حمّه ومرزوق: من تربيّة الشعبة إلى ختان القصر….

5 فبراير 2016

جاءت «النيران» (الصديقة) التي أطلقها في عنف نادر، حمّه الهمّامي على محسن مرزوق لتدفع أخر أمل في قيام «جبهة يساريّة، ديمقراطيّة وحداثيّة» تمثّل في الوقت الحالي أو هي تؤدّي دور «المعارضة» (الفعليّة)، وتلعب الدور الذي لعبته «جبهة الانقاذ» (زمن الترويكا)…

كان حمّه يدري ما يقول ويعلم جيّدًا ما ينطق به، حين يدرك تمام الإدراك، أنّ (سي) محسن الذي قلب الطاولة في «النداء» صاحب منصب الرئاسة والكتلة البرلمانية الأقوى في مجلس الشعب، لمجرّد أنه يرفض ولا يتخيّل نفسه في المرتبة الثاني، لن يأتي إلى أيّ «لعبة» (أخرى) سوى ليحتلّ الزعامة، بل يرفض مناقشة الأمر أو البحث فيه…

محسن مرزوق يعتبر نفسه المعارض الأكبر في البلاد، ومن ثمّة سيسعى إلى «الوراثة» من خارج النداء كما سعى إلى الأمر من داخله…

 

محسن وحمه

محسن وحمة

من هذا المنظور، تنتقل المعادلة (السياسيّة) من مستوى «ائتلاف حاكم» تقابله «معارضات» مشتّتة، إلى لعبة زعامات تتصارع كمثل طواحين الريح زمن زوبعة شديدة، ممّا يقود، إلى قراءة المشهد أو بالأحرى إعادة تأكيده من خلال «الأفراد» وليس السياسة أو حتى الأيديولوجيا، على خلاف «الخطاب» (الدارج)، رغم الهجوم اللاذع والقوّي الذي شنّه الباجي على اليسار، ممّا يجعل هذا اليسار (افتراضًا) في موقع «الحليف» الطبيعي لمحسن مرزوق ومن معه…

يلاحظ المراقب العادي كما الخبير العارف بالساحة السياسيّة في تونس، أنّ لا موضوع (مهما كان) يشطر الساحة السياسية في تونس إلى قسمين، كلّ موضوع مهما كان يحدث «تحالفات» (هشّة) وخلافات (غير مستقرة) تقريبًا، بل كثيرًا ما تنقلب التحالفات من النقيض إلى النقيض، دون الحديث عن الانشقاقات والانقسامات وتفتت الكيانات السياسيّة القائمة، على قاعدة صراع «الديكة» أو (كذلك) «قسمة الكعكة» (مهما كان نوعها)….

 

رفضت في السابق النهضة في اجتماع حضره الطيف الاسلامي بكامله في منطقة الساحل في شهر فيفري 2011، أن تؤسّس لهذا «الكائن» (أيّ حلف اسلامي)، وكذلك عجز أو رفضت الكيانات الأيديولوجيّة الأخرى أن تتوحّد أو هي تتّحد حول الفكرة (أي الأيديولوجيا) سواء لمصالح آنيّة أو هي أزمة زعامات مزمنة…

 

لا يمكن رؤية أو قراءة أو حتّى تحليل المشهد السياسي التونسي، خارج «منطق الزعامات» التي تأتي أقرب إلى «قطب مغناطيسي» يحاول جذب كلّ شيء إليه وحده (لا شريك له من البشر). مقام هذا «الزعيم» يتأسّس ويقوم على مبدأ العلوية، وهو ما يدّعيه كلّ من محسن مرزوق وحمّه الهمّامي لذاته، ومن ثمّة ينكره على الأخر….

 

دون أن يدري، أو هو ثانوي عنده ودون قيمة، قدّم حمّه الهمّامي هديّة لا تقدّر بثمن إلى الباجي قائد السبسي وإلى «الجناحين» أيّ النداء والنهضة، حين أفهمهما ما يلي:

أوّلا: أنّ الصراع مع محسن مرزوق صراع وجود وليس صراع حدود ومن ثمّة غير قابل للتدارك، سواء من باب الاستراتيجيّة أو حتّى التكتيك الانتخابي.

ثانيا: أنّ المعارضة، ستبقى ممزّقة الأوصال، بل هي طيف من المعارضات، التي قد تجد الواحدة ذاتها أقرب إلى السلطة «وظيفيّا» من الوجود (أو إمكانيّة الوجود) داخل «معارضة» تقدّم الحدّ الأدنى من التماسك في «مواجهة الحكومة» أو هو «الائتلاف الحاكم»…

تأجّل أو تبخّر حلم مرزوق في أن يكون «زعيمًا»، ومن ثمّة تحوّلت المعارضة، أو هي المعارضات، إلى لفيف من الزعامات (الصغيرة والمتوسطة) التي لا حلم لها بالوصول إلى مرتبة «الشيخين»، حين يلعب الباجي والغنوشي في البطولة المحترفة، والبقيّة لا يزال مع وبين الهواة…

 

يفضل حمّه، أسوة بجميع الطبقة السياسيّة الحاضرة على الساحة وحتّى السابقة، أن يكون «رقم واحد» على رأس حزبه، على أن يكون «الرجل الثاني» في تشكيلة سياسيّة أوسع بكثير، مردّ ذلك ليس الطمع في الوجاهة السياسيّة، فحسب بل الخوف من «التصفيات» وكذلك «الإزاحة» وحتّى «الانقلابات»…

الجبهة الشعبيّة كيان لا يختلف عن هذا المنطق، هي جبهة انتخابيّة أوّلا، وتجمّع أحزاب، وليس كيانا سياسيا قائما (بالقانون)، وثانيا، تأتي قيادتها أقرب إلى قارب يوجهه ألف ربّان، يختلف ويتضارب أو هو يهجر السفينة التي يقف (افتراضا) على رأسها «ناطق رسمي» (وحيد)…

 

تتحرّك الساحة السياسيّة في تونس (ظاهرًا) من خلال «الأحزاب» لكنّها في الواقع لا تزال أسيرة «زعامات»، أقرب إلى الإقطاع، حين لم تشهد هذه الأحزاب انتقال القيادة (من السابق إلى اللاحق) إلاّ مع كثير من العنف وقدر كبير من التوتّر، أو هو اقصاء كلّ «الطامعين» في الجلوس إلى جانب الزعيم…

ما قاله حمّه عن محسن مرزوق، قابل لأن ينطق به أيّ «زعيم» (سياسيّ) عن أيّ «زعيم» آخر، هي أزمة وعي ومسألة إدراك، أكثر منها مسألة شخصيّة أو حالة فرديّة، فقط ما يختلف عن بين (هذا) «الزعيم» وذاك، هو شكل الوجاهة وحجمها، وكذلك «قيمة الحزب»، ومن ثمّة الشخص، على الساحتين الداخليّة والدوليّة….

لن يسكت (سي) محسن، ربّما (نقول ربّما) لن يردّ «الصفعة» في حينها، بل ربّما (نقول ربّما) سيذكّر حمّه بملفّات أخرى، أو بأشياء لا يعلمها العامّة ولا يدركها الجميع، خاصّة وأنّ بين حمّه من زجاج أسوة ببيوت جميع السياسيين في تونس…


39 تعليقات

  1. تعقيبات: true religion logo

  2. تعقيبات: discount fjallraven

  3. تعقيبات: cheap hunter rain boots women's

  4. تعقيبات: buy mammut jackets

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي