الاسلاميون بين حرقة السجن ولوثة الايديولوجيا: سمير ساسي أنموذجًا…

5 مارس 2016

وجب من الباب الأمانة الأخلاقيّة وواجب الحقّ تجاه التاريخ أو هو الواقع في بعده المجرّد الاعتراف للصديق والزميل سمير ساسي بخصلتين يندر وجودهما، بل أعتبرها من بقيّة ما تبقّى في الساحة التونسيّة:

أوّلا: التضحية من أجل الوطن، أبعد وأوسع وأعمق من «الانتماء الإيماني» الضيّق، أي الانتساب السياسي، حين عانى الرجل ويلات السجن، من باب «حبّ الوطن» (المجرّد) وليس وفق «نظريّة التمكين» (الضيّقة)…

ثانيا: قدرة الرجل على التجرّد والفصل بين «الهويّة الإيمانيّة» من ناحية مقابل «الأمانة الأخلاقيّة» حيث سمعته عديد المرّات ينقد «أمثاله» من الاسلاميين نقدًا لاذعًا في مقابل اعطاء عديد اليساريين حقّهم عبر شهادات تنقل واقعًا عاشه وليس قراءات أو تحاليل.

téléchargement2هذه «الهويّة الأخلاقيّة» أكثر منها (ذلك) «التصرّف البشري» (العادي) جعلت سمير ساسي وجملة من المثقفين الاسلاميين (مثل محسن المزليني كذلك) على حواشي «الإسلام السياسي» حين يصعب تصنيفهم بل يستحيل ذلك، على اعتبار أنّ «حركة النهضة» (الجزء الغالب والمسيطر على الساحة الاسلاميّة في تونس) لا تعتبرهم «أعداء» (بالكامل)، لكن (وهنا المصيبة) لا ترى فيهم «أبناء المشروع» (من الداخل) سواء لقدرة سمير ساسي ومن معه على «التفكير» خارج منطق «الولاء والبراء» (للشيخ ومن معه) وثانيا (وهنا الأخطر) لما يحمل الرجل من امكانيات علميّة وقدرة مهنيّة، تجعله ينافس «كبارات النهضة»، ممّا يجعل هؤلاء يخافون بل يعيشون «رعب فقدان الكراسي» وهُمْ أقل منه علمًا ونضالا ومهنيّة ومعرفة بأبجديات العمل الاعلامي والتعامل في مجال الصحافة على وجه الخصوص…

 

هذه «الاستقلاليّة» المهنيّة وهذه «الأمانة» الأخلاقيّة، جعلت من سمير ساسي، الرجل والمثال والأنموذج، لكنّها غابت عند التعاطي مع «مخرجات» مجلس وزراء الداخليّة العرب، حيث جاءت الايدولوجيا تنضح أيّ أنّها (أيّ الايدولوجيا) تفوز وتذهب أبعد من الحدّ الأخلاقي (المعتاد) أو القدرة المهنيّة (الثابتة والمعروفة).

حدّد سمير ساسي المشهد (أيّ البيان ومخرجاته) في صورة «مباراة كرة قدم» والكلام له والتوصيف منه، انتهت أو بمجرّد الانتهاء من تلاوة «البيان» وما تجاوز (والكلام له والتوصيف منه) لا يعدو أن يكون سوى «محاولة تسجيل هدف عند اعادة بث المقابلة» (الكلام له)…

حصر نتائج البيان في صورة مقابلة كرة قدم، وتفصيل هذا المشهد العربي القميء أخلاقيًا والسيئ سياسيّا والمبتذل ثقافة، فيه تجريد لا يليق بشخص سمير ساسي ولا بماضيه النضالي غير القابل للنقاش أو بحاضره المهني الذي يمكن الجزم أنه من أفضل ما هو قائم في البلاد.

لا يأتي العيب (لأنّ في الأمر عيب مهني وخطيئة أخلاقيّة) الذي لا يمكن السكوت عنهما، في ما قاله زميلنا العزيز، لأنّ اختيار زاوية الرؤية يأتي من الحريات الشخصيّة، بل (وهنا الأخطر) في تقنية «التعمية» أيّ اخفاء «الحقّ» بما هو «حقّ»…

كيف ذلك، لمن لا يفقه حيل أهل الإعلام وألاعيبهم؟؟؟

 

فات سمير ساسي من باب الأمانة الأخلاقيّة، أن يوسّع دائرة «الرؤية» (أيّ المقابلة من وجهة نظر التشبيه المعتمد من قبله) ليشمل «البيان» (ذاته) قبل «مخرجات البيان»، خاصّة وأنّ سمير ساسي «فرض» بل «ألزم» ما يمكن الجزم أنّها «صرامة» أخلاقيّة (قاطعة)، تأسّست على قاعدتي «الزمن» (أي انتهاء فترة المقابلة) وكذلك «المبادرة» (التشبيه بتسجيل هدف)…

عند توسيع دائرة الرؤية (دائمًا من باب الصرامة الأخلاقيّة والتدقيق الاجرائي المعتمد من قبل صديقنا) يحقّ لنا أن نسأل (من باب الأخلاق دائمًا) عن «البيان» ذاته، ونوسّع «الصرامة ذاتها» لتشمل «المطبخ» الذي «دبّر البيان بليل»، إنّ كان مشمولا بهذا «الحسم الأخلاقي» لأنّ البيان (في ذاته) يأتي أخطر بكثير من «مخرجات البيان» التي أقام من أجلها سمير ساسي «قياسًا أخلاقيّا» شديد الصرامة، بل يمكن الجزم أنّه دون رحمة…

 

السعوديّة المسؤولة الأولى وفي المقام«الأرفع» عن «مهزلة» البيان، وهذه «المهزلة» أخلاقيّة (ضمن المعنى) الكامل للكلمة، لا يمكن (ضمن معنى الجزم) إلاّ أن تكون ضمن رؤية الزميل، حين لا تمثّل «جريمة الهدف والمباراة» شيئا أمام «جريمة الخيانة» أي «مفاجأة» الحاضرين بما صدم الجميع أو الأغلب.

 

كان أولى على الزميل الحديث عن «المعادلة» (بكاملها) وهو من عرّف الحقّ بالحقّ زمن بن علي دون خوف من عصاه الغليظة ودون طمع في دنانيره السائلة، أي يقول كلمة حقّ وشهادة صدق، تشمل «المعادلة بكاملها»، أيّ البيان ومخرجات البيان والتعامل (العربي) مع البيان، وليس (وهنا الخطأ الأخلاقي الفادح) أن تتمّ التجزئة والتعامل مع «أنصاف الحقائق»…

 

وجب الجزم أنّ المعادلة أوسع من سمير ساسي وأعمق من «حادثة البيان»، لتجمل الطيف السياسي برمتّه الذي وإن كان بعضه (زمن بن علي) لا يخاف في الحقّ لومة لائم، صار بعد 14 جانفي «يحسب» (بالمعنى الدارج)، بل يعمد إلى ما كان يعمد له زبانيّة بن علي في مجال الاعلام (وهنا المصيبة) من تعمية وتقطيع وتجزئة، وجميعها تقنيات يدركها أهل الاعلام ويعلمون مدى استعمالها.

لا فرق بين زبانيّة بن علي (في مجال الاعلام) الذين مكّنوه من البقاء بل يمكن الجزم أنّهم جزء من جرائمه، من جهة وبين من «يلعب لعبة الغميضة» مع «ضميره» (أحيانًا)، أيّ أن يجعل من «ملك السعوديّة» صديقًا للثورة التونسيّة، في اصطفاف مفضوح ووقوف مخجل.

 

عندما لا تحمل «الثورة» أو من يدّعون ملكيّة حقّ «التصنيف الثوري»، أفضليّة أخلاقيّة، يصيرون دون القدرة على أمرين:

أوّلا: ممارسة هذا «التصنيف الثوري» الذي تحوّل إلى سيف مسلّط على الرقاب، وكذلك «تهمة جاهزة»،

ثانيا: لا فوارق بينهم وبين نظام بن علي، الذي مارس ما يمارسون، أو هم يمارسون ما مارس….

 

في الملخّص:

أوّلا: لا يمكن أن يكون الماضي النضالي (مهما كان) شفيعًا لهفوات الحاضر وقد جعل البعض لأنفسهم عصمة أو هي حصانة في الدنيا ومكرمة في الأخرة.

ثانيا: انظمة الخليج استطاعت أن تلوّث المجال الصحفي التونسي وتجعل من عصاة الأمس، طاعة اليوم، وإن كان تحت لافتة الولاء الأيديولوجي والوقوف السياسي من أجل «المشروع»…


30 تعليقات

  1. عبدالكريم الراجحي

    أنصفت الرجل و نصفته (قسمته )

  1. تعقيبات: cheap birkenstock sale

  2. تعقيبات: ugg emu boots

  3. تعقيبات: hermes belt for sale

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي