اتّحاد الشغل والعمق الإخواني: عار يسلب ميّتًا…

1 أغسطس 2017

في حين يقبّل رئيس حركة النهضة ومرشدها «شريكه» رئيس الجمهوريّة التونسيّة ومؤسّس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، في حبّ شديد وحفاوة بالغة، لا يزال السواد الأعظم من عمق الحركة يعتبر «شريك التوافق» (أيّ الباجي) ممّن «يعادون النهضة/الثورة»، أنّ حركته (أيّ النداء) حزب «معاد للثورة». كذلك يبالغ العمق «الإسلامي» في تونس و«الإخواني» منه على وجه الخصوص، في التنديد بل و«فضح» زيارة وفد من اتّحاد الشغل إلى سورية ومقابلة رئيس البلد بشّار الأسد، في حين أنّ القيادات «الإسلاميّة/الإخوانيّة» سواء في تونس أو خارجها، تعاملت بلامبالاة شديدة مع الحدث، ولم يصدر إلى حدّ كتابة هذه الأسطر بيانًا «يأسف» [وهي أخفّ درجات الرفض] لهذه الزيارة.

ليس المسألة أو المصيبة في المباركة أو التنديد، بل في حال «الانفصام» الهائل والمريع، إن لم نقل الخطير الذي تعيشه «الذات الإخوانيّة»، سواء في تونس أو خارجها: لا هي قادرة (في تونس، والمقصود حركة النهضة) على «ضرب الطاولة» في عنف تنديدًا بالزيارة وبأصحابها، وكذلك ليس من مصلحتها الصمت الذي يؤدّي (وإن كان في بطء شديد) إلى حال من «القطيعة» بين قيادة تمارس أقصى درجات الماكيافيليّة، مقابل عمق شعبي/إخواني لا يزال في غالبيّته العظمى، يؤمن بما هي «الحاكميّة» [ضمن المعنى القطبي] ومن ثمة وجوب السعي (بمعنى الواجب الشرعي) من أجل «التمكين» الذي كان في سورية أقرب من شربة ماء، وفي مصر ذلك الصرح الذي هوى…

 

فقط وحصرًا ودون استثناء، مارست «القواعد» أقسى درجات التفريج عن الكبت، وبالغت في التنديد، بين من ردّ الأمر إلى بعد «أخلاقي» في حين راح «كثيرون» يعتبرون «الإتّحاد لم يعد يمثلهم». أخرون قالوا بوجوب أن تدور عريضة تُطالب بسحب جائزة نوبل من الاتحاد، وهم لا يعلمون أو لا يدركون، أنّ النهضة (أيّ القيادة) أوّل من سيصفع أصحاب هذه المبادرة، لرغبة (الشيخ) راشد الغنوشي في استتباب «السلم السياسيّة» عمومًا بينه وبين الاتّحاد، وليقين قيادة النهضة، أنّ زمن «حروب الفرسان» [وإن كان من أجل سوريّة] ولّى وانقضى، حين لم تفتح الحركة معارك من أجل قضايا أهمّ بكثير…

 

على الضفّة الأخرى، زيارة وفد الاتّحاد العام التونسي للشغل إلى العاصمة السوريّة ومقابلة الرئيس السوري بشّار الأسد، ومباركة شخصه ونظامه وسياسته، لم يكن «قرارًا اعتباطيّا» ولم يأت من «باب الصدفة». هو قرار مدروس، سواء على مستوى التوازنات داخل الاتّحاد [بين العائلات الأيديولوجيّ القائمة أو النافذة ضمنه] أو الحراك [بل هو العراك] السياسي داخل البلد، مرورًا بالمتغيرات الاقليميّة، وصولا إلى التوازنات الدوليّة…

بدأت بعض الأصوات القريبة من اللوبيات الصهيونيّة في الغرب تتناول الزيارة من باب أنّ (هذا) الاتحاد، صاحب الزيارة إلى دمشق، هو ذاته الحاصل [ضمن رباعي الحوار] على «جائزة نوبل للسلام»، في لهجة أقرب إلى اللوم والتقرير من التوصيف أو التقرير الصحفي المجرّد.

 

من ثمّة يمكن الجزم أنّ ما أزعج هذه اللوبيات لم تكن «الزيارة» (في ذاتها)، بل الحديث أو التذكير إن لم يكن دعم «معاداة الصهيونيّة». ما كانت هذه الزيارة لتثير هذه الضجّة في حال اكتفى بوعلي المباركي [رئيس الوفد] بما اعتادت عديد الوفود من «كلام انشائي» عن «مقاومة الإرهاب» وما هو الغمز المطلوب (غربيا) في قناة الاخوان على اعتبارهم (عن حقّ وجدارة) شركاء في الحرب المعلنة على نظام دمشق. مسموح لبوعلي المباركي أن يجيّر الصراع في سورية لفائدة صراعه «الأيديولوجي» في تونس. تلك حصرًا الخطوط الحمراء، التي يعتبر الغرب تجاوزها محرّمًا…

 

كما دفع محمّد المنصف المرزوقي ثمن محاولة (كانت فاشلة مسبّقا) لكسر الحصار عن غزّة، حين صار الطيف الأكبر والغالب من الشخصيات الفاعلة في الفضاء الغربي، ليس فقط لا تطلبه ولا تتصل يه، بل ترفض الردّ على مكالماته واتصالاته، لا يمكن بل يستحيل للعقل الغربي (صاحب القرار) أن يرى في اتّحاد الشغل ذلك «الشريك» المعترف بدوره في رسم السياسات الداخليّة في تونس، ممّا جعله ينال «جائزة نوبل»، وكذلك يراه من أرسل وفدًا إلى دمشق يبارك «المقاومة»…

نقف فعلا وحقيقة أمام حالتين من الانفصام الواضح والجليّ، رغبة في مسك المتناقضات وسعي إلى تحصيل الأضداد. عمق اخواني يريد الظهور في رداء «الديمقراطيّة» ومواصلة «الحرب» ضدّ النظام في سورية، ضمن شقّ داخل «جبهة النصرة»، في حين يريد الاتحاد (أو القيادة التي قرّرت الزيارة) أن تجمع الجائزة أو هو الاعتراف الدولي، بما هي الرغبة العقائديّة في «مناصرة المقاومة»…

 

العمق الإخواني الذي يعتبر أنّ وفد الاتحاد ناصر «السفّاح» بشّار الأسد، لا يدري أو هو (في حال من الانفصام المرضي) لا يرى عين اليقين أنّ إيران (الصفويّة في معجم الإخوان) هي (في الآن ذاته) «نصيرة بشّار» (السفّاح)، وكذلك (وهنا مربط خيول الدنيا) من أنقذت قطر من السقوط بفعل الحصار، ممّا يعني أنّ القيادات الإخوانيّة/القطريّة تعدّل/تفاوض وتلاعب من هم في قاموس العمق الإخواني صفويين/نصيريين…

 

الإخوان كما اتّحاد الشغل، سيدفع ثمن هذا «التراوح» بين النقيضين. الغرب لا يمنع أيّا كان من معاداته، بل شريطة أن تكون المعاداة وتتمّ «الحرب» وفق القواعد التي سطرها هذا «الغرب» بل يريدها إن لم نقل يستفيد منها… على الاخوان أن يفتحوا أعينهم على حدّة التناقض المتزايد والخطير بين القيادات من جهة والعمق الشعبي… كما على الاتّحاد العام التونسي للشغل أن يفهم أنّ زيارة دمشق قسمت ظهر «الشريك» الذي سعى من أجله العبّاسي طويلا وعمل من خلاله على اسقاط حكومة «الترويكا» التي يأتي إخوان (تونس) الشريك الفاعل فيها…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي