كلمات إلى عبد الكريم الهاروني: دولة إيه ألّي أنت جاي تقول عليها؟؟؟

26 ديسمبر 2018

إذا كانت فرنسا بعراقة ديمقراطيّتها، ورسوخ مؤسساتها [على الأقلّ مقارنة بالوضع التونسي]، فشلت بل هي عجزت، عن تفعيل «منطق الدولة» في مواجهة شارع يغلي أشبه بالمرجل، بمعنى إيقاف الاحتجاجات أو على الأقل ممارسة أدنى درجات «الاحتواء» من منظور أمني وجعلها «سلميّة» متوافقة مع القانون العام، فكيف لتونس وما تعيشه من «اهتراء ديمقراطي» وكذلك «اهتراء مؤسساتي»، أن يتمّ الاكتفاء بمنطق «كن فيكون»…

مشكلة الهاروني، وهو ليس حالة فريدة ضمن القطيع/السرب السياسي التونسي، تكمن في الحلم أو هو الخيال بأنّ مجرّد استدعاء «طوطم الدولة» كافٍ وحده دون حاجة أخرى لكي يستتبّ الأمن ويهدأ بحر بل هو محيط الاحتجاجات المنذر بالفيضان…

لا أحد طلب أو بمقدوره أن يطلب أو بالأحرى يملك جرأة الطلب أو هو القول بأن تخلّي الدولة عند دورها في ضبط الأمن أو تأمين السلم الاجتماعيّة في أبعادها الأمنيّة بل وكذلك الاجتماعيّة ومن ثمّة السياسيّة. لكن عندما تقف البلد بكاملها أمام «عنف» يتجاوز الحالات «الفرديّة» وكذلك «البعد الاجرامي» المجرّد، لا يمكن للدولة أن تدّعي أنّ «الحلّ» يكمن في تفعيل «القانون» أي مشروعيّة اللجوء إلى العنف كفيل وكاف، لما هو التوصيف الشهير «استتباب الأمن»…

العنف جزء ضروري بل لازم ولا يمكن الاستغناء عنه لتأمين دور الدولة في ضبط حالات الخروج عن القانون، لكن لا يمكن لهذه «الدولة» أن تدّعي هذا «الدور» وما يتبع ويتأسّس عليه من «قدسيّة» وهي ذاتها موضوع «سؤال» إن لم نقل «اتهامات» أو [على الأقلّ] اعتبارها جزءا من «الأزمة» أو طرفًا فيها…

abedlekrim-harouniمنطق الاتهامات المجرّدة القائمة على «تقديس الذات» [أيّ الدولة] مقابل «تدنيس الأخر» [عدوّ الدولة]، مارسته دولة الاستقلال الداخلي منذ اللحظة الأولى وعلى أساسه تمّ اعدام المعارضين وتعذيبهم والتضييق عليهم، بل تمّ التنظير، كما فعل [وزير بن علي] «الصادق شعبان» عندما تحدّث وكتب بل نظّر لما قال أنّها «الديمقراطيّة المسؤولة» (التعبير له) أي جعلها تحت سقف السلطة «المقدسّة» [بذاتها]، بمعنى أنّ «سقف الديمقراطيّة» يرتفع وينخفض وفق قرار «راعي البلاد» أيّ بن علي [وفق الصادق شعبان] وبالنسبة للمهندس رئيس مجلس شورى حركة النهضة «راعي الديمقراطيّة» أي (سي) يوسف الشاهد…

تعيش البلاد أزمة سياسيّة خانقة ولا يمكن لأيّ كان أن يعود بعنف الشارع [المرفوض بالمبدأ والموقف] إلى «بعد إجرامي» (فقط)، كذلك [وهذا لا يقلّ أهميّة] لا يجب «تقديس الشارع» سواء عن «حلم ملائكي» أو «انتهازيّة انتخابيّة». لذلك لا يمكن انكار «بعد اجرامي» ضمن العنف الذي يمارسه (هذا) الشارع أو جزء منه، إن لم نقل عناصر منه، سواء من باب التفريج عن كبت (لا يمكن انكاره)، أو «عنف سياسي» (مدفوع الأجر)، من قبل عناصر تمارس العنف خدمة لأطراف سياسيّة ترى في هذا العنف جزءا من خطّة هدفها احراج الحكومة والإساءة إلى صورتها ومن ثمّة التخفيض من عمقها الشعبي/الانتخابي.

لم يفهم المهندس رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني، في مسعاه مساندة معالي رئيس الحكومة يوسف الشاهد، أنّه في أقصى حديثه وعندما نقرأ في الرجل [أي الهاروني] صدق النيّة وصفاء السريرة، أنّه يتحدّث عن «الولاّعة» التي ستشعل أو بصدد إشعال الشرارة، في تناس (مرضي خطير مثل غيره) بما هو «برميل البارود» الذي صار عليه الوضع العام بالبلاد، وبالتالي يتناسى ويُغفل [وفق نظريّة المؤامرة التي يعمد إليها] البحث عن أمور عدّة:

أوّلا: السبب الذي جعل البلاد تبلغ هذا الحدّ من الاحتقان الشعبي، وخاصّة التنقيب والتشريح سعيا وراء قراءة موضوعيّة لهذا الحال السرطاني الخطير.

ثانيا: تحديد المسؤوليات وتشخيص الأدوار، دون جلد للذات [أي حركة النهضة] ودون التفصّي من المسؤوليات، وخاصّة جرأة النظر إلى المرآة وطرح السؤال بصوت عال ومسموع: من أيّن جاءت هذه البلايا التي تعيشها البلاد وترزح تحت أثقالها العباد؟؟؟؟

ثالثًا: غياب الشجاعة السياسيّة لدى الطبقة السياسيّة الفاعلة وصاحبة المدى الواسع، للاعتراف أنّ الصراعات «الفوقيّة» [كما هي حال المناكفة بين يوسف الشاهد وعائلة السبسي] لا علاقة لها، لا بخيارات سياسيّة ولا بصراع برامج هدفها خدمة «الشأن العام»، أي شباب القصرين وغير القصرين، الذي يرون في أنفسهم منذ جوان 1955، مجرّد وقود انتخابي أوّلا، وثانيا (وكذلك) مجرّد «بانديّة» [فتوّات ـ بلطجيّة] يمارسون العنف استعاضة عن طبقات سياسيّة تمارس «البوس والعناق» أمام الشاشات وأمام الصحفيين.

رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني جزء من «سرب/قطيع» تهزّه العاطفة ويدفعه منطق (إبداء الصدق) للذهاب (لغة) ضمن طلب «الحسم العنيف» لأنّه يعلم بل هو اليقين (وهو على كامل الحقّ) أنّ معركة القصرين قد (الأقرب إلى اليقين) تكون فاتحة معركة وعدت بها أطراف سياسيّة (لشهر جانفي)، هدفها إمّا إحكام السيطرة (بالمفهوم الأمني لغياب غيره) من قبل الحكومة (أيّ يوسف الشاهد) أو (على النقيض) إسقاط الحكومة (بتعلات «ثوريّة») يرث على إثره خصوم الشاهد البلاد والعباد، ويبقى الشارع مجرّد «سيوف» غير قابلة للشحن، كما كان حال «سيوف» الفترة الفاصلة بين 17 ديسمبر و14 جانفي…

لفهم الطريقة الذي تحوّل بها رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني، من ضحية بين ضحايا «حسم الدولة» (زمن بن علي) إلى مطالب بهذا «الحسم» يجب الذهاب إلى «ستوكهولم»…..


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي