بعد «خيانة» مرزوق، لا «لوم» على اللومي

28 ديسمبر 2015

القصّة أو هي الرواية أو المسلسل، تصلح لتؤثّث مسلسلا تركيّا من النوع الرفيع، بل في هذه الحقيقة الجارية أمامنا، ما فاق الخيال وتجاوز التصوّر:

العيون مشدودة من باب الفرجة أو الألم أو الشماتة إلى ما جدّ ولا يزال يجدّ بين شقيّ النداء، لمّا دخل القيادي (المعتبر ماليا وتنظيميّا) في النداء فوزي اللومي على الخطّ، أو بالأحرى على شاشة الفرجة، معلنًا (في نفس درامي متميّز) رفضه ليس لما يحصل فقط، بل وقوفه (هو ومن معه) في وجه «مخرجات» الأزمة، على اعتبار أنّ «العمق الندائي» (وفق رأيه) مغيّب عن هذه الحلول.

دون الدخول في تفاصيل الخطاب، أو الانشاء اللغويّة لكلّ فريق، يمكن الجزم أنّنا أمام حلقة جديدة من مسلسل فاقت المفاجآت فيه ما يحدث عادة في أرقى القصص البوليسيّة وأفضل المسلسلات الدراميّة، حين حَسِبَ الجميع أو يكاد:

أوّلا: أن مسلسل «الطلاق» بين الشقين انتهى (تنظيميّا وقانونيّا على أقلّ) إلى شطر «الحركة الأمّ» إلى جزئين ومن ثمّة سينطلق كلّ فصيل في البحث عن مصالحه ضمن «البطولة (السياسيّة) التونسيّة»، دون أن ينسى «واجب الثأر» أو «حلاوة الانتقام».

ثانيا: بعد أن حسم كلّ طرف شأنه، كانت القناعة قائمة، أنّ كلّ من محسن مرزوق وحافظ قائد السبسي (تحت رعاية والده واشرافه) سيعاود كلّ منهما ترتيب «البيت» (الجديد) بما هو «النفس» (الجديد)، خصوصًا، عندما يحسم النوّاب أمرهم. دون أن يتخيّل أحد أن أحد الكيانين قد يشهد بدوره انشقاقًا، لليقين بأنّ تفتيت «النداء» رغم حجمه الكبير (مقارنة مع باقي الأحزاب على الساحة) سيورث كيانات صغيرة، تفتقر إلى أيّ قدرة للتفوّق على باقي الساحة أو (على الأقل) اللعب (كما هي كرة القدم) ضمن «الرباعي الأكبر»…

 

ظهور فوزي اللومي بهذا الرفض لا يمكن أن ينشأ من فراغ، حين وجب التذكير:

أوّلا: الرجل ليس «جديدًا» على الساحة السياسيّة، بل هو من المخضرمين، الذين تمرّسوا على «المراوغة» وكذلك «المخاتلة» في مدرسة «التجمّع الدستوري الديمقراطي»، ومن ثمّة لا يمكن، بل يستحيل أن تمثّل العمليّة مجرّد «نزوة» (لحظة) أو حتّى «حالة غضب» عابرة.

ثانيا: الرجل صاحب «قامة مديدة» في «النداء» حين وجب التذكير أنّه «المموّل الأول» أو (على الأقلّ) من «أفضل المموّلين» داخل البلاد، دون أن ننسى أنّه أحد أفضل «الماسكين» (أو «الممسكين») بما هي «ماكينة النداء» التي استطاع من خلالها أن يوفّر للحركة المقام الأفضل والرتبة الأولى، على مستوى مجلس نوّاب الشعب، وكذلك الفوز برئاسة الجمهوريّة، مع العلم أنّ «فوزي اللومي» سبق له أن ذكّر (في لهجة بين التصحيح والتذكير وربّما التنبيه) أنّ (سي) محسن مرزوق لا دخل له ولا فضل له على ماكينة الحركة وأنّه هو (فوزي اللومي) من يقف وراء هذين الانتصارين.

Mohsen.Faouzi

محسن مرزوق ـ فوزي اللومي

من ذلك يمكن الجزم أنّ الرجل لا يحسن قراءة المشهد فقط، بل يبرع في الغوص في أعماقه، وبالتالي يدرك متى يتقدّم وكيف، ويدري متى يتراجع وبأيّ طريقة يكون التراجع.

صعود «فوزي اللومي» إلى الهجوم ومحاولة «ملاعبة السبسي» (الأب كما الابن) لا يمكن أن تكون من فراغ، والرجل (أيّ «فوزي اللومي») يرى ويدرك ما يحاول الباجي فعله تجاه محسن مرزوق حين بدأ «التخوين» وشرعت «جوقة النداء» في المطالبة بمحاكمة هذا «الخائن» حين يأتي الباجي من مدرسة لا تؤمن بحسم مثل هذه الخلافات من خلال «الحسنى» (أي الانتخابات)، بل الذهاب «التصفية» أقصاها، حين أخبر نوّاب النداء الذين اجتمع بهم أنّ محسن «خائن» وأنّه اتصل بجهات أجنبيّة…

وجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ «فوزي اللومي» رجل أعمال ومن ثمّة لا ينظر إلى السياسة هدفًا في ذاتها، بل هي ضمن تشكيلة الأدوات التي من خلالها يستطيع تقوية نفوذه وماله وسلطته (وسلطانه)، ليكون السؤال المصيري متراوحًا بين حدين:

أوّلا: ما أتاه يأتي إلى أقرب إلى مقايضة هذه «القدرة» مقابل «فوائد أخرى»… الأكيد أنّ الباجي «الذئب العجوز» يدرك مطالب هذا «الذئب المخضرم»، ويدري كيفية ارضائه، وقبل ذلك الاستفادة منه…

ثانيا: فهم «فوزي اللومي» المعادلة، على أنّها فرصة لن تعاد، ليس فقط لنيل نصيب من «كعكعة السلطة»،، بل للفوز بالكعكة ذاتها، وهذا لا يمكن أن يكون وهو في حال التابع والمساعد، بل وجب عليه (حينها) أن يذهب بعيدًا، إمّا في تكرار سيناريو «محسن» أو الاستيلاء على النداء من الداخل.

 

من الصعب جدّا، تخيّل «فوزي اللومي» مردّدًا مقولة «على العهد نحيا وعليه نموت»، ومن الأصعب تخيّله «باذلاً الغالي والنفيس» بغية اسقاط «السبسي» (الابن) ويستحيل أن يتحوّل إلى «استشهادي» من أجل هذه «القناعات»، لكن (كذلك) من الصعب جدّا، تخيل (رجل الأعمال الناجح جدّا) في صورة من يفوّت الفرصة ويترك «السلطة» تمرّ من أمامه، وهو يعلم أنّ الباجي (رئيس الدولة كما زعيم الحزب) في أضعف لحظاته، ومن ثمّة يكون فوزي اللومي بين «شهوتين» أو «شهيتين»، وهو يقف أمام «باب (عرش) قرطاج»، لكن (كذلك) في الأمر اغراء ومراوحة، إمّا مربّع السبسي (الأبّ كما الابن)، وحاجتهما إلى «فرصة استرداد الأنفاس» وترتيب البيت، وهي «فرصة» يعلم «فوزي اللومي» بحدسه الجامع بين «روح التجمّع» وكذلك «حبّ المال» أنّها لن تُعاد قبل وقت طويل أو لن تُعاد أبد الدهر.

لذلك يسعى هو (ومن استطاع) لاستغلال حالة الضعف ووضع التحوّل الذي يعيشه النداء، سواء لتوسيع قاعدة النفوذ أو للحصول على مغانم أكبر، أو الفوز بالغنيمة كاملة، لليقين أنّ الحاجة إليه (أي فوزي اللومي) ستتجاوز ترتيب «البيت النداء» إلى كامل «جولات (البطولة) السياسية»، أو ربّما هو (أوّلا) «كأس (عرش) قرطاج»، الذي يسبق البطولات الأخرى المنتظرة…

أين يقف وعي الربح وأين يبدأ حسّ المقامرة؟

 

هي الحرب دون انقطاع أو حالة الصراع المتواصلة دون هوادة، أسوة بجميع «المجتمعات الاقطاعيّة» (العربيّة)، حين تأتي موازين القوى الفاعلة غير تلك المنظورة (ضمن المشهد الديمقراطي)، ومن ثمّة يكون السؤال عن مدى ظهور الصراع إلى العلن، حين نعلم أنّ هذا الظهور يتناسب عكسيّا مع قوّة النظام وسطوته…

 


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي