شهادات «الحملان» على مسامع «الذئاب»: بين عفن «التوافق» وتقيّح «الديمقراطية»..

18 نوفمبر 2016

في منزع «غرائبي» مقارنة مع صارت إليه البلاد أو هي سارت نحوه منذ أن قبّلت الذئاب الخرفان وكذلك قبلت الخرفان بالذئاب رعاةً، أو هو (على الأصحّ) الرعي سويّة، تذهب «هيئة الحقيقة والكرامة» إلى تقديم شهادات «الضحايا» عن «الجلاّدين» وما يتبع أو هو يصف من تفاصيل جدّ مؤلمة عن عذابات معلومة بالضرورة ومنسية بفعل التهميش والتجاوز وحتّى التعتيم والنكران.

تأتي هذه «شهادات» أشبه ما تكون بسرد الأحداث وتقديم الوقائع ضمن أبعادها «التوصيفيّة» وكذلك (وهذا ما لا يقلّ شأنًا)، التأسيس (أو إعادة التأسيس) لمنطق «الحقّ» وكذلك «الأخلاق» إن لم نقل «الفضيلة» ضمن أبعادها «الطوباويّة» القائمة ضمن خيالات المتكلّمين كما أحلام الشهود وحتّى ذاكرة المستمعين…

 

لا يمكن بل يستحيل الرجوع بهذه «الشهادات» إلى أبعادها «السرديّة» (المباشرة/المجرّدة) أو هو ذلك «الاسترداد» الشرعي والمشروع، لما كانت عليه «حقائق الأمور»، سواء ضمن الأبعاد «الإخباريّة» (المباشرة) أو ما (وهذا الأهمّ) «المسؤوليات» (حينها) الموزّعة بل هي الضائعة بين تعاريج القوانين المفرغة (حينها) من أرواحها وسياسات البطش المعلنة (حينها) أيضًا…

 

جلسات الاستماع هذه، تعني وتقصد وترمي (أساسًا وقبل أيّ شيء) أن تكون «طعنة» في وجه «حاضر» زَاوَجَ الذئب بالحمل وكذلك تجاوز «الزمن» (الأليم) إلى «عقيدة» (جديدة)، أساسها نفي الماضي، إن لم يكن نسخه أو حتّى نسيانه وربّما انكاره، ومن ثمّة «تجريم الضحايا» (كما نشهد).

ivdلا يمكن للمعركة القائمة والصراعات القادمة (ضمن هذه «الشهادات») إلاّ أن تكون من أجل «الحاضر السياسي» (وحوله). الأزمة الكبرى والمصيبة الجلل، ليست ولا يمكن أن تعني «الجرائم» (ضمن أبعاد التوصيف، وذكر الوقائع)، بل في ما صارت إليه «الوقائع» (القائمة راهنًا) حين تكون الصدمة بين «الذاكرة» (الموشومة بالدماء) مقابل «الحاضر» (القائم على النكران)….

 

من ذلك، يمكن الجزم أنّ (هذه) «الشهادات» في علاقة بالتوتّر القائم والصراع المفتوح من أجل السلطة وحولها، إلاّ أنّ تكون «زيتًا» على نيران مشتعلة، بل (أخطر من ذلك) تزيد النار اشتعالا، مهما تكن «النيّة» ومهما تكون «مقاصد» من يقف وراء هذه «المبادرة». لذلك (كما جرت العادة) من المنتظر أن تكون (هناك) «ردود فعل» تتناسب «درجة عنفها» بقدر «التأثيرات» القائمة أو المرتقبة من مثل هذه «النار» (من تحت الرماد) التي جاءت «تطلب نار» (الحقيقة والعدالة) وكذلك «تشعل نار» (الثورة) على الأقل لدى عمق لا يزال متعاطفًا مع «نيران 17 ديسمبر»….

 

هي دوائر عديدة، ذات مركز واحد، تقف فيه هذه «الشهادات» مع ما هو (طبيعيّ) من «ارتدادات» طبيعيّة أو هي «ميكانيكيّة» لهذه الأقوال شديدة الألم على ذاكرة لم تُشف بعد، أو هي ترعف إن لم نقل متعفّنة، بحكم «التوافق» (بين الشيخين)، الذي (أيّ التوافق) تجاوز هذا «العفن» دون أن يوليه من الاهتمام أو الرعاية سوى «النوايا» (المنقوصة) وكذلك «التمنيات» (الناقصة)…

assiette-xix-gien-fables-de-lafontaine-le-loup-et-l-agneau-i18931-03-540كامل الطبقة السياسيّة التونسيّة، على الأقلّ القائمة على «الشأن السياسي» تراوحت بين «رفض» لهذه «الذاكرة» (الراعفة) من باب «التجاوز» البصري، أيّ القول بغياب الشيء حين يغيب عن النظر، أو هي (في المقابل) بقيت عند «همهمة» مبهمة، عاجزة (كلّ العجز) عن التعمّق في هذه «الذاكرة» حين نستثني «شعارات» المناسبات، أو هو «سند الحديث» عن المحطات السياسيّة….

 

من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ هذه «الشهادات» لن تمثّل «الحقيقة» لدى جانب غير هيّن من الشعب التونسي، المتورّط أو الذي لا يزال يحمل وزر السنين المعنيّة بهذه الشهادات، ممّا يعني أن تحصيل «الكرامة» لن يكون، بحكم ما نشهد من اصطفاف سياسي، يستغلّ أو هو يركب أيّ حادث أو واقعة، بغية توسيع الصراع السياسي، سواء من منظور «أيديولوجي» أو هو «الجلوس» على كراسي الحكم…

 

في بلد «الثورة» فيها «مغدورة» وكذلك «الديمقراطيّة» فيها «مغشوشة» ومن ثمّة «الاستقرار» على قدر كبير من «الهشاشة»، يمكن الجزم بل هو اليقين عينه، بغياب الحدّ الأدنى من «التوافق» الفعلي والفاعل، أي الصادق والعميق، بخصوص جلسات «الذكير» بهذا الماضي الذي تتنازع تفاصله الطبقة السياسيّة، أو هو محلّ «اختلاف» إن لم نقل «أساس» الحروب السياسيّة والإعلاميّة وكذلك (وهنا الخطر) الوجوديّة، بمفهوم هذا الفريق ينفي ذاك.

هو رهان على «الذاكرة» على اعتبارها «معلومة» وصراع على «المسؤوليّة» ضمن الأبعاد سواء الأخلاقيّة أو حتّى القانونيّة، ومن ثمّة غبي وساذج ومتخلّف ذهنيّا (لكل أن يختار التوصيف الذي يعتمده) من يفكّر لحظة في أن يساعد هذا «الإفصاح» (عن المسكوت عنه) في «تأكيد» التوجه «التوافقي» الذي صار ديدن هذه الطبقة السياسيّة…

على العكس، يستحيل بل هو الخيال، أن نفكّر في إضافة هذا الجهد (أيّ الشهادات) إلى المنجز «الإيجابي» لهذه الطبقة السياسيّة (الذي تنسبه إلى ذاتها)، كما يدلّ حضور هذه الشخصيات الماسكة للشأن السياسي، جلسات «الشهادات» (هذه)…

 

البلاد مقبلة على نبش جراح عجزت «حكومات ما بعد 14 جانفي» على النظر إليها والاهتمام بها أو حتّى الشروع بوجودها، بل رأينا عكس ذلك، عندما صار «الماضي» شديد الألم جزءا أو هو محلّ صراع، سواء الحقيقة أو الأحقيّة أو حتّى التاريخ، ومن ثمّة قابل للتثمين والتفعيل داخل حلبة الصراع التالي…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي