السبسي يستقبل عبد الوهاب عبد الله: بصق في وجه الصحفيين.

19 مايو 2016

قد يختار المرء كلامه أو هو بالفعل يفعل ذلك، أو ربّما ينتقي بين أفكاره، لكن لا يستطيع أن يمحو ذاكرته، خاصّة الذاكرة الأليمة، التي طبعها الألم وسجلها الحزن أو هو اقترن بها.

صورة عبد الوهاب عبد الله في قصر قرطاج، تأتي مؤلمة بالنسبة للسواد الأعظم من الصحفيين، حين مارس هذا الرجل ساديّة مرضيّة (دون مبالغة) في معالجة وضع الإعلام زمن بن علي، وتكفّل ليس فقط بإذلال الصحفيين وإهانة عائلاتهم، بل (وهنا الأخطر) دمّر القطاع برمّته، حين استثنى الكفاءات بل شرّدها، وفي الآن ذاته وضع من لا يملكون أدنى كفاءة على رأس المؤسّسات الإعلاميّة. ناهيك أنّ صحفي صغير سارق لمقال من يوميّة «القدس العربي»، افتضح أمره وصار وصمة عار، جعل منه عبد الوهاب عبد الله، فجأة وفي قفز على المواثيق والأعراف، رئيس تحرير لمؤسّسة إعلاميّة من القطاع العام، ليعلم الصحفيون أنّ صعود السلّم يكون من خلال التذلّل للقصر وله (أي عبد الوهاب عبد الله) وليس من خلال الجهد القائم على الكفاءة…

 

من العار أن تكون دعوة «دكتاتور الإعلام» من قبل «رئيس» دخل قصر قرطاج بفعل الصندوق ووفق آليات الديمقراطيّة التي جاءت بها «ثورة» تعترف بها هذه الدولة وتعتبرها (وفق الدستور) «مكسبًا هامّا»….

هذه الدعوة هي بالجزم واليقين، صفعة على وجه الشهداء والجرحى ومن خرجوا للشارع بين 17 ديسمبر و14 جانفي ينشدون وضعًا أفضل.

 

عبد الوهاب عبد الله، دمّر القطاع، وفوق ذلك لم يكلّف نفسه عناء «طلب العفو» من الشعب عامّة وعموم الصحفييّن خاصّة، وعلى وجه الأخص ممّن مارس عليهم عنفه المرضي وانتقامه البطيء جدّا والمؤلم جدّا…

 

يمكن الجزم دون أدنى شكّ، أنّ الرجل شكّل أحد القواعد الذي قام عليها نظام بن علي، ومن ثمّة تأتي مسؤوليته «الأخلاقية» في الأساس، قبل الحديث عن أيّ «محاسبة أخرى»… هي ذاتها المسؤوليّة (في بعدها الأخلاقي) التي تتحملها «رئاسة الجمهوريّة» حين دعت الرجل، وهي تعلم من يكون وماذا فعل وماذا دبّر، وتعلم أكثر من ذلك ما تمثّل هذه الدعوة بالنسبة لعموم الصحفيين.

عبد الوهاب عبد الله ذاته، يرتكب جرمًا «أخلاقيّا» فظيعا يفوق ما ارتكب زمن بن علي، حين يدخل قصر قرطاج وهو يعلم بل يدري، أنّه لم يكلّف نفسه عناء النطق «شفاهيا» بكلمات اعتذار (مهما كانت).

 

مؤسّسة الرئاسة ليست وحدها المسؤولة عن هذا الجرم أو هذه الجريمة، بل كذلك كلّ الحضور، ممّن يرون في أنفسهم أو قدّموا ذواتهم من خلال «بعد ثوري» أو هكذا زعموا…

 

رفيق عبد السلام حين قبل الدعوة وحين شاهد هذا المجرم في حقّ الوطن والإعلام، أصبح شريكًا فعليا في الجريمة، لأنّ الرجولة (في شمال البلاد كما في وسطها وكما في جنوبها) تتلخّص في «موقف عزّ»، تنتفي في حال انعدام الالتزام بها.

أنصار «التوافق» الذين يصدّعون آذاننا صبحة وأصيلا، بموّال «العفو والتجاوز» وغيرها من النوايا المنقوصة، يأتي جميعهم بين غباء قاتل وجريمة بينة، حين لم يكلفهم أحد بالعفو نيابة عنه، علمًا وأنّ هذا الحقّ فردي، وثانيا والأهمّ: كيف يستبطنون العفو والسماح والمغفرة، لمن لم يكلّف نفسه لحظة أو هو فكّر في نطق «اعتذار» في أيّ صورة كانت، بل ذهب الدكتور حامد القروي (الوزير الأوّل لبن علي لسنوات طويلة وأحد أباطرة التجمّع النافذين)، حدّ القول أنّ «ما بنته دولتهم في 55 سنة أهدره القوم في 5 سنوات»…

awabأخطر من «كبرياء الضحيّة» مقابل «عنجهيّة الفاسد»، وما هو واجب على الدولة التي قامت وفق ديمقراطيّة جاءت بها «الثورة»، أخطر من كلّ هذا، أنّ «حالة الاحتقان» التي تعيشها البلاد، تتغذّى من حال «الانفصام» هذا، حين لا يمكن للقارئ البسيط والعادي، في الجزم وفق قواعد التحليل البسيطة، سوى أنّ «ثورة الياسمين» عجزت عن توفير «الكرامة» التي تمّ اهدارها عديد المرّات، وعجزت عن التأسيس لاقتصاد قويّ يوفّر الشغل للعاطلين الذين حسبوا الثورة نورًا في ظلام دامس، وعجزت (وهنا الخطر) عن «التأسيس» لما هو المطلب الشامل للعمق الشعبي: أي «فرحة الحياة»…

 

مرارة الصحفيين وهم يشاهدون صورة عبد الوهاب عبد الله في قصر قرطاج، تنضاف إلى عشرات الصور الأخرى التي أسّست (مباشرة أو غير مباشرة) لنوع من «الحصانة» (بأشكال عدّة) أمام القانون، ممّا دفع العديد من «المجرمين» في حقّ الشعب إلى المطالبة بمحاسبة كامل المنظومة التي كانت سببًا في سقوطهم…

 

المسألة أبعد من النوايا (مهما كانت) وأعمق من «بوس خوك» وأخطر (ألف مرّة) مما يتصوّر الجميع. المسألة (بشهادة أرقام الانتخابات الفارطة) تعني قطيعة متزايدة بين طبقة سياسيّة غبيّة وقصيرة النظر، وعمق شعبي بلغ به الكفر أشدّه بهذه الطبقة برمتّها…

الشرخ المتزايد بين طبقة الشباب (18 – 30)، من جهة في مواجهة «الطبقة السياسيّة» تتجاوز ولا تعطي أهميّة لتفاصيل «صراع الديكة» بين «الممثلين» على «المسرح السياسي». حزب النهضة مثلا، وما يملكه من عمق شعبي أكيد وغير قابل للشكّ، نسبة كبيرة ومتزايدة من شبابه يقصد الحركة من باب الولاء «الأسري»، أي يقصد النهضة أسوة بقريب، ومن باب العصبيّة الأسريّة، وليس ثقة في هذا الحزب…

 

لعبة «الشيخين» من توافق باريس الذي أسّس لمشروع «طاح الكاف على ظلّه» (أي تجاوز الماضي بما فيه)، تأتي تجاوزًا (أخلاقيّا) أو ابتزاز بالسياسة لما هو حقّ فردي غير قابل للتأويل، حين تشترط القدرة الالهيّة عفو صاحب الأمر بخصوص «المعاملات» ويبقى للذات الإلهية مسألة العبادات….

 

الباجي والغنوشي، تجاوزا محرّما دينيا، حين قرّرا أو هما يبحثان عن «إخراج» (مسرحي) لجرائم النظام السابق، حين تأتي الجريمة مزدوجة، حيث لا قدرة لهما على نيابة صاحب الحقّ، وثانيا (وهذا الأخطر) يؤسّسان لثورة قادمة، سيقدم عليها شباب لن يُلدغ من الجحر ذاته أكثر من مرّة…


3 تعليقات

  1. لست اعلم لما تستلهم ثورة اخرى . ثورة من مجال اختصاص ذاتي.. ربما لان له مساس موضوعي لدى عامة الشعب .. والعامة استحلت و استعذبت نهش حاجياتها بحاجيات اولاد بن عبد الله .. ..فمع الاسف لا توجد في بلادنا تقاليد اعلامية و صحفية تكون بمثابة السلطة المؤثرة ضد فساد الدولة و النظام ….ولنا المثال بالسقوط اثر هروب المخلوع لان الحقيقة ظهرت عندما لم نجد اعلاما ينظر للثورة و طهرها ..او في ابسط الحالات ينقل ما يجب ان يكون جيدا للثورة ..فعندما نزرع بذرة في شتاء النظام القديم لابد ان نقطف في الصيف ثمرة من نفس جينات ما انزرع قبل الثورة ….فالمسالة اذا هي في اعادة تاسيس كل شيء وفق تجديد المشاتل على مانريد …ولنكن واقعيين ..لابد لكل قطاع حيوي في البلاد ان تستبدل مشاتله وفق اسس الثورة المنقوصة ….لانه ايضا ينقصنا الوعي كيف نثور .. وعلى قد كساءك مد ساقيك …و اعتقد ان ثورة منقوصة افضل من لاشيء وافضل من عبدالوهاب عبدالله

  2. لست اعلم لما تستلهم ثورة اخرى . ثورة من مجال اختصاص ذاتي.. ربما لان له مساس موضوعي لدى عامة الشعب .. والعامة استحلت و استعذبت نهش حاجياتها بحاجيات اولاد بن عبد الله .. ..فمع الاسف لا توجد في بلادنا تقاليد اعلامية و صحفية تكون بمثابة السلطة المؤثرة ضد فساد الدولة و النظام ….ولنا المثال بالسقوط اثر هروب المخلوع ولكن الحقيقة ظهرت عندما لم نجد اعلاما ينظر للثورة و طهرها ..او في ابسط الحالات ينقل ما يجب ان يكون جيدا للثورة ..فعندما نزرع بذرة في شتاء النظام القديم لابد ان نقطف في الصيف ثمرة من نفس جينات ما انزرع اثناء الثورة ….فالمسالة اذا هي في اعادة تاسيس كل شيء وفق تجديد المشاتل على مانريد …ولنكن واقعيين ..

  3. فتحي الجلاصي

    “مرارة الصحفيين وهم يشاهدون….” عن أي صحفيين تتحدث؟! أكاد أجزم أن عددهم لا يتجاوز أصابع اليد . إن غياب موقف مبدئي وصريح يتجاوز الأقوال ( لا ينزل تحت سقف المقاطعة، مقاطعة نشاط الرئاسة إلى حين تقديم اعتذار رسمي لأرواح الشهداء ) يؤكد أن الصحافة قد أضاعت نهائيا فرصتها التاريخية لتصبح فعلا سلطة رابعة تقف إلى جانب هذا الشعب المغدور وتتصدى لكل محاولة لإجهاض الحلم حتى وإن صدرت عن رئاسة الجمهورية.
    في كلمة: دعوة عبد الوهاب عبد الله لقصر قرطاج وتغطية الإعلام لها بغض النظر عن بعض عبارت التنديد تؤكد أن الإعلام التونسي الذي فوضه الشعب ليكون خط الدفاع الأخير قد خان الأمانة وباعها بالكسيرة اليابسة.
    ملاحظة: أعلم أن صاحب المقال من الأصوات القليلة المتمسكة بالثوابت ولكن قلة هذه الأصوات دليل آخر على تواطئ الإعلام مع الراعي الرسمي للثورة المضادة الباجي ق.س
    خسارة خسارة خسارة

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي