتضرب عصفورين بحجر واحد : ضمان مكانة داخل كواليس دولة لم تكن تحمل تجاههم في السابق أيّ ودّ، ولا تزال تنظر إليها بعين الريبة، وأيضًا القضاء على أي حظّ لتشكيل «حلف مقدّس» يستهدفها، أم إنّها ستشارك طيفا غير قليل ممن رفعت عنهم «اليتم» عند تأسيس «جبهة الخلاص»، بمعية جبهة «معاداة قيس سعيّد» ومن تتعامل النهضة مع قيس سعيّ قانون «شرشبيل» الشهير؟؟؟

الإجابة عن هذا السؤال داخل العقل الجمعي لحركة النهضة، أكبر من حصره عبر ردّ سريع وخاصّة قاطع.

لا النهضة ذلك الكيان «السليم» القادر على عقد «صفقات» تلزم جميع من يدين لها بالولاء وواجب التقيّد بالتعليمات عند الاقتراع، ولا الساحة السياسيّة قائمة على «الوفاء بالكلمة» مهما كان الثمن، مثلما فعل السموءل…

بقدر ما يعلم العقل الجمعي لحركة النهضة أنّها أقرب إلى «جوكر» في الانتخابات الرئاسيّة القادمة الذي لا رغبة له أو هو يرفض المراهنة على المنصب الأعلى في السلطة التنفيذيّة، بقدر السؤال العويص والتساؤل الملحّ، عمّا يمكن الفوز به من هذا السباق وكذلك مهما ما قد يصيبها من خسارة مباشرة، أو هي الحسرة عمّا كان بالإمكان تحصيله…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي