انطلاق بطولة تونس للأحزاب السياسة

حين لم تجعل القنوات التلفزيونيّة والمحطات الاجتماعيّة ولا المواقع الالكترونيّة من حدود فاصلة بين الرياضة والفنّ والسياسة، صار هذا الاختصاص يكرع من معين ذاك، خصوصًا السياسة، حين أصبح «التسلّل» ديدن السياسيين والعنف على «الملعب» (السياسي) من «الأمور الشائعة»، مع فارق أنّ «حكم السياسة»، لا يسمع ولا يرى ولا يتكلّم، ومن ثمّة تأتي اللعبة «السياسيّة» أقرب ما يكون من مباريات «البطحاء»، حيث «المرمى» عبارة عن حجارة من هنا وأخرى من هناك، ولا خطّ تماس، حين يمكن لأيّ «سياسي» أن يسرح بالكرة حيثما شاء…

المرزوقي – حراك تونس الارادة

اكتملت التشكيلة، مع تأسيس محمّد المنصف المرزوقي لحزبه «حراك تونس الإرادة» ومحسن مرزوق لما أطلق عليه «حركة فداء تونس»، ولم تعد هناك من تحوّلات كبرى على مشهد حزبي صار إلى «تفتيت» أشدّ، أيّ «كثرة الفرق» مقابل «قلّة المستوى»، حين لا يمكن، بل يستحيل تقسيم المشهد إلى «يسار» يقابله «يمين، مع ما نرى من مراوحة (كالسكارى) بين القناعات، أو ما هو قائم من تداخل داخل كل «كائن سياسيّ» وكذلك وجود صراعات قاتلة داخل العائلة «السياسيّة» (الواحدة)…

قد يكون من الأجدى والأجدر، اعتماد نظام «الكأس» وما يتطلب من «تصفيات» كما نرى على المشهد السياسي، أو ربّما يتمّ تحويل «البطولة» السياسيّة من «كرة القدم» إلى «كرة الرقبي»، حيث لا قانون يمنع «الضرب» القاتل (تحت الحزام) ولا حكم يصفّر المخالفات، بل الجمهور وحده يتظاهر بممارسة دور «الحكم» (من خلال الانتخابات)، في حين (مثل الرياضة)، تعدّ وسائل الإعلام «طبخة» قبل وأثناء وبعد المباريات «السياسيّة»….

تعيش الفرق «السياسيّة» وقفة تأسيس الذات وتحديد المشهد، ومن ثمّة وضع الخطة الضروريّة للحصول على «الكأس»، الذي لا يمكن أن يكون سوى «كأس (عرش) قرطاج»، لذلك، لا يلعب الجميع (بدرجات متفاوتة) من أجل الفوز، فقط، بل من أجل هزم الآخرين أو «القضاء» عليهم، حين يفتكّ منهم «جمهورهم» ومن ثمّة يتفوّق عليهم في مباراة «الرئاسة» (الانتخابيّة)…

أثبت علماء الاجتماع الذين اشتغلوا على «كرة القدم» أنّ هذه اللعبة شديدة التداخل مع السياسة، بل ينبعان من بعضهما البعض، أو حتّى ينفذان إلى بعضها. كم من «زعيم كروي» استطاع القفز في سهولة شديدة إلى السياسة، وأصبح فيها «زعيمًا» كذلك، وكم من سياسي بحث عن مسرب إلى قلب الجمهور الكروي.

لذلك جاءت البطولة أو هو الكأس السياسي أقرب إلى تصفيات لا رحمة فيها ولا شفقة، سواء تجاه «أصدقاء الأمس» أو هم «الأعداء الدائمين»، لتكون المباراة مفتوحة على أكثر من فريقين، بل هي مباراة «كرة رقبي»، تساهم فيها كلّ الفرق دون استثناء.

تخلّصت «كرة القدم» منذ زمان من أكذوبة «العبرة بالمشاركة» أو اللعب من أجل «كأس الروح الرياضيّة»، بل يمكن الجزم أنّ في السياسة كما الرياضة، لا عبرة ولا نظر ولا اعتبار ولا قيمة ولا فائدة، سوى من النتيجة التي وجب أن تكون الفوز ولا شيء غير النصر (مهما كان الثمن)، سواء بوسائل «شرعيّة» أو (وهنا الخطورة) بوسائل «غير مرئيّة»…

كمثل ما تعيش الرياضة في العالم هاجس «المنشطات»، التي يستطيع من خلالها الرياضيون تزييف الحقائق، تعيش السياسة هاجس «عمليات سبر الآراء» التي من خلالها يتمّ تزييف الحقائق، ممّا يدفع إلى الفوز (كما في الرياضة) من لا يستحق، ومن لا قدرة له على هزم الآخرين في «شرف»…

رويدًا رويدًا، انتقلت لذّة الكرة من «اللعب فوق الميدان» إلى «لذّة المتفرّج على المدارج» (الذي يدفع ثمن التذكرة)، ومن بعدها انتقلت هذه «اللذّة» إلى «لذّة المشاهد عبر الشاشة»، حين تحوّلت كرة القدم، إلى إحدى الصناعات (الثقيلة جدّا) في العالم.

على الشاكلة ذاتها، انتقلت «لذّة كرة السياسة»، من العمل من «أجل الوطن»، إلى «العمل إرضاءً للمشاهدين»، واليوم صارت الانتخابات (أيّ النتيجة) مرتبطة أشدّ الارتباط، بل مقرونة وإن لم نقل مشروطة، بما هي «صورة اللاعب السياسي» عبر وسائل الاعلام…

من في العالم يستطيع أن يتخيّل لحظة واحدة (أو هي زمن رمشة عين) أرقى البطولات العالميّة، دون نقل للمباريات عبر القنوات المختصّة بل المشفرة، التي تسلب المشاهد المال وهو يصيح فرحًا أو يصرخ غضبًا.

دون تلفزيون لا يمكن بل يستحيل على الفرق أن تدفع الأجور (فوق) الخياليّة للاعبين أصبحوا يعدّون الركلة باليور أو بالدولار.

كذلك في «كرة السياسية»، لا يمكن بل يستحيل صناعة «وعي انتخابي» في غياب وسائل الإعلام، بل يستحيل صناعة «زعامات سياسيّة» دون «وسائل اعلام»، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّه في غياب الاعلام، يستحيل الحديث عن «سياسة أصلا»…

في الحالتين تحدّد النتيجة (بمختلف معانيها) بما هي «لذّة المتلقّي» من خلال وسائل الإعلام، التي تأتي المحدّد الأوّل لأيّ مقابلات كرويّة كانت أو سياسيّة.

لا قانون (فعلا) يحكم كرة القدم في تونس، ولا قواعد (أخلاقيّة) ولا أعراف ولا مرجعيّة، بل صارت كرة القدم إحدى «الملاهي» (الكبرى) وعلى أساسها، يتمّ تحديد (أو هو تقييد) وعي «المواطنين»، وكذلك «كرة السياسة»، أحزاب تتشكّل وينشب القتال بين أجنحتها ويصير إلى استعمال الهراوات وتسيل الدماء، في حين «لا حَكَمَ» ولا هم يحزنون.

في الحالتين، صار «لاعب كرة القدم» وكذلك «لاعب كرة السياسة» فرجة، وفي الحالتين، هذا وذاك، يريد أن يكون فرجة، وفي الحالتين كذلك، الأوّل يتكلّم في السياسة والثاني يفتي في كرة القدم…

يتمّ من جلب «محترفين» (من الخارج) تعزيزًا لقدرات الفرق (الرياضة)، كذلك وفد على البلاد، «محترفون» تمّ تقديمهم في صورة «التكنوقراط» من مزدوجي الجنسيّة، قيل (أوّل مرّة) أنّهم «من أصحاب القدرات الفائقة». القول ذاته يسري على اللاّعبين المحترفين القادمين من الخارج.