بين «الشاهد» (على ذاته) و«شاكر» (روحه): حكومة أم رياض أطفال؟؟؟

2 أكتوبر 2017

من الأكيد وما لا يقبل الجدل أن «المسيرة» (النضاليّة) لوزير الصحّة (سي) سليم شاكر، تجعله من (أشدّ) «المؤمنين» بدور الدولة «التعديلي» بين المواطنين، سواء حين تستخلص الحقوق عند حالات التعدّي، أو هي تجني الضرائب من الأغنياء لتصرفها على الجميع، في مساواة (افتراضيّة) طبعًا…

لكنّ عندما يتصرّف معالي الوزير أمام ما حدث في مستشفى سهلول في مدينة سوسة، معتبرًا أنّ الدولة «لن تعوّض الخسائر»، بمعنى أنّ على «المواطن» (الذين لم يقترف هذا «الإثم») أن يتحمّل مسؤوليّة ما أقدم عليه «المواطن» (صاحب الفعل)، أو على الأقل أن يحسّ بالذنب، أو هو ربّما بما هو «الخوف» عند اقتراف «جرائم» أخرى قادمة.

تنبني الدولة الديمقراطيّة على مبدأ «المسؤوليّة الفرديّة»، بمعنى أنّ كلّ «مواطن» مسؤول (عند بلوغ السنّ القانونيّة) عن «أفعاله»، ومن ثمّة تأتي «الاتهامات بالجملة» وكذلك «حالات العقاب الجماعي» أو هي «المسؤوليّة بالتكافل»، ممّا كان النازيون يقدمون عليه، وكذلك غيرهم من الأنظمة الديكتاتوريّة. فعلها «صانع التغيير» زين العابدين بن علي عندما عاقب العائلات والأصهار بناء على «ذنب» فرد واحد.

المسألة لا تقف عند تصريح من هذا القبيل، ربّما (ونقول ربّما) يطلع علينا «ناطق رسمي» أو وكّل نفسه لذلك، بالقول أنّه (أيّ التصريح) «تمّ اخراجه من سياقه»، بل الأخطر يكمن في «العقليّة» التي تقف وراء «عقليّة» (معالي) الوزير، وكذلك ما تأسّست عليه هذه الحكومة، ومن ثمّة طبقة سياسيّة بكاملها، لأنّ من العدل ألاّ نحمّل وزير الصحّة «الجمل بما حمل»…

youssef_chahed-newيكمن خطر العقليّة (هذه) في «تنازل» الحكومة/السلطة عن الكثير من صلاحياتها، سواء حكومات الترويكا أو ما سبق أو لحق، حين علّل عدد كبير من الوزراء عند السؤال أو المسائلة عن سبب (هذا) «الوضع السيّء» (أو ذاك) بما يفعل «الأخرون»، كأنّ الدولة/الحكومة ليست من يحتكر «العنف الرسمي» واستعماله لتأمين كلّ من الأمن والعدل، وصارت لاعبًا من جملة اللاعبين أو هي طرف في معادلات تجمع الجميع على قدم المساواة، أو على الأقل، لا أحد يحتكر هذا «العنف الشرعي»…

عندما يقف ذاك الأبّ أو هذه الأمّ، أمام مستشفى غير مجهزّ، ويجدان أمامهمت وزيرًا يعلّل الوضع ويتعلّل بما اقترف «المجرمون» من اعتداءات، يحتار هذا الأبّ وتضيع هذه الأمّ، بل ربّما يطالبان في ذواتهما أو هو الأكيد حاجة سيكولوجيّة لقوّة أخرى (غير قوّة الدولة) تضمن الأمن وتؤمّن العدل ومن ثمّة الاستقرار.

يفعل سليم شاكر بالدولة ما لا يفعله الإرهاب بها، حين يدمّر (معالي) الوزير «هيبة الدولة». هذه «الهيبة» التي يتغنّى به زعيم حزبه، سيادة رئيس الجمهوريّة محمّد الباجي بن حسونة قائد السبسي. بعيدًا عن نظريّة «المؤامرة» وما عقل «الدسائس»، لا يملك (معالي) وزير الصحّة أيّ معنى للدولة خارج «المعنى الاقطاعي» (أيّ الضيعة الخاصّة) الموروث (أيّ المنطق) عن بن علي، فنراه أشبه بأبّ، لا يدري من أبنائه كسر جهاز التلفاز، فيكون القسم بأغلظ الأيمان بأن يعاقبهم بالجملة…

أخطر من هذه «العقليّة» أيّ عقليّة «البلاد/الضيعة» أنّها صارت مشاعًا، بل هي الأصل، بدليل ما نرى من شيوع للفساد بل انتشارًا مذهلا، إن لم نقل مكشوفًا ومفضوحًا، على اعتبار أنّ «أمراء الفساد» يتصّرفون في ما هو «متاعهم» دون الاحساس بالذنب أو حتّى «التظاهر» بذلك.

عندما نُعمل علم النفس السريري أمام أقول «معالي الوزير» أو ما سبق من «السقطات» اللغويّة، أو ما هو قادم (دون أدنى شكّ)، نجد منذ الوهلة أولى، رغبة في ممارسة العقاب، من باب تقديس الذات عمّا هي «المسؤوليّة»، بمعنى أنّ ما جدّ في سهلول، لا مسؤوليّة لما هو «الوزير/الوزارة»، وبالتالي يأتي هذا الطرف «الوزير/الوزارة» منزّها عن الإثم، وثانيا (وهذا الأخطر) يريد أن يمارس حقّ «المعاقبة» بقطع النظر عن وجود «مذنب» من عدمه. لذلك يكون الربط بين «ذنب» قائم مقابل «مذنبين» لا ناقة لهم ولا جمل، بل لا يملكون أدنى علاقة (موضوعيّة) بالجريمة أو مسرح الجريمة…

على شاكلة «شعر بشّار» (الولد)، مقابل «فقه برد» (الوالد)، قول «الوزير» مقابل «صمت مطبق» بل «لامبالاة» من قبل «معالي رئيس الوزراء»، كأنّ ما قاله الوزير عين الصواب، أو جاء من صميم «صلاحيات» الوزير الذي يحقّ له (أسوة بالنازيين) انزال «العقوبات الجماعيّة» وكذلك الزام الشعب بالتكافل عند العقاب.

أخطر من قول معالي الوزير وما هو صمت «ساكن قصر القصبة»، ما صدر من تهليل شعبي، بمعنى أنّ القابلية للعبوديّة لدى هؤلاء «العبيد»، لا يمكن أن تقوم سوى أمام وجود كلّ من سليم شاكر (بفعله) وكذلك يوسف (بصمته)، دون أن ننسى «الشيخين» الجالسين في وضعية «آلهة الاغريق» الضامنة لتوازن «الكرة الأرضيّة» (مجازًا) أيّ تونس.

 

من ثمّة لا يمكن الحديث عن «انتقال ديمقراطي» أمام وزير للصحّة ينسف أحد أهمّ الحقوق البشريّة (أيّ الحق في الصحّة)، بتعلّة حالة «الغضب» التي تلبّسها (أو هي لبسته) أمام جريمة هي فظيعة بكلّ المقاييس، لأنّ معالي الوزير لا يفقه ولا يدرك ولا يدري ولا يفهم ولا يتلبّس معنى الدولة (أيّ مسؤول الدولة) الذي يأتي أرقى ممّا هي حالات الغضب. لنرى انقلاب المعادلة وانعكاس للصورة: ما يراه معالي الوزير «غضبة من أجل الوطن» لم يمارسها «تشرشل» أمام الدمار الذي لحق بلاده، بفعل الصواريخ النازيّة، فجاء لبلاده ووطنه وللبشريّة جمعاء بخطاب، يعتبر درسا في «كبرياء الدولة» وكذلك «مصارحة الجماهير» دون أن يغفل هذا الداهية أن يسطّر «خطّة عمل» يشهد التاريخ أنّه نفذها في أدقّ التفاصيل.

 

سؤال برسم الخيال التاريخي: ماذا كان سليم شاكر سيقول وهو في موقع مسؤوليّة تشرشل؟؟؟؟

الجواب عند إحدى عجائز البلد، حين لا يمكن ذكره من باب احترام الأخلاق العامّة…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي