جدل مع نصر الدين بن حديد

لا حاجة لحساب المسافة (الجغرافيّة) الفاصلة بين «مناضلي» حركة النهضة الذين دخلوا في اضراب وحشي عن الطعام أمام «مجلس نوّاب الشعب»، والقاعة التي شهدت «المؤتمر الجهوي» لحركة النهضة، لنسأل إن كان أصوات «هؤلاء» (بين بكاء ونحيب) قد وصلت إلى مسامع «هؤلاء» (بين نشيد وغناء)، لنسأل (معرفيّا على الأقلّ) ما «الفارق» بينهما، أو هو السؤال (المعرفي كذلك) «ما الذي لا يزال ...

الناظر إلى المشهدين السياسي والإعلامي في تونس، عشيّة «غزوة القصبة» التي أقدمت عليها «النقابات الأمنيّة» لم يعد معنيّا بالبحث عن الجهات السياسيّة والإعلاميّة وحتّى الحقوقيّة والمجتمعيّة، التي تقف ضدّ هذه النقّابات، بل في التفتيش بين ثنايا التصريحات وخبايا صفحات الانترنت عن «صوت» (محايد واحد)…

لم تفهم قيادات النقابات الأمنيّة التي استعرضت قواتها اليوم في القصبة، أنّ قيمة «الردع» تكمن في التلويح به والتهديد باستعماله، وليس في طرحه وتقديمه أمام العلن والعموم بالمجان (كما جدّ اليوم).

مهما يكن الموقف (الشخصي أو السياسي) من الباجي قائد السبسي (الشخص أو الشخصيّة السياسيّة)، يمكن الجزم أنّه يدري ما يفعل ويعي ما يقول، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ كلامه (نظرا لموقعه الرئاسي وقيمة حزبه وماضيه السياسي الطويل) يمثّل جزءا أو هو الجزء الأهمّ من مواقفه السياسيّة، سواء ما يبغي بها الفعل الحقيقي أو المناورة فحسب.

من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّنا نعيش (بكلّ المقاييس) «حريّة اعلام» أفضل ممّا كان الحال قبل عشيّة 14 جانفي، ومن الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ السؤال المطروح لا يخصّ الأفضليّة بين الحالتين، بل ـ وهنا الأهميّة ـ كيفيّة الوصول إلى «حال أفضل» أوّلا وثانيا، تطويع «حريّة الاعلام» وما معها من «ديمقراطيّة» لتكون الحياة «أفضل» على كلّ المستويات…