النداء: من صناعة «الشقوق» إلى تصنيع «الشقائق»…

9 يناير 2016

على المستوى الإعلامي، والقانوني، ينطلق مؤتمر «نداء تونس» (أو الشقّ الذي خرج به الباجي وحافظ من معركة القسمة) في أحواز مدينة سوسة، اليوم 09 جانفي 2016.

هذه هي «المعلومة» على المستوى «الإخباري»، لكن (وهنا السؤال)، ما الذي سيقدّمه هذا «المؤتمر» إلى هذه «الحركة»، ومن وراء هذا السؤال وبناء على الجواب الذي يحمله: أي انتظار لتونس من هذا «المؤتمر»، وكذلك أيّ تأثير له على «الاستقرار» (المطلوب)، وأيضًا «التنمية» (المنشودة)، أم أنّنا سقطنا (وهنا السؤال) في «مستنقع» تدوير المعارك من أجل الفرجة، و(ربّما) «تضخيم» الأحداث، من باب ملء الفراغ (الديمقراطي) وتعويض «العطل» (الحقيقي) في هذا (الذي يُسمّى) «الانتقال الديمقراطي»…

 

مؤتمر «حركة نداء تونس» في شكلها الحالي، يأتي أقرب إلى «تثبيت وضع» من «صناعة وضعيّة»، لذلك سيعمل الجميع على «تفعيل الماضي» رغبة أو تأكيدًا على «مكتسبات المستقبل»، وليس بالضرورة، «صناعة» مستقبل (الحزب) و«صياغة» هذا الكيان الحزبي من منظور استراتيجي.

من الأكيد ولا يقبل الجدل، أنّ الأحزاب السياسية التونسية، تأتي أشبه بربّان سفينة يسير وسط ضباب كثيف، في منطقة تحفل بالصخور، ومن ثمّة لا «غريزة» إلاّ «غريزة البقاء»، حين لا يعلم أيّ كان إن كانت «الطعنة» ستأتيه من «أخ» يغدر به، أو «عدوّ» يحكم الطعن…

من التبسيط الجزم أنّ «الطلاق» (مع شقّ مرزوق) يمثّل آخر مآسي هذا «الذي وُلد كبيرًا»، بل لا يعدو الأمر إلاّ «سرطانًا» (عافانا وعافاكم الله»، سرى في الجسد، ومن ثمّة (قد) يختلف الأطباء في تقدير الأعضاء التي ستتعرّض للبتر، لكن الجزم قائم بينهم على أنّ المرض (طال الزمن أو قصُر) يمثّل «قضاء مبرمًا»…

مؤتمر-نداء

مؤتمر نداء تونس

سواء قرأنا العقل الانتهازي (المتفاوت في القيمة وفي المقدار) الذي يطبع «الذات (السياسيّة) التونسيّة)، يمكن الجزم أنّنا أمام «أعشى» يعارك «أعمى»، حين نرى بما لا يدع للشكّ، هذه «الانفجارات» (داخل الأحزاب)، وأساسًا، تحوّل «مديح الأمس» إلى «شتم اليوم»، ليس فقط (وهنا المصيبة) بين فريقين متقابلين، بل (كمثل معركة في حمّام) الجميع يشتم الجميع…

سواء كنّا ممّن يؤمن بما يسمّى «المؤامرة» أو نقرأ التاريخ وفق «الجدليّة الماديّة»، يمكن الجزم أنّنا أمام مرض «الجذام» وقد بدأ يسري داخل «الجسد (السياسي) التونسي»، حين نرى (ما نراه) على المنابر الاعلاميّة، من غياب كامل (أو تغييب مقصود) لأيّ حوار سياسي بالمعنى الحقيقي، بل تراوح، أو مراوحة (فرجويّة) بين استعمال السياسيين (للترويح) أو من باب «فضح» بعضهم البعض…

سيسعى هذا المؤتمر لتثبيت الأمر الواقع، أي كمثل من اقتنى أرضًا (على الورق) واصطحب عدل التنفيذ وخبير القيس على عين المكان، لتثبيت «الملكيّة» وتأكيد «الحوز»، أيّ حيازة الباجي قائد السبسي لهذه «الباتيندة» (على حدّ قول سي ناجي جلّول) مع تولّي الابن مهام «التسيير المباشر»، أي لا يعدو أن يكون الأمر سوى صورة ممّا نراه في القرى والأرياف وحتّى في المدن: يتقاعد الأب، الذي لا يزال «المالك الفعلي»، في حين يتولّى الابن «مسك الدواليب» وتسيير الأمور…

 

صناعة «الصورة» وبناء «الوهم»، هما العامل المؤثّر في الثقافة السياسيّة التونسيّة، كمثل جميع الديمقراطيات، لكن (الخطير والمدمّر) أنّ صنّاع الصورة لا يراكمون في عقل المتفرّج «تناسقا» في المعنى، بل (وهنا الخطر)، يقفزون (كما يقول الفرنجة) من «الديك إلى الحمار» دون أدنى تبرير، بل يشتمون اليوم من كانوا يمدحون بالأمس.

من المضحكات المبكيات، أنّ الجمهور أو المتلقّي، وإن كان لا يملك جميعه، حسّا نقديا مرهفًا، إلاّ أن «قدرة الذاكرة» (ذاتها) تاتي على قدر كبير من الأهميّة.

عندما تجد الذاكرة، صعوبة في تجميع التراكم بمفهوم المنطق العادي تطرح حينها الأسئلة المحرجة، وتذهب في الشكّ وتسير في «طريق السؤال»، مثال ذلك أنّ صفحة محسن مرزوق الرسميّة على الفايسبوك، تروّج فيديو، يظهر فيه (سي) الأزهر العكرمي، الذي تحوّل من «صديق الأمس» (بل أبرز الخُلّصِ) إلى «عدوّ»، ولا يزال «الممسك» بهذه الصفحة يعيد ويكرّر هذا الفيديو على مشهد من الجميع…

 

الأحزاب جميعها في حاجة إلى تعديل عقلها وترشيد حواسها، جميع الأحزاب دون استثناء. النهضة التي كانت ترى الباجي أخطر من أنصار الشريعة، لينقلب (سي) الباجي في نظر (سي) لطفي زيتون «زعيمًا وطنيّا». كما النداء أو بالأحرى الباجي، الذي شتم النهضة وقال فيها وفي قيادتها من الكلام الجارح الكثير، لتنقلب هذه «النهضة» صورة مثاليّة للمنقذ من السقوط في مستنقع (لا تُحمد عقباه)…

 

لذلك لا يمكن الذهاب في التفكير أنّ مؤتمر النداء اليوم، سيكون ذلك «الفاصل بين عهدين»، فقد مرور السبسي (وابن السبسي) من ملكيّة باتيندة «على الشّياع» إلى استخراج «شهادة ملكيّة» يطعن فيها محسن مرزوق ويشكّك في مصداقيتها فوزي اللومي، في انتظار غيرهما من «الذئاب الجائعة»…

رغم عنه، ودون وعي، سقط الشعب التونسي، وجزء غير هيّن من هذه النخب، في منطق «غريزة البقاء» التي تجعل النظر لا يتجاوز الأنف. النهضة ذهبت حدّ اختراع «المسلم الديمقراطي» من باب السعي للحصول على ما ينير سبيلها، في حين فضّل (على شاكلة بورقيبة) أن «يفقع الدمّالة» رغم (بعض) الوجع، ويحصل على «شهادة ملكيّة» (قابلة للتوريث)…

في هذه الحالة أو تلك، علينا أن نترقّب مؤتمر حركة النهضة، ليس لنرى لعبة أخرى، بل لنشاهد ونشهد، «مهارات» (أخرى)، أي كيف ترويج «المسلم الديمقراطي» في صورة (أو في توافق) مع مشروع «الجماعة الاسلاميّة»…. تلك فرجة أخرى…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي