بين الإرهاب والديمقراطيّة: «الثورة» أم «القطيع»؟؟

10 مارس 2016

الصورة التي التقطها بعض الجنود لأنفسهم مع جثث ارهابيين، تحوّلت إلى «قضيّة الموسم»، بل «النقطة الفارقة» التي وقف عندها الجميع، بين من اعتبرها «عملاً بطوليّا» يأتي من «حقّ الجنود» أو هي من أدوات «رفع المعنويات» (معنويات جميع الأسلاك المشاركة في القتال)، مقابل من رآها وأصّر على أنّها «جريمة حرب»، بل «عدوان على حقوق الانسان»….

هذه الصورة أو هو اللغط والسجال وحتّى «المعارك الكلاميّة» (التي قامت حولها ومن أجلها وبسببها) تختصر، أو هي صلب السؤال الأهمّ والحارق، بل المصيري:

كيف يمكن بل يجب أن نتعامل مع الارهاب من منظور «أخلاقي» وما يتفرّع عن هذا «المصطلح» أو هذا «المفهوم»، مع ضمان أكبر فاعليّة ممكنة في القضاء عليه؟؟؟

 

وزارة الدفاع التونسيّة قدّمت الجواب شافيا، حين قدّمت هؤلاء الجنود الشباب إلى التحقيق، ليكون الاعتراف صريحًا (من القبل الجهة التي تشرف على قيادة الجيش) لأنّ الفعل «غير بطوليّ»، لكنّه (قراءة لسنّ الشباب والحالة السيكولوجيّة زمن الحروب) لا يمكن أن تتحوّل «الفعلة» إلى (تلك) «الجريمة النكراء»…

 

حالة الهيجان التي صاحبت الصورة، لأنّ الصورة مثّلت المشكلة (لدى العديد) وليس الفعل في أصله، تختصر أسئلة عديدة، وتساؤلات عدّة، يمكن اختصارها في ما يلي:

أوّلا: هل يمكن الانتصار على الارهاب حين نتجرّد من «أيّ أخلاق» (كما ينظّر البعض) ويكون التعامل مع «الارهابيين» على أنّهم «ذوات غير بشريّة»؟؟؟

ثانيا: في حال السقوط (أو هو النزول) إلى «مستوى الارهابيين) في التعامل معهم، هل يجوز أن ندعي أنّنا (أي الطرف المقابل) أفضل منهم؟؟؟

 

حين نترك جانبًا «الذوات المشبوهة» أو هي «المريضة» أو حتّى «المعقّدة» على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنادي بمعاملة «الإرهاب» من خلال «الرعب» (ذاته)، يمكن الجزم من خلال مطالعة أداء السياسيين ومن يطلّون على وسائل الإعلام أنّ هناك من هؤلاء من ينادي ليس فقط «بترهيب الإرهاب»، بل بالتخلّي عن أيّ «مرجعيّة حقوقيّة» ومنهم من ذهب إلى اعتبار أيّ «تشبثّ» بهذه المرجعيّة الحقوقيّة، «عائق» أمام «القضاء على الارهاب»؟؟؟؟؟

 

السؤال يتجاوز الأبعاد الفلسفيّة والمضامين الفكريّة، ليكون طرحه على أرض الواقع، بين جندي أو رجل شرطة أو غيره من الأطراف الرسميّة الحاملة للسلاح، في مواجهة أيّ جهة ارهابيّة تحمل سلاحًا وتريد القضاء على الدولة والحلول مكانها.

الأجوبة النظريّة سهلة بل يسيرة، إن لم نقل تستلزم أو هيّ ممّا يعشق البعض ممارسته، لكنّ السؤال الأهمّ، يخصّ:

كيفية جعل جميع المؤسسات الحاملة للسلاح في مواجهة الإرهاب تجمع بين ما يراهم هذا وذاك من الأشياء المتناقضة:

أوّلا: القضاء على الارهاب وتحييد كلّ فرد يحمل السلاح، سواء بقتله أو القاء القبض عليه

ثانيا: احترام «البعد الأخلاقي» في تعامل «الدولة» مع «الخارجين على القانون»، خاصّة وأنّ الإرهاب أفظع من جميع الجرائم الأخرى، حين يأتي حاملا للسلاح، معتمدًا القتل والتدمير، وأخطر من ذلك يريد القضاء على الدولة والحلول مكانها.

 

لا يمكن للمؤسّسة العسكريّة والمؤسّسات الأمنيّة وكامل الأطراف الحاملة للسلاح ضمن منظومة الدولة أن تؤسّس لفكر (بمفهوم الممارسة) خارج المناخ العام في البلاد، أو الأخطر من ذلك في تناقض مع هذا المناخ العام، حين يأتي الجندي (مهما كانت الرتبة) وكذلك رجل الأمن، مواطنًا في الأساس، يتأثّر بمناخات البلد وما تطلقه وسائل الإعلام من حملات، سواء في هذا الاتجاه أو ذاك، ومن ثمّة تأتي مهمّة وزارة الدفاع ووزارة الداخليّة أساسًا، يسيرة أو عسيرة، بحساب (هذا) «المناخ (العام) في البلاد»…

 

يمكن الجزم أنّ (هذا) المناخ العام في البلاد، يأتي أقرب إلى «منطق الغريزة» من «التشبّث بالمعايير الأخلاقيّة» حين نرى المزايدة» في الذهاب نحو الأقصى، سواء حين يطالب رجل السياسة بمعامل «الإرهابيين» في صورة الحيوانات، أو يعتبر (ذاك) «الخبير الأمني» أنّ من أسباب فشل أيّ محاولة للقضاء على الارهاب ذاك «التشبّث» بمنظومة «حقوق الانسان»….

البقاء في دائرة النقاش الفلسفي عاجز عن تقديم الإجابة، بل وجب النظر إلى تجارب الدول الأخرى، التي استطاعت (دون بلوغ الكمال) أن تؤسّس لمنظومات أمنيّة وعسكريّة فاعلة وفعّالة، في احترام دقيق وصارم بل كامل لمنظومة حقوق الانسان.

 

قامت في تونس «ثورة» (أو ما نصفه بهذا اللفظ)، ومن أبسط «دلائل» (هذه) «الثورة» أن تمتّع الجميع بالحقوق وأن تلزم الجميع بالواجبات، ضمن روح من التضامن الوطني والاحترام المتبادل، بل تقاسم المشاق وكذلك تقاسم المنافع.

من ذلك تأتي الثورة وتتأسّس في صورة «المشروع الأخلاقي» أوّلا وأساسًا، لأنّ النزاع مع الطغيان لم يكن حول السلطة ذاتها، بل حول وجوب أن تكون الأخلاق هي المرجع والأساس في التأسيس للسلطة.

 

الخلاصة:

أوّلا: لا يختلف الارهابي عمّن يريد أن يكون التعامل مع الارهاب من خارج «أخلاق الدولة»، بل ارهاب (هو الأخر) من يشرّع للنزول إلى الحضيض الأخلاقي في مواجهة الإرهاب.

ثانيا: الانتصار على الارهاب، يكون بالقضاء المادي عليه أوّلا وثانيا والأساس أن يتمّ هذا القضاء من خلال أدوات الدولة وباعتماد أخلاق الدولة.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي