قطر : من الاستثناء، إلى الاستدارة ومن بعده النشاز؟

2 يونيو 2023

دون أدنى شكّ ولا نقاش في ذلك ولا اختلاف، استطاعت دولة قطر أنّ تتحوّل من مجرّد «إمارة» على شاطئ الخليج، كادت أن تكون حبّة في العقد الإماراتي، إلى دولة ذات نفوذ لا يمكن نكرانه، بل (وهنا الأهميّة) لا يمكن التغافل عنه.

ميزة قطر أنّها لم تراهن (فقط) على تكديس الأسلحة والاستثمار في لوبيات النفوذ في الدول ذات الفاعليّة، بل أقامت أو هي أوّل من أدخل إلى الفضاء العربي مفهوم «القوّة الناعمة»، أي أن تكون دولة صغيرة المساحة دون قوّة عسكرية كافية لإقامة قوّة ردع على المستوى الإقليمي (الجوار الخليجي خاصّة) وديمغرافية تقوم وتستند إلى الوافدين بما في ذلك داخل القطاعات المسمّاة سياديّة مثل الجيش والأمن والمخابرات وغيرها، وفي الآن ذاته راهنت على قناة «الجزيرة» ومن بعدها الرياضة عامّة وكرة القدم خاصّة سواء اقتناء نادي باريس سان جرمان، أو احتكار نقل أهمّ التظاهرات الكرويّة في العالم، نهاية بدورة كأس العالم المنقضية، التي قال بشأنها عديدون أو هم تمنّوا فشل هذه الدولة التي كانت الغالبيّة الغالبة ممّن زارها إبّان هذه التظاهرة الكرويّة يجهل مكانها على خارطة العالم.

بلغة كرة القدم، احتلت دولة قطر منذ صعودها على «ساحة الكبار» على الأقلّ ضمن الأفقين الخليجي كما العربي، دور لاعب الوسط المحوري، الذي من قدميه تخرج جميع الهجومات، وله يعود دور تنظيم الدفاع في حال أقدم الخصم على الهجوم.

هذا الدور المحوري ترسّخ وتأصّل إبّان (ما يسمّى) «الربيع العربي»، حين ارتفع الدور الذي احتلته الدوحة فوق نظيراتها في الفضاء العربي. لعبت دور «المايسترو» الذي يقوم أوركسترا «الثوّار» من تونس إلى سورية، مرورا بليبيا ومصر واليمن.

لأوّل مرّة، لعبت قطر دور القاطرة، وجعلت الجميع دون استثناء (من العرب) يتنافس للجلوس بالتراتب على كراسي العربات التي فوّضت أمرها إلى هذه الدولة…

مثلما استطاعت هذه الدولة أن تقود الهجوم على دول «الطغيان» ولعب دور «حامي الديمقراطيّة»، استطاعت كذلك أن تؤسّس لمنظومة دفاعيّة شديدة الصلابة، عندما تعرّضت إلى هجوم من دول مجاورة و«شقيقة» أيّ المملكة العربيّة السعوديّة، وإمارة البحرين، ودولة الإمارات العربيّة وكذلك جمهوريّة مصر العربيّة، فكانت الحلول السريعة بتوفير المواد الغذائيّة بجميع أنواعها، من الحليب إلى الكافيار، وكذلك أقامت وحدات انتاج للحليب والخضر خاصّة.

بقدر ما شكّلت «فرادة» هذه الإمارة سببا في «البلاء» الذي أصابها من «الرباعي المعادي» بقدر ما شكّلت «عصا موسى» التي ابتلعت «الأفاعي» المناوئة.

806882FC-20D7-4B45-935B-6F666264EA74من أفغانستان إلى تشاد، دون أن ننسى الملفّ الفلسطيني، لا يمكن لأيّ كان أن يتجاهل أو يتجاوز الدور القطري، حين تحوّلت قطر إلى «الراعي المعلن» لحركة حماس، سواء على التمويل أو التمكين من قاعدة خلفيّة وخاصّة لعب دور «الوسيط البعيد عن الأنظار» مع الكيان الصهيوني دون أن ننسى ملايين دولارات (نقدًا وعدًا) التي مرّرتها الدوحة، بعلم ودراية الكيان الصهيوني وكانت بمثابة الأوكسجين الذي مكّن قطاع غزّة من الصمود.

أمام هذا التراث القطري من لعب دور «المربّع» الأوسط، فوق رقعة شطرنج يتحاشى اللاعبون الحواشي مخافة السقوط في غياهب التاريخ، يأتي السؤال منطقيا عن تراجع الدوحة حيال الملفّ السوري عن لعب دورها المعتاد.

إذا كانت السعوديّة بحجمها التاريخي ومصر بموقعها ووزنها وتركية بما تملك من قوّة، اتخذت (بدرجات متفاوتة) مكانا على «الطريق السريعة» المتجهة نحو دمشق التي شاركت في اجتماع القمّة الذي انعقد في بلاد الحرمين، يكون (بلغة كرة القدم دائما) السؤال عمّا دفع قطر لتعتمد خطّة «التسلّل» خاصّة وأنّ تقنية VAR ليست في صالحها.

السؤال هنا ليس عن صواب الموقف من عدمه، بل عن المرجعيات التي انطلق منها «الانقلاب» على «فلسفة» الإمارة التي بنت على قاعدتها سياسة دامت عقودًا؟

هل يمكن لفلسفة «القوّة الناعمة» التي رفعت قطر من إمارة منسية إلى لاعب ضمن الكبار، أن تتحوّل إلى منطق «الخروج على الجماعة» (إبان القمّة العربيّة المنقضية)؟

لا يمكن تقديم تفسير لهذه «الاستدارة» خارج السياق الأيديولوجي/العقدي أيّ التناظر بين الاصطفاف الذي شرع فيه الرباعي (إيران، السعوديّة، مصر، تركية)، من جهة، في مقابل الاصطفاف الذي يجمع الولايات المتحدة الأمريكيّة ومعها طيف من «الإخوان المسلمين» في الفضاء العربي الذين ينظرون إلى العالم من خرم ابرة مجدهم الأثير، بين تونس التي سقطت وليبيا الذي تآكلت ومصر التي أفلت وسورية التي استعصت، وخاصّة أردوغان الذي يعتزم الاستدارة بدرجة تحمي ظهره، لكنّها درجة، رغم أنّها لا تمثّل (في القريب العاجل والمنظور) القدر المرضي لخصوم الأمس (سورية خاصّة) إلاّ أنّها عرّت ظهر «الإخوان» الذي فهموا منذ اغلاق قنواتهم في تركية أنّ المنظومة الحاكمة في أنقرة أكبر بأن تضحي بمصالحها من أجلهم، لتكتشف الدوحة أنّ «أردوغان» الذي عوّلت عليه لم يعد ذاك الذي حرّك جنده للرباط بالإمارة والاستعداد لصد أي غزو كان…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي