ثورة نوفمبر المجيدة: حفلات الفرح أم مواكب العزاء؟

1 نوفمبر 2018

اعتاد الجزائرون داخل الوطن وخارجه، وكذلك كلّ المحبين لهذا القطر، الاحتفال بذكرى ثورة نوفمبر المجيدة، في تناس وتجاوز أو هو فتح قوس استراحة من أثقال الهمّ السياسي، سواء في أبعاده الجارية أو ما تراكم منذ تاريخ الاستقلال بتاريخ 5 جويلة 1962.

فرادة «ثورة نوفمبر» أنّها جاءت، قبل وعند انطلاقها في صورة «الحلم المستحيل»، الذي ليس فقط رأى النور وتحقّق، بل استطاع على مدى ثمانية سنوات، أن يجعل مجرّد «شرارة» تتحوّل أحد أفضل ملاحم القرن العشرين.

عند مطالعة بيان «ثورة نوفمبر» نجد إصرارا على «العدالة الاجتماعيّة» التي شكّلت العمود الفقري لمشروع السلطة التي أمسكت بدواليب البلاد يوم الإستقلال، وكذلك حافظت الحكومات المتتالية على هذا الهاجس، الذي لم يكن [بالنسبة للعمق الشعبي] منّة أو هبة، بل [وهنا فرادة الحالة الجزائريّة] حقّ مكتسب أو هو «مقدّس»، حين دفعت كلّ عائلة جزائريّة «ضريبة الدمّ» أثناء ملحمة الثورة.

سواء عن فخر وحماسة أو رغبة في تناسي مشاكل الهمّ اليومي، أصبحت هذه الثورة بعدًا مجرَّدًا، أيّ أنّها (في الآن ذاته) الهويّة التاريخيّة والمنجز الوطني، وأساسًا «المفخرة» التي تجعل أو هي جعلت «الوعي الجزائري» الفرد كما الجماعة، يشعر أنه «كائن» دون البشر، أو هو (لدى الكثير) «فوق العالمين»… يكفي متابعة الاحتفال بأيّ «انجاز كروي» لملاحظة «عقدة التفوّق» هذه..

Screenshot_2018-11-01-12-37-28شكّل الهروب إلى «التاريخ» [تاريخ الثورة] معوضًا وأيضًا مخدّرا بديلا لما هو الواقع الجزائري الحالي: يكفي أن نلاحظ حجم الرغبة في الهجرة الكامن في أعماق غالبيّة الشباب وما استطاعت قوارب الموت أن تحمل، ليكون اليقين [وهنا الخطورة] بأنّ «ثورة نوفمبر» تحوّلت إلى مجرّد «أيقونة» سواء للزينة أو للتباهي، دون أن تتأصّل [كما هو نصّها] مشروعا اجتماعيا فاعلا وفعّالا، إلاّ في الحدّ الضامن للاستقرار الاجتماعي الضامن وحده لما هو التوازن السياسي ضمن «قارب القيادة» الذي [اجمالا ومع استثناءات نادرة] استتطاع أن يجتاز كلّ الزوابع والعواصف.

أعداد متزايدة من الجزائريين داخل البلاد وخارجها، بقدر ما تجلّ وتعظّم «ثورة نوفمبر»، بقدر ما تطرح أسئلة [وجوديّة] عمّا أنتجت هذه «الثورة» راهنًا [بمعنى الآن وهنا]، سواء في علاقة بالبيان ذاته [بيان فاتح نوفمبر] أو هي الحقوق الاجتماعية والاقتصاديّة ومن ورائها الثقافيّة ومن ثمّة السياسيّة، التي من الطبيعي أن يحوزها عمق شعبي كان ولا يزال يرى نفسه شريكا وصاحب حقّ، في «المزايا» [المفترضة] لدولة الإستقلال.

يكفي أن نرى ونلاحظ أنّ الناتج الوطني الخام، يعود في نسبة تفوق التسعين في المائة، إلى بيع «النفط»، أيّ أنّ «دولة الإستقلال» عجزت بعد ما يزيد عن ستين عامًا من اندلاع الثورة ونصف قرن من الاستقلال، تمامًا عن تحقيق «الاستقلال الاقتصادي» والتحوّل إلى «قطب اقتصادي» اقليمي، قادر على أن تكون قاطرة المنطقة، والدولة صاحبة الريادة كما حلم جيل الثورة وخطّط الماسكون لدولة الاستقلال عند ارسائها.

Screenshot_2018-11-01-12-50-36غياب «المشروع الوطني الجامع» الذي أراد الرئيس الهواري بومدين ارساءه، وعمل على ذلك، جعل الفعل السياسي (أيّ إدارة الشأن العام) أقرب ما يكون أو هو «الإرتجال» الذي أتى [وهنا الخطورة] مجرّد «ردّ فعل» وبحثا عن «مسكّنات» [مؤقتة]، أكثر منها قرارات ذات بعد استراتيجي وبعيد المدى.

لا يمكن سوى لجاحد [كما يتحدّى فريق المدح الرئاسي] أن ينكر الجانب الاجتماعي في سياسة الدولة (أو هو رئيس الدولة كما يقول هؤلاء)، مثل توفير عشرات الآلاف من المساكن بأسعار جدّ مقبولة أو حتّى مجانيّة. لكن هذه «العطايا»، وإن كانت قادرة على ضمان/شراء «السلم الاجتماعيّة»، إلا أنّها (وهنا الخطورة) عاجزة عن التحوّل إلى رافعة فاعلة وفعّالة، ضمن مشروع «دولة الرخاء» للجميع.

أخطر من غياب «مشروع مجتمعي» فعلي وفاعل، يكمن في «تيه الطبقة السياسيّة» وتحوّلها من صناعة التاريخ، أسوة بمن فجرّوا الثورة، إلى ألاعيب إغلاق باب «المجلس الوطني الشعبي» أمام رئيس هذا المجلس. صورة باهتة عن دولة أراد لها «صنّاع الثورة» [عند انطلاقتها] أن تكون لها «الريادة» بين الأمم.

Screenshot_2018-11-01-12-06-19لا فارق بين بوحجّة أو بوشارب، بل هو صراع ضمن الزمن الضائع، من أجل من يجلس على كرسي، يلهو من خلاله بلعبة إسمها «الجزائر» دون النظر إلى المخاطر الاستراتيجيّة التي تتهدّد البلاد والعباد. سواسية هو «الائتلاف الحاكم» الراكض وراء الكراسي [جميهم دون استثناء] بما هي «المعارضات» الراكضة وراء هذا «الائتلاف»: بعضهم من باب اثبات الوجود وأخرون يرومون دعوة للمشاركة في وليمة ملاعقها الكبرى بين يدي «جبهة التحرير الوطني» كما «التجمّع الوطني الديمقراطي»…

من باب الأمانة وعدم نفاق الذات:

غبيّ وساذج وخائن لمبادئ «ثورة نوفمبر» [كلّ جزائري يرى نفسه معنيّا ينتقي ما يليق به]، من لا يعيد قراءة «بيان نوفمبر» ضمن واقع الحال، أيّ راهنيّة النصّ ضمن واقعيّة الزمن، لنرى جميعنا أنّ مرارة نبتت في الحلق وغصّة في القلب، وشوكة في الضمير [لمن امتلك ضميرًا]، بل هو الشكّ في شكل السؤال: هل نحن خير خلف لخير سلف.

كلّ يجيب عن السؤال أمام مرآته، حين يستحيل الكذب والنفاق أمامها…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي