الغنوشي ـ الأسود: سبارتاكوس ونيرون؟؟؟؟

2 أكتوبر 2016

وجب على الجهات التي تتابع كتابات القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي (وهي كثيرة، أيّ الجهات) الكثير من الجهد، بل الاجتهاد، وربّما التأويل أو حتّى الاسقاط، من أجل استخراج «بعض المعنى» القادر على جعل المتلقّي «يفهم» شيئا ما.

من جهة يسعى الجلاصي (وهو قيادي من الدرجة الأولى وصاحب عمق جماهيري أكيد داخل هذه الحركة) للقول وأحيانًا التصريح أنّ «كلّ شيء على أحسن ما يرام»، وكذلك (وهذا هو المهمّ) أنّ الأمور «لم تعد كما كانت» أو يجب أن «تتطوّر أكثر»…

 

من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ «مخاض الجلاصي» يدلّ بما لا يدع للشكّ، أنّ ظاهر الأمر ليس (تمامًا) كباطنه، وكذلك (وهذا الأهمّ)، لا يمكن لنتائج المؤتمر الفارط (حين يهمّ الأمر مراكز السلطة) أن تمثّل «عامل استقرار» على مدى الفترة الفاصلة عن المؤتمر القادم، أو بالأحرى (وهذا هو السؤال المحيّر) تمثّل «انقلابًا» (بالمفهوم اللغوي على الأقلّ)، جعلت عبد الحميد الجلاصي (الرصين) يخرج عن صمته…

 

على جبهة أخرى، خرج الاسلامي الحبيب الأسود، بخطاب أو هو مقال على وسائل التواصل الاجتماعي، جاء أشبه بمن يسعى (دون هوادة) لهدم «المعبد» بل يريد أن يسوّي به الأرض، حين طعن «الشيخ» راشد الغنوشي في «أخلاقه»، معتبرًا (والعنوان له) أنّ «راشد الغنوشي لا يحتاج إلى حملة لتشويهه… فقد شوّه نفسه بنفسه».

gannouchilassouedالمقال فيه «رواية أخرى» (أو بالأحرى رواية متناقضة) مع «الرواية الرسميّة» (لحركة النهضة)، لكنّ الأهمّ لا يأتي فقط على مستوى الحقائق المذكورة، سواء من باب تأكيدها بالكامل أو أجزاء منها، أو تكذيبها بالكامل أو أجزاء منها، بل في معركة «الذاكرة» (ومن ثمّة التاريخ) ليكون «النضال) في معناه «الاعتباري» (سواء تأكيدًا أو نفيا) السلاح الحامي من «الحملات» وكذلك «السلاح» القادر على تدمير الخصوم…

 

من الغريب أو هي «الصدفة» أن يأتي خطاب الحبيب الأسود الناري المليء بالتخوين متزامنًا مع تشكيل المكتب السياسي لحركة النهضة وما صاحب دخول «الأغراب» (عن الحركة) من «لغط» سواء داخل الفضاء الاسلامي (العام) أو داخل «حركة النهضة» ذاتها، حين لا يمكن لعاقل أن يتخيّل (خارج طوباويّة «الأنبياء» التي تتظاهر بها قيادات النهضة) أنّ هذه «القيادات» صرخت فرحًا وقفزت في الهواء، وهي ترى «الأغراب» يقفزون فوق «أهل البيت»، بل (وهنا الخطير) فوق سنين من الألم والدموع والسجون والتضحيات الجسيمة…

تداعى الكثيرون يتنادون بالدفاع عن (الشيخ) راشد الغنوشي ويعتبرونه موضوع «حملة» (مقصودة)، حين ذهب عمق النهضة (على صفحات التواصل الاجتماعي) حدّا من العنف (اللفظي) والشتم (الشديد) تجاه الحبيب الأسود، سواء في دفاع عن الشيخ أو في تخوينه…

 

هي معركة من بين عشرات المعارك بل المئات التي عرفتها صفحات التواصل الاجتماعي، سواء بين الأطياف القائمة والطوائف الموجودة، أو داخل هذه الأطياف وبين صفوف هذه الطوائف، حين لا يمكن لأحد أن ينفي عن الحبيب الأسود صيفته «الإسلاميّة» (أوّلا) وكذلك لا أحد ينفي أنّه (زمن الجمر) كان أحد أكبر الفاعلين ثانيا، دون أن ننسى ثالثًا، أنّه أحد أهمّ «الذاكرات» (الحيّة) التي ترفض حركة النهضة فتحها أو بالأحرى جعلها «شفّافة» أمام المؤرخين…

 

مثلما جرت العادة، هناك خلط بين «مصداقيّة» الرجل (أيّ الحبيب الأسود) و«سوء ماضيه» (المفترض بحسب من يعاديه من حركة النهضة)، حين «يمكن» (من باب المنطق) أن يكون كلام الحبيب الأسود عن «الشيخ» راشد الغنوشي صائبًا وأن يكون كلام «ميليشيا النهضة» عن الحبيب الأسود صائبًا هو الأخر.

تفنيد قول «العدوّ» من خلال تفنيد «أخلاقه» سياسة قديمة، بل رائجة، إن لم نقل الوحيدة المعتمدة، ليكون السؤال في فرعين:

أوّلا: إلى متى ستبقى تاريخ النهضة وقياداتها بمنأى عن «أضواء التاريخ» أوّلا وثانيا بمنأى عن الحساسيّات السياسيّة؟؟؟

ثانيا: إلى متى تبقى قيادات النهضة وبالأحرى قائدها راشد الغنوشي «مقدسًا»، حين تردّ «ميليشيا النهضة» عن أيّ «تشكيك» مهما كان هيّنا بالأسلحة الثقيلة، والحال أنّ النهضة ذات أصول (جينيّة) اخوانيّة، ومن ثمّة سنيّة صريحة لا تؤمن بما هي «ولادة الفقيه» أو بما هو أهمّ «عصمة الإمام»؟؟؟

بين عبد الحميد الجلاصي (الذي أسرع للانضباط التنظيمي) والحبيب الأسود (الذي قطع الحبل التنظيمي منذ أمد طويل) خيط رابط وأسئلة مشتركة، عن «مشروعيّة» الفعل السياسي داخل حركة النهضة، التي تجاوزت الأوّل (منذ المؤتمر الفارط) ولفظت الثاني (منذ أمد بعيد)، وقد التقيا أمام مشهد «الدخلاء» الذين مسّوا «كرامة» الأوّل وأيضًا «شرف» الثاني»، حين يمكن الجزم أنّ الجميع (في هذه المعمعة) يسبح (عاريا) داخل «الحمّام الاسلامي»…

 

تحسب النهضة أو غريزة الوجود فيها أنّها حلّت المعضلة، حين ردّت على «المهاجم» بالأسلحة الثقيلة وقد تنادى الجميع إلى «منطق المؤامرة» التي تستبطن (سيكولوجيّا) أنّ «النهضة» سليمة، لا تشكو من شيء، بل هي «طاهرة» في حين يأتي «أعداؤها» أو هم يمثلون «الشرّ» كلّه

 

دون مزاح، تحتاج النهضة (الجسم والقيادة والفكر) إلى الجلوس إلى عالم نفساني، حين ترفض النظر إلى ماضيها والاعتراف به أو حتّى القول بوجوده. هذا الماضي سينفتح أكثر في القريب، وسيجد (من الداخل) عبد الحميد الجلاصي أو غيره شجاعة الكلام وجرأة الافصاح عن الاختلاف، وكذلك سيواصل الحبيب الأسود أو غيره كثيرون فتح «جراح الماضي» المتعفّنة، سواء على مستوى المعلومات المتعلقة أو ذات علاقة بالجوانب «الأمنيّة» أو حتّى الماليّة (أيّ الحسابات السريّة) دون أن ننسى العلاقات مع «أجهزة الاستخبارات العالميّة»….


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي