الباجي بين التوافق مع «الاخوانجيّة» ومع «السواحليّة»: من الشوك ومن النار؟؟؟؟

4 أكتوبر 2017

المتابع لزيارة الرئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي إلى منطقة الساحل، يجد دون الحاجة إلى كثير من التدقيق، أنّ «أهل البيت الساحلي»، يريدون في ما يشبه الهوس المرضي أن يُلبسوا الرجل جبّة «بن علي»، أي الرجوع بالزمن إلى الوراء، في نمط علاقات، قوامها «الولاء والبراء» وفق القواعد التي أرسى قواعدها «المجاهد الأكبر» سنة 1955.

قطيعة مقصودة مع الديمقراطيّة، يمارسها «الطرف الساحلي» الذي فعل أقصى ما أمكنه ليوصل إلى الباجي رسالة مزدوجة أو هو أمر بين «خيارين»:

أوّلا: إمّا «توافق» بمعنى «هدنة» طويلة الأمد، بين «السواحليّة» أو على الأقل الطرف منهم الذي رحّب بالزيارة وأعدّ لها، قد (ونقول قد) تتحوّل إلى «شراكة»، في علاقة بما هو موعد 2019، وكذلك، تقاسم النفوذ والسلطة وكذلك (وهذا الأهمّ) تفادي ضربات «مقاومة الفساد»، حين تحوّلت هذه «الحرب» إلى «الأداة المثلى» لإعادة ترتيب المشهد السياسي وفرز نخبه.

ثانيا: مواصلة وضع «لا حرب ـ لا سلم» القائمة راهنًا، مع ما هي «حرب الاستنزاف» القائمة، سواء عبر «الحرب على الفساد» أو كذلك «الحرب عبر وسائل الإعلام» بين الطرفين التي لم تنقطع أبدًا….

الساحة السياسيّة على مستوى الفعل وردّ الفعل، أشبه ما يكون بشاطئ عراة، حين ينكشف الجميع على الجميع، دون القدرة، لا على النفخ في القدرات أو الحطّ من قدرة الخصم، فقط (وهنا الأهميّة الاستراتيجية)، هناك تناقضات على مستوى المقاربات المعتمدة، خاصّة بين النهضة والبقيّة، وكذلك داخل الصفّ الواقف ضدّها، دون أن ننسى (وهنا أهميّة ثانية) مدى قدرة كلّ طرف ليس فقط على «ضبط القواعد»، بل عدم تحوّل «حليف اليوم» إلى «ألدّ أعداء الغدّ»…

من نوافل القول، وما لا حاجة للتذكير به (على الأقل الفاعلين الأوائل في المشهد السياسي) أنّ الباجي قائد السبسي، لم يعد ذاته، عندما فاز النداء بلقب «الكتلة البرلمانيّة الأكبر»، وفاز الباجي بعرش قرطاج، ليتأكّد للجميع كذلك (وهذا الأخطر) باستحالة «عود الشيخ (أي النداء) إلى صباه»، وكذلك الباجي إلى (ذات) مجد أصبح لدى شقّ من الندائيين حاضرًا وماضيا، أشبه بالحضارات الغابرة.

الذي يراقب الباجي منذ أن تشقّق النداء، يلاحظ دون أدنى جهد، أنّ ما يزعجه ليس قوّة هذا الحزب أو ذاك (فقط)، بل قيام تحالفات سواء جاءت «غامضة الهوى»، أو هي تقصده بالاسم والصفة والموضوع…

لذلك، يريد الباجي أن يكون ما يسمّى في لهجة تونس «بيت الوسط»، أو هو «رأس الهرم»، مع ضمان أمرين:

أوّلا: أن يكون هو «الضامن» لما هي «العلاقات» بين «الطوائف» (السياسية) القائمة في البلاد، سواء جاءت الانقسامات سياسيّة أو أيديولوجيّة، أو حتّى الجهويّة والفئويّة،

ثانيا: الارتقاء فوق الجميع، على قاعدة «التحويرات الدستوريّة» القادمة، بتحويل البلاد من «نظام برلماني» شكلا، مع تعسّف من الشكل الرئاسي، إلى «نظام رئاسي» صريح ومعلن، يجعل الباجي، كما لمّحت له زيارته للساحل «زعيمًا أكبر»، أي «بن علي» جديد، سواء على مستوى «الشعارات المرفوعة» أو حتّى «المناشدة المعلنة» لانتخابات 2019.

basciيعلم الباجي جيّدًا أنه أمام هذا المشهد المتناقض (جزئيا) معه، والمتناقض (جزئيّا كذلك) مع بعضه البعض، وكذلك (وهنا يبرز دهاء الباجي) يعلم أنّ من أمامه ليس من طينة واحدة، بل هم أمامه ومعه ومن ورائه، يحملون من التناقضات البنيويّة والشكليّة، ما يجعل المشهد في غليان دائم.

على مستوى الفرز العام للمشهد، يحتاج الباجي إلى إبراز قوّته، من خلال تحديد «شكل العلاقة» أسوة بما هو «التوافق» مع النهضة، وكذلك من تحديد لما هي «الدونيّة» عندما قزّم الجبهة ونعت الناطق الرسمي باسمه حمّه الهمّامي بتهمة «الفسق»، وكذلك ها هو يفتح «باب التوبة» مثلما يفعل اليوم أمام «السواحليّة» الذي ناصبوه «العداء» أو هم (في أقصى درجات التخفيف) لم يظهروا في الماضي ما يجب من «علامات الولاء». لكن، ها هم يستدركون ما فاتهم من «الفرائض» تجاه «ذاته العليّة»، بل يرفقون «الأصل من الخلاص» بما فاض من عبارات الودّ المبالغ فيه….

ما حفظ الباجي وعمل به هذا الداهية طوال حياته، حفظه «السواحليّة» وعملوا به، سواء تحت بورقيبة وكذلك بن علي، أيّ فعل «ودّ» (في ظاهره) يستبطن عرض «قوّة» (في باطنه)، لذلك لن يتّكل الباجي على «التوافق» مع السواحليّة البتّة، أو هو من باب الدقّة، يأمن إلى شريك «التوافق» (الاخوانجي) أكثر بكثير، عندما يعلم أنّ النهضة لن تمرّ الأولى إلى «الخديعة» المفتوحة على جميع الاحتمالات، على الأقل ليس في الأمد القريب والمتوسّط، في حين غدر السواحليّة مرتين بالرئيس (ابنهم)، مرّة عندما باركوا صعود بن علي وسقوط بورقيبة، ومرّة عندما غدروا بصانع التغيير وكانوا معولا عليه بعد أن كانوا سيفًا في يده..

هي لعبة وقت وسباق ضدّ الزمن، على الأقلّ إلى حدود رئاسيات 2019، فتحها رسميا «السواحلية» اليوم من خلال «مناشدة» (بظاهر اللسان) لكنّها تعني وتفيد وتؤكّد أن «رئيس تونس» (القادم) هم شركاء في «صناعته»، ومن ثمّة على الباجي (وغير الباجي) أن «يحجّ» إلى شاطئ بوجعفر، في حال أراد الترشّح وضمان الفوز.

نقطة الاشتراك بين كلّ من «السواحليّة» والنهضة أنّهما يريدان ربح الوقت، بغية تقوية الصفوف، وإن كانت رؤية النهضة أبعد مدى وأكثر استراتيجية لوجود قيادة واضحة وعقيدة قائمة، ومن ثمّة «مشروع» سياسي، في حين أنّ «هاجس» السواحليّة، لا يتعدّى «استرداد الملك» في أقرب مناسبة وبكلّ الوسائل، بما فيها مناشدة الباجي (سليل «البلديّة»)، ومعاملته في ما يشبه «المسرحيّة الهزليّة…

خلاصة:

لعبة السياسة في تونس، أشبه بلعبة الورق في المقاهي الشعبيّة، هناك من يتّكل على ما بين يديه من «ورق»، وهناك من يمارس أقصى درجات المراقبة لتغيّر الأوراق عند المنافسين، وهناك من يتظاهر بالقوّة والجبروت ويستطيع إيهام الجميع، بأنّه «الفائز» بأمر الله تعالى…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي