الأغبياء الذين يشتمون سامي الفهري…

25 أبريل 2016

الغالبية العظمى من «المجتمع الافتراضي» أي من يملكون حريّة التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، همّه الأكبر أو الأهمّ، يكمن في الحديث عن برامج «الحوار التونسي» وعن «باعث القناة» سامي الفهري.

دون أدنى دراسة علميّة أو هي عدم الحاجة إليها (على المستوى الكمّي)، يمكن الجزم أنّ عدد «العافسين» (في الرجل) أكبر بكثير جدّا من عدد «المدافعين» أو حتّى عدد القراءات الرصينة ذات الطابع التحليلي والقراءة العلميّة أو (على الأقلّ) الموضوعيّة الرصينة.

 

المسألة أصبحت أو هي الإدمان ذاته، هو يفعل ما يريد (أو ما استطاع) وأهل «العقد والربط» (على المواقع الاجتماعيّة) لا يتوقفون عن الانتقاد والتجريح وحتّى التخوين وربّما التكفير، في حين تبقى «الهايكا» أشبه بطرش العالم في زفّات الدنيا، والقانون عاجز أو رافض، أو ربّما أخر من يفهم…

يمكن الجزم من قراءة الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي بما يلي:

أوّلا: أنّ (هؤلاء) المشاهدين/الغاضبين يستبطنون ضمنيا أنّ القناة (أيّ «الحوار التونسي»)، جاءت أو هي تعمل من أجل أن «تحوز رضاهم»، أيّ أنّهم يمتلكون في الآن ذاته «سلطة تقديريّة» أوّلا وثانيا «سلطة تقريريّة» ثانيا، ممّا يعني أنّهم يعتبرون (وهنا المصيبة) أنّ على «القناة الامتثال» لهذا «التقدير» وهذا «القرار»،

ثانيا: يعتبر (هؤلاء) المشاهدون/الغاضبون أنّ من دورهم (أو هو ربّما الدور الأساسي) «إنارة الرأي العام» بأنّ يتحولوا (على الانترنت والفايسبوك خصوصًا) إلى «حماة للأخلاق» وكذلك «رعاة للفضيلة»، ومن ثمّة يستبطنون أو يعلنون أنّهم يشاهدون ويتابعون ليس من باب اللذّة والتمتّع، بل هم يلعبون (هي لعبة فعلا) دور «ضمير المتكلّم» نيابة عمّن يعتقدون أنّه وكّلهم لهذه المهمّة…

SamiFehriثبت بالدراسات العلميّة ذات البعد الأكاديمي الرصين والموثوق أنّ غاية (أو الغاية الأولى) لا تكمن في «إرضاء المشاهدة»، بل (وهنا الخطورة) في «شدّ انتباهه وجلب اهتمامه»، علمًا أنّ «المتعة والإرضاء» من أدوات هذا الشدّ وهذا الجذب، لكنّ تبقى «الإثارة» وكذلك «الإستفزاز»، التي تلعب عليها هذه القناة.

أيضًا، وجب الإقرار أنّ القنوات تعتبر «الانتقاد» وحتى «الشتم» من «الأمور المحمودة»، حين يأتي الأمر دليلا على الاهتمام والمتابعة، وكذلك (وهذا ما لا يفهمه الشاتمون) الوسيلة الأفضل، بل الفضلى، في الترويج لهذه القناة وهذه البرامج، لأنّ كلّ مشاهد يمارس «الشتم» (وهنا الفضيحة) يتخيّل أنّه ليس فقط مؤهل للعب دور «ناقوس الخطر»، بل أنّ من يطالعون «الشتم/التنبيه» سيثقون في قوله ويقلعون عن المشاهدة، في حين أنّ كلّ قارئ للشتم أو التنبيه يرى لنفسه هذه الحصانة ومن ثمّة أهليّة ممارسة دور «الناصح» وحتّى «الضمير» (الجمعي)…

 

من غرائب الأمور (بل المضحك المبكي) أنّ الغالبيّة ينادي بالمقاطعة ويعلن أنّه يمارسها، في حين لا يزال هؤلاء يحدثون بعضهم عن التفاصيل ويستشهدون بمقاطع من هذا البرنامج أو ذاك…

 

هي حالة مرضيّة عامّة وليست صحوة أخلاقيّة أو دينيّة، بل دوّامة تأتي نقيض ما تعلن من دور، لدرجة أنّ من الدراسات في الغرب، من يرى أنّ المحطات تكتري أو هي تفتعل من «يشتمها» بل من يستعمل أقذع النعوت، رغبة في رفع عدد المتفرجين…

سؤال لا يطرحه «حماة الأخلاق» وكذلك «رعاة الفضيلة»، ومن وكلوا أنفسهم للحديث نيابة عن «الوازع الديني» أو «ضمير المجتمع»:

لماذا استطاعت هذه القناة أن تنجح على مستوى جذب المتفرجين، حين عجز غيرها أو هو لم يرق إلى ذات النجاح؟؟؟؟

 

المطالبة بمعاقبة القناة أو حتّى إغلاقها، أو ربّما محاكمة الساهرين على انجاز برامجها، من الأمور التي جاءت على ألسن هؤلاء «الحماة/الرعاة»، لكنّ هذه «النوايا» تقفز فوق سؤال (علمي ومنطقي):

من الذي سيحتلّ موقع هذه القناة في حال غلقها؟

من الأكيد أن المسألة علميّا، أعمق وأخطر وأشدّ تعقيدا من (مبدأ) «إماطة الأذى»، لنصل للسؤال عن (غياب) «النفع المتخيّل» (بفتح الياء)، الذي من المفترض (وفق هذه العقول المريضة) أن يعوّض هذه «الفحشاء» آليّا…

 

قوّة سامي الفهري ومن معه، تكمن في التالي:

أوّلا: عرف وأدرك وأنتج «البضاعة» التي تجلب الجمهور

ثانيا: يدرك أو هو نجح في قلب «الكره» إلى «إضافة» تخدم مشروعه (المادي والفكري)…

لم يكن لسامي الفهري (مهما يكن الموقف من شخصه) أن ينجح لولا غياب «البديل» أو فشل أو هو إخفاق «إعلام الغباء»، الذي قدّم ذاته وسوّق إنتاجه، في صورة «القادر» على تجاوز «إعلام العار» نحو مشهد يجمع «النقاء الثوري» بما هو «الصفاء الأخلاقي»…

 

في اختصار شديد: ما كان لسامي الفهري أن ينجح أو أن يحوز هذا النجاح، لولا إخفاق «الإعلام الغباء» الذي لا يزال يرى ذاته، في موقع «الأفضل أخلاقيّا»، دون العمل أو الجهد أو حتى القدرة (وهنا الخطورة) لتغطية الفارق أو تجاوز هذا البون الشاسع على مستوى جودة الصورة ونقاء الصوت وأساسًا بساطة الفكرة وحسن التنفيذ…

 

الذين يتخيّلون أنّ «سلاح المقاطعة» ناجح وناجع، هم بين غباء أكيد وسذاجة مؤكدة (لكلّ أن يختار ما يليق به) لأنّ الغالبيّة العظمى (أيّ الكلّ تقريبًا) يريد ويعمل على حماية «الآخرين» في حين أنّ كلّ واحد من هؤلاء «الآخرين» يشاهد لحماية البقيّة…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي