14 جانفي بين 2011 و2022 : يا «ثورة» في منامي….

14 يناير 2023

الذين اختاروا وقرّروا التظاهر يوم 14 جانفي 2022، يعتبرون أنفسهم ورثة من خرجوا للتظاهر صبيحة ذات اليوم من سنة 2011، وبالتالي (حسب هؤلاء) يلعب «نظام قيس سعيّد» الدور الذي لعبه «نظام بن علي»، لتتجسّم (وفق ذات الرأي) «الحتميّة التاريخيّة»، بأن يرحل من هو في الحكم (راهنًا) وتكون أو بالأحرى تعود السلطة إليهم، وبذلك يتمّ إغلاق القوس الذي تمّ فتحه عشيّة يوم 25 جويلية 2021، كما تمّ اغلاق القوس الذي تمّ فتحه يوم 07 نوفمبر 1987.

مع الإقرار بأنّ منطق الرمزيّة يخاطب العاطفة قبل العقل، وجب الإقرار أنّ شروط «استعادة التاريخ» ومحاولة إعادة الكرّة، وبناء عليه اسقاط النظام، لا تملك ضمن واقع الحال أدنى شروط الوجاهة التاريخيّة، أو الحدّ الأدنى من مستلزمات «الاستعادة» القادرة على تفعيل «رأسمال الرمزي» ليوم بقيمة 14 جانفي 2011…

أوّل دلائل عدم التطابق بين «الصورة» مقابل «الأصل» أنّ من يريدون ممارسة دور «الشعب الثائر» هم جزء من منظومة حكم اهترأت على مدى عشريّة بكاملها، ومن ثمّة لا يمكن (بأيّ حال) التعسّف على التاريخ واعتبار «الاقصاء» عمّا هي «الشرعيّة» كاف لوحده بجعلهم ينقلبون من «أصحاب سلطة» إلى «أصحاب ثورة».

ثانيا، من الوجاهة والمنطق، اعتبار أو هو اليقين أنّ «الشعب» غير معني في عمقه بما هو مخطّط له يوم 14 جانفي 2022، أو على الأقلّ، ليس بالدرجة التي كانت طوال الفترة الفاصلة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011.

ثالثًا، مع التسليم (جدلاً) بجواز اعتماد منطق المبالغة عند رفع الشعارات السياسيّة، يكون من التجنّي وحتّى الخطأ الفادح النظر إلى قيس سعيّد واختصار وجوده راهنًا في ما كانت صورة نظام بن عليه يوم 14 جانفي 2011، حين يمكن الجزم أنّ الرجل رغم الاعتراف بتدنّي شرعيته (قياسًا بالانتخابات الرئاسيّة) لا يتمّ النظر إليه من قبل العمق الشعبي في صورة «المسؤول الأوحد والوحيد» عمّا آلت إليه الأوضاع الاقتصاديّة (أي النظرة التي كانت عن بن علي) بل (وهنا الأهميّة) يحمل العمق الشعبي ذات النظرة إلى الطبقة السياسيّة برمتّها، أو على الأقلّ لا ينظر (كما كان طول فترة 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011) إلى «الحاكم» في صورة من يجب ازاحته وإلى «المعارضة» من يستحقّ الحلول مكانه.

14Jمن ذلك، يمكن أو وجب التمييز بين الشعارات المرفوعة أثناء تظاهرات 14 جانفي 2022 من جهة مقابل موازين القوى الفعليّة والفاعلة راهنًا، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي كما الدولي، ومقارنتها بما كان من موازين يوم 14 جانفي 2011، ليكون النظر منطقيا في امكانيّة «اسقاط النظام»، وأخطر من ذلك قراءة التأثيرات التي ستحدثها جميع الخطوات التي انتهجها «من يقولون بأسقاط النظام»، على التوازنات القائمة كما القادمة في تونس.

في تجاوز للشعارات المرفوعة، وجب النظر بعين المنطق والعقل والحكمة إلى قدرة أيّ طرف على «إحداث الفارق» أيّ مدى تأثيره الممكن على الأحداث، ومن ثمّة مقارنة «القول» بما هو «الفعل» على أرض الواقع، لتكون جردة الحساب عمّا كسب كلّ طرف وما الخسائر التي تركها على أرض هذه «المعركة»…

حين ننطلق من مسلّمة أنّ «الثورة» يصنعها «الثوّار»، وحين نستدعي أدنى درجات تعريف الثورة بأنّها «القطيعة الأبستمولوجيّة والمعرفيّة مع ما كان سائدًا»، يتبيّن بالكاشف أنّ منظومة ما بعد 14 جانفي 2011، لم تمارس هذه «القطيعة» سوى على مستوى ظاهر اللفظ، حين حافظت، بل هي غرقت في المنوال الاقتصادي الذي كان قائمًا قبل هذا التاريخ، وعلى المستوى السياسي ابتكرت ديمقراطيّة «بهيّة الطلعة» على المستوى السياسي، لكنّها «عديمة النفع» على المستوى الاقتصادي كما الاجتماعي…

دليل ذلك وجود كائن سياسي اسمه «عبير موسي» (الفكر السياسي الذي تمثّله قبل الشخص) يعتمد درجات القياس المادّي، على اعتبار أنّ المؤشّرات الاقتصاديّة للفترة التي سبقت 14 جانفي 2011 أفضل (كميّا) من مثيلاتها بعد هذا التاريخ، ممّا فتح مجالا لا يمكن انكاره أمام من يعتبرون هذا التاريخ نقمة ولعنة وليس نعمة بأيّ شكل كان.

وجب التمييز في جلاء عند أيّ مقاربة للتحركات المقرّرة ليوم 14 جانفي 2022، بين من هم على دراية تامّة وعي كامل ومعرفة لا تشوبها شائبة، ليس فقط بموازين القوى، ومن ثمّة بما هو سقف الانتظار الممكن منطقيّا، مقابل «الدهماء» ممّن يرون، بل هو يعتقدون أنّه يكفي أن يقولوا للأشياء كن فتكون.

أقصى ما يمكن أن تحصّله حركة النهضة، اللاعب الوحيد صاحب القدرة على مجابهة قيس سعيّد، يكمن في تحسين شروط التفاوض أوّلا، وثانيا، والأمر لا يقلّ أهميّة رأب التصدّعات والشقوق التي يعرفها هذا الحزب، والذهاب أبعد من ذلك، تكوين قطب [جبهة الخلاص] تكون «الذراع السياسي» الذي من خلاله يمكن الذهاب (على مستوى الصورة لا غير) أبعد من صراع (ثنائي) بين قيس سعيّد والغنوشي، ليكون (وفق خطّة النهضة) صراع «الكلّ» ضد «انقلاب 25 جويلية» (المعزول سياسيا وجماهيريا وفق ذات المنطق)، مع التأكيد على صورة أحمد نجيب الشابي في واجهة الأحداث، عندما تعجز النهضة أن تجد أفضل منه لصياغة صورة «الطيف السياسي» (المتجاوز لها ولمصالحها الذاتيّة) الذي يقف «دفاعًا عن الديمقراطيّة» في وجه «رئيس معزول لا سند له ولا معين».

 

في غياب أيّ اهتمام شعبي محسوس وملموس بهذا «المسرح السياسي» في بعده «الفرجوي» يكون السؤال (في المطلق) عن أقصى الآمال الفعليّة والأحلام الممكنة من وراء هذا «الاستدراج» لسيناريو «14 جانفي» الذي كُتب لسنة 2011، دون ضمانات من كَتَبَة السيناريو بالقدرة على إعادة استعماله في ظروف غير ظروفه، لأنّ (بكلّ بساطة) تمّ تجاوز التاريخ الأقصى المسموح به لاستعمال هذا «العقار» السحري…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي