برهان بسيّس من «الإرهاب الممكن» مقابل «الذلّ المطلوب»…

21 أكتوبر 2016

الذين تابعوا مرور برهان بسيّس على قناة الجزيرة يومين قبل «تهريب» بن علي، في برنامج فيصل القاسم، احتاروا من «صدقه» (المبالغ فيه) في الدفاع عن «نظام ساقط» (بكلّ معاني الكلمة)، كما احتار (بنفس الدرجة أو أكثر) من شاهدوه على شاشة قناة حنّبعل (أمام سمير الوافي) وهو يبدي «الصدق» (ذاته) في ابداء «الندم» (الشديد جدا) حدّ «البكاء» (أو يكاد). ذات المشاهدين يتابعونه وتابعوه في حلّ وترحاله من هذه القناة أو تلك، وهم في اعجاب دائم ودهشة شديدة، أمام «صدق» (الرجل)، أو بالأحرى قدرته (الرائعة) على تمثّل «الصدق» بتلك الدرجة، التي يحتار أمامها أمهر «الممثلين» في العالم.

الحيرة أو هي الدهشة، أو حتّى الصدمة، لا تكمن في «مدى (هذا) الصدق» أو مقدار «العفويّة»، بل في هذا «التناقض» الغريب إن لم يكن «مرضيّا» بين هذا «الذكاء الشديد» وأيضًا «الفطنة المتميزة» سواء على مستوى «قدرة الأداء» أو «جودة التحليل»، وبين ما كان حينها من «سقوط» لنظام بن علي (على قناة «الجزيرة»)، أو عدم قدرته على الإيفاء بوعد مغادرة المشهد «دون رجعة» (على قناة «حنبعل»)، ليأتي الطرح (من باب معرفي حصرًا) حول قدرة الرجل على «استشراف» مستقبله قبل الحديث عن قدرته «قراءة» المشهد، في علاقة (جدليّة) بما قال أنّها «مخاطر» (ارهابيّة) تتهدّد البلاد (في منطقة القصرين)…

 

الساذج والأبله والغبيّ (كذلك) كما الخبير والنابغة وصاحب التجربة (كذلك) لن يصدق ويستحيل أن يصدّق أنّ برهان بسيّس يتحدّث أو هو يعبّر عن «هواجس» (شخصيّة) أملتها «خطورة» الوضع، جاءت بفعل «الحرص» (على الوطن). هؤلاء جميعا (من أقصى الغباء إلى قمّة النبوغ) يؤمن بل هو اليقين أنّ «الرجل»، بصدد «أداء» دور (ما)، ليكون السؤال المعرفي (مرّة أخرى) «عن ماهيّة الدور» وأساسًا «الجهة» (أو الجهات) التي تقف وراء الرجل، كما وقف بن علي ونظامه في السابق؟؟؟

 

عودًا إلى الرجل، يمكن الجزم من باب اليقين، أنّه (أيّ برهان بسيّس) لا يمكن بل هو يرفض (كما رفض) أن يؤدّي دور «البوق» (الغبيّ)، بل هو تقدّم وقدّم نفسه، أو هو تصرّف في علاقة بما كان من «أعداء النظام» أو «أعوانه» في صفة «الدماغ» القادر على «صياغة» السياسة، وأيضًا (وهنا الخطورة) «الصوت» القادر على خدمة النظام، بفاعليّة تفتقدها «أجهزة النظام» الاعلاميّة حينها، ممّا جعله في جزء غير هيّن من دوره ووجوده ضمن منظومة بن علي، يدخل في صراع «وظيفي» مع الجهات الفاعلة الأخرى.

bor1

برهان في لحظة صدق عابر

تضخّم «الأنا» (داخل الرجل) طبيعي بحكم ما يحمل من «نرجسيّة» (مرضيّة) جعلته (وهنا الخطر) ينسى وينفصل، بل يفصل بين قدرته على «تحليل» جدلية التاريخ، التي اكتسبها من وجوده ضمن صفوف «اتحاد الشباب الشيوعي» (الذراع الشبابي لحزب العمّال بقيادة حمّه الهمّامي)، من جهة مقابل «ما يؤدّي من دور» وهامش المناورة المسموح به، سواء وفق جدليّة «الصراع» أو «طبيعة» الدور ذاته.

 

من ذلك، يمكن فهم بل إدراك كيف ذهب هذا «النابغة» في الدفاع عن «بن علي» حدّ «الرمق» الأخير، وكيف (من المؤكد ومن باب اليقين) سيؤدّي الدور ذاته، حين لا تبدو على الرجل أدنى قدرة على قراءة «التاريخ» (تاريخه) أو «أخذ الدروس» من سقطاته السابقة والمتكرّرة..

 

عقل برهان بسيّس عاجز عن مسك الذات، حين تتوفّر أمامه مجالات لممارسة «النرجسيّة» والظهور أشبه ما يكون «نجمًا» يحصد الإعجاب ويلقى من «المديح» على الأداء وليس بالضرورة على «المحتوى»، مع فارق خطير وهامّ، بل المحدّد لواقع الرجل إن لم نقل مستقبله: زمن بن علي كانت الهرميّة (هرميّة النظام) ظاهرة وجليّة بل بيّنة ولا يجوز المسّ بها (خارج قرار بن علي)، مع ترك باب «الصراع الأفقي» مفتوحًا، إن لم يكن مطلوبًا، في حين (وهنا الخطورة والأهميّة) لا هرميّة ولا هم يحزنون راهنًا….

من حقّ برهان بسيّس (السيكولوجي) أن يحسّ بما هي «العظمة» أو هو «الغرور» أمام ما يرى من ضحالة (كبار) «المسؤولين» وهبوط «المستويات» (على جميع الأصعدة): سليم الرياحي أو مهدي جمعة أو حتّى يوسف الشاهد (هذا) يأتون أقرب إلى تلاميذ (من مستوى منحط) أمام هذا «الأستاذ» (الذي مارس التعليم). زمن بن علي، حين كانت «العصا» التي خلقت «تراتبيّة» مضبوطة…

 

انفتاح المشهد أمام «وزراء» أشبه ما يكون ببطاريات غير قابلة للشحن، حين يأتون «نكرة» ويغادرون «محملين» بالفشل والفضائح، جعلت من برهان بسيّس أو «الأنا» داخله يتضخم حدّا خطيرا، وقد عبّر عن الأمر في حديثه عن سبب القطيعة مع (سي) سليم الرياحي، حين قال (وهو الصادق) أنّه قدّم للرجل (أي سليم الرياحي) أكثر بكثير من «المال» (المجرّد) الذي قدّمه هذا «الغنيّ» (بالمال فقط) إلى (سي) برهان…

 

قبل 14 جانفي كان بن علي يؤدّي دور «صاحب الملعب» كما «الحكم»، ومن ثمّة استطاع برهان بسيّس أن «يكوّر» أمام من أمكن لهم النفاذ، أو على شاشة «الجزيرة» أين أبلى الرجل «تكتيكيا» بلاءً حسنًا. راهنًا انفتح الملعب وغاب الحكم، ليجد الرجل ذاته متفوقًا بذاته وليس بما هي مهارة «ساداته» (أيّ من يشغلونه) ليوسّع من مجال «ملعبه» دون أن ينسى أنّه «مرتزق» (بالمعنى المالي للكلمة)، حين تاه من حاشية سليم الرياحي إلى أحشاء قناة «نسمة» ليستقرّ (إلى حين) لدى «لوبي السواحليّة» وفي قناتهم…

كلام برهان بسيّس عن «خطورة الإرهاب» مجرّد «رسالة» تحمل طابع المرسل، يؤديها «ساعي بريد» من فصيلة «متعوّدة دائمًا» (وفق نطق عادل الإمام)، ليدرك الجميع، أنّ «اللعبة» (السياسيّة) بما في ذلك «التحذير من الإرهاب» تحولت أو هي صارت هي «الرياضة» (السياسيّة) الأولى في البلاد…

 

خاتمة في شكل سؤال (مطروح على «ضمير» برهان بسيّس»): كنت في صدق الأنبياء على قناة «الجزيرة» وأنت تدافع عن نظام انهار (أو يكاد)، هل صدقك الراهن، أعلى وتيرة، وأعمق «وفاءً»؟؟؟

السذج حصرًا في حاجة إلى إجابة….


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي