دون الحاجة إلى معهد سبر آراء أو آليّة قياس، يمكن الجزم دون أدنى شكّ أنّ لفيف من التونسيين (غير هيّن) فرح بفوز حزب العدالة والتنمية التركي بالانتخابات التشريعيّة كمثل أحباء هذا الحزب في تركية أو أكثر ربّما. عبّروا عن ذلك علانيّة وافتخروا بالأمر، أو ربّما نثروا الأرزّ (تشبيها) كما يفعل المشارقة أثناء الأحداث السارّة والأفراح.
ما الذي يدفع تونسيين (يعيشون على أرض تونس وأغلبهم لم يزر تركية ولم يطأ أرضها أو ربّما لا علاقة له البتّة بهذا البلد) أن يعتبر فوز حزب هناك شأنا «شخصيّا» بل حميميّا؟
بالتأكيد هؤلاء يعتبرون «أردوغان» رئيسهم أكثر من الباجي قائد السبسي، الذي فاز في تونس في انتخابات يمكن الجزم أنّها كانت تتوفّر على الحدّ الأدنى من «المصداقيّة»، أي بلغة أخرى:
ما الذي يجعل مواطنًا تونسيّا يعيش «فرحة» كبرى بمناسبة فوز حزب تركي بانتخابات تركيّة؟
توسيعا للسؤال وتعميقًا للطرح، يمكن القول أنّ قطاعات غير هيّنة من الطبقة «المثقفة» ومن «الاعلاميين» صار يفتح المظلّة ويرتدي معطفا على حساب النشرة الجويّة في إسطنبول أو أنقرة، أكثر مما يهتمّ بالنشرة الجويّة في تلفزيون بلاده الحكومي؟؟؟
سواء رجعنا إلى تاريخ الشيوعيين (بألوانهم المختلفة) أو القوميين (بتباين فرقهم) أو الاسلاميين (بتعدد طوائفهم)، لم نشهد في التاريخ القريب (منذ نهاية الحرب العلميّة الثانية) هذه «الظاهرة»، أيّ «حزب العدالة والتنمية» التركي، ليس في علاقة بواقعه الداخلي، أيّ بسائر الأطراف في بلاده، بل ـ وهنا السؤال ـ حين تحوّلت «التجربة التركيّة» (التي يقودها هذا الحزب) وتحوّلت «قيادة هذا الحزب»، والأعظم من ذلك تحوّل «قائد هذا الحزب» (رجب الطيّب أردوغان) إلى «الحقيقة» التي لا تقبل النقاش ولا تحتمل التشكيك. صار هؤلاء «الأحبّة» يدافعون عن هذا الحزب ويهيمون عشقا بقيادته ويستبطنون الانتماء إليه، أكثر من حبّهم لقيادة بلادهم السياسيّة، حين يفاخر هؤلاء التونسيين أنصار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بالرئيس التركي رجب الطيبّ أردوغان.
أيّ أجساد في تونس وقلوب على ضفاف البوسفور.
حالة عجيبة ووضع يبعث على التساؤل حول مفهوم الانتماء وحتّى ماهيّة الهويّة، سواء ضمن المفهوم الفلسفي أو التطبيقات الوطنيّة التي يعيشها كلّ مع محيطه.
هل إلى هذا الحدّ توسّع «شعور الانتماء» أمّ أنّ هذه الجماعة في حاجة إلى «مثال مستورد» (بالمفهوم الجغرافي) يداوون به «مثالهم الوطني» ويعوضون بهذا «الأتاتورك» الجديد، يتمًا خلفه «الأتابك» التونسي؟؟؟ علما وأنّ لفظ «أتاتورك» يعني «أب الأتراك»، في حين لفظ «أتابك» يعني «أبي»…
على مستوى الصورة العامّة والتوصيف الجملي لا مقارنة: عرفت تركية، تحت حكم «العدالة والتنمية» نهضة اقتصاديّة جيدّة، قفزت بالبلاد من مؤشرات حمراء إلى مؤشرات جيّدة أو في أدناها مقبولة، واستطاع هذا الحزب أن يؤسّس لديمقراطية أخرجت البلاد من أسوأ حالات «الفاشيّة العسكريّة»، مقابل وضع تونسي ماض وحاض لا يحتاج إلى توصيف…
هل وجب أن نلجأ إلى علم النفس السريري، حين يستدعي الطفل أبًا (متخيّلا) في داخله، ويجعله بديل الأبّ الغائب أو السيء؟؟؟
من الأكيد أنّ الكثير من التونسيين أو هؤلاء المتيمين بحبّ تركية وحزب «العدالة والتنمية» وعشاق «أردوغان»، يعلنون صراحة أنّ همّهم وحلمهم ودعاءهم موجه إلى الله سبحانه بجعل تونس شبيهة بتركية، بل أن تكون نسخة منها.
هل هذا الدعاء نتيجة قناعة (معلنة أو غير معلنة) بعجز «الأبّ التونسي» (بالمفهوم السياسي على معنى فرويد) في أن يقدّم هذه نهضة كمثل النهضة التركية ونجاحا كمثل النجاح التركي وتفوّقًا كمثل التفوّق التركي، رغم أنّ قيادات من «حزب العدالة والتنمية» أعلنت عديد المرّات وصرّحت وأكّدت وشرحت أنّ نجاحات «المعجزة التركية» كان (في نصيب منه) بفضل كتابات «الشيخ راشد» (الغنوشي)، ليكون السؤال المنطقي والطبيعي:
«لماذا الكتاب من تونس والتطبيق في تركية»؟؟؟؟
الاجابة تسقط هي الأخرى في منطق «الانتماء عن بعد» أو «الحبّ بالمراسلة» (أو عن طريق الانترنت)، لكنّها في عجز عن الاجابة الواضحة عن أمرين:
ـ إذا تجاوزنا رفع المعنويات في تونس، ما الذي يمكن للتجربة التركيّة أن تقدّمه (أكثر ممّا قدمته) للأحزاب المثيلة في تونس، والذي تبيّن أنّها لم تستطع «الشروع في التنفيذ» رغم التمنيات العريضة والأماني الواسعة التي علّقها الجانب التركي على الجناح التونسي (من العائلة الاخوانيّة ضمن المعنى الواسع للمفهوم)؟
ـ هل يمكن لمجرّد «الارتماء عاطفيا» إلى تجربة تفصلها ثلاث ساعات بالطائرة دون اعتبار فارق اللغة، أن توفي أكثر من «شيخة» (باللهجة التونسيّة) كمثل «شيخة» نارجيلة (التي جاءت من بلاد الخلافة العثمانيّة).
وجب القول (بل التذكير) أنّ الذاكرة التونسيّة لا تحمل الكثير من «الشيخة» عن مرور العثمانيين بالبلاد التونسية، رغم طردهم الاسبان منها في معركة دفع فيها الجيش العثماني من الشهداء ما غطّى فعلا الطريق من ميناء حلق الوادي إلى «برج علي رايس» (وفق كاتب ايطالي شهد المعركة من الجانب الاسباني)، إلاّ أنّ الواقع العربي المزري أو المرير في تونس كفيل بأن يجعل الكثيرون يحلمون باسترداد مجد هذه الخلافة الرائع على مستوى بناء حضارة متميّزة وأساسا، والانتصار عسكريا على الغرب (حينها)…
بين انجازات أردوغان الحاليّة وأمجاد (أجداده) السلاطين، تتلاقى أهواء التونسيين (البعض منهم) رغبة أن يأتيهم مجد جديد من «باب عال»، يؤسّسه أردوغان… كمثل مسلسل «حريم السلطان».
لا أحد يقدر أن يجادل من يستعيض عن الواقع المرير بحلم رائع…
استاذي العزيز ..ما تفضلت به دقيق 100% ، وهذا بالمناسبة ينطبق على عموم البلاد الغربية ، رغم إقراري بوجود خصوصية خاصة بين تركيا وتونس ، وهذه الخصوصية ربنا يخبرنا به العلم التونسي القريب من حيث الشكل مع العلم التركي ولذلك دلالات تاريخية .كما لا تنسى مشاركة التوانسة في الحروب العثمانية، فتونس قدمت أكثر من 6000 مقاتل للمشاركة في معركة القرم ،ومن نجا من الموت عاد لتركيا ليشكلوا قرية باسم قرية التوانسة ..
ألف شكر الأخ والصديق والزميل العزيز سامي، على هذه الإضافة على مستوى المعلومات، سواء تعلق الأمر بالتشابه في العلم، أو المشاركة التونسية في حرب القرم، وما تلاها من وجود تونسيين في بلاد الأناضول…. ألف مرحبا بك صديقا عزيزا وضيفا كريمًا
لا يوجد من انصار السبسي من فرح لنصر العدالة والتنمية وان وجدوا فيعدون على الاصابع.
عندما تتجول في العاصمة وتشاهد شاحنات هدية من بلدية اسطنبول لبلدية تونس…تعرف حقيقة من ساند ثورتنا ومن وقف ضدها.
ثم الفرح الحقيقي هو عند جماعة الاسلام السياسي ولهم الحق في ذلك….لانهم يرون في اردوغان انموذجا للاقتداء لما حققه هو وحزبه في 12 سنة من رخاء لتركيا وشعبها.
لأنّ أردوغان أشبع فيهم حبّ الانتماء لحضارة إسلاميّة تتماشى مع متطلّباتهم الدّنيويّة من رفاهة و نظام و نظافة و احترام بينما الباجي جعلهم يشعرون بالهوان و أنّهم غير مرحّب بهم في دولتهم اصلا رغم تخلّفها اقتصاديًّا و اجتماعيّا عن تركيا.
و نظرا أيضا لخطاب اردوغان السّياسي اذ لا ينفكّ يخرج من التّخصيص التّركي الى التّعميم الاسلامي فجعله ذلك حاملا في عيونهم لمشاكل الأمّة قاطبة ، بيد انّ قائد السّبسي لا يفتر عن التّنديد بمن يتكلّم او يلقي بدلوه في أمور بلد آخر بتعلّة “احنا التوانسة” و هم جيران لا غير او أشقّاء فلن يكون له صيت أردوغان قطعا لدى الشّعوب العربية.
والاحباط والاكتئاب الي يعيشه التونسي جعله كل مرة يبحث له عن شخصيا تروي عطشه
كان المرزوقي ،فالحوادي واخيرا اردوغان
شعب عطشان يا
Nasreddine Ben Hadid
“كالطفل حين يستحضر أبا متخيَّلاً ويتخذه بديلا عن الأب السيء”
أنت بهذه الجملة تكون قد أجبت عن سؤال يبدو طرحه غيرَ ذي بالٍ
فالأوْلى أن يكون السؤال “أيُّ داء حلَّ بالتونسي حتى يختار الهجرة قطعا للحدود والهجرة قطعا للانتماء والهوية عوضًا عن البقاء في هذا “الرّدْم” الذي يدعى وطنا
الإحساس بمرارة الخيبة بعد أن عانقت الأحلام السحاب/ الإحساس بأن هذه البلاد لغيرنا وليس لنا/ الإحساس بأن العدل الذي هو أساس العمران مفقود …. كل هذا يدفع التونسي الى ان يلعن السبسي الرمز ويحتفي باردوغان الحلم