جمعيّة «شمس» في بلد بلا «شمس»…

15 يونيو 2016

الوزير الذي أعلن وصرّح أنّ تونس «ماعندهاش شمس» [ليس لديها شمس] يمثّل جزءا من «حالة مرضيّة» (سياسيّة) عامّة ومنتشرة، بل مزمنة، حين يتخيّل الوزير (أو أيّ مسؤول سام أو رفيع) أنّ «الحديث» (إلى الإعلام) لا يستوجب أبعد من «القدرة» الشخصيّة لهذا الوزير أو ذاك المسؤول، الذي هو قادر (وهنا الخطأ) بحكم «الكفاءة» وكذلك «المركز» على «الكلام» (الجيّد)، أي أنّ مجرّد الجلوس على كرسي الوزارة، يجعل من الجالس متحدّثا لبقا ومتكلما رائعًا…

هذا الوزير الجاهل بأبجدية «تصريف الخطاب» كما الحكومة بكاملها وكذلك الطبقة السياسيّة، هو (وهي أيّ الحكومة) أقرب إلى التعبير عن «خواطر» (شخصيّة) على شاكلة «حديث المقاهي» من «خطاب سياسي» يقوم على قراءة رباعيّة: الباثّ والمتلقّي ومتن الخطاب ووسيلة النقل.

 

من ذلك (حين نعتبر وسائل التواصل الاجتماعي أنموذجا) جاءت أو هي تزايدت حالات السخرية، ليس من هذا الوزير فقط، بل من حكومة كاملة، بل طبقة سياسيّة برمتّها، جاءت أقرب إلى «الكوميديا» السوداء، من خطاب سياسي قائم على القراءة العلميّة والمقاربة الموضوعيّة.

لا يعلم هذا الوزير ولا يدري ذاك المسؤول، أنّ «الخطاب السياسي» (على وسائل الإعلام) أبعد ما يكون عن «الحذلقة» وما يراه كلّ فرد (أيّ مسؤول) من «كفاءة» في ذاته.

 

الخطاب السياسي، يتمّ إعداده مقدّما، بأنّ يجمع الوزير (أو المسؤول) المستشارين أو المساعدين (وفق الحالة)، ويتمّ إعداد «الخطاب» أو حتّى تحبيره، أي كتابته سواء بالكامل أو نقاط عريضة ورؤوس أقلام.

 

الوزير الجاهل بأبجديّة الخطاب السياسي، أراد أن يقول أنّ «نوعيّة» أشعّة الشمس التي تتلقاها تونس أقلّ «مردوديّة» من تلك التي يتلقاها القطر المغربي الشقيق، ومن ثمّة تأتي «الطاقة الشمسيّة» في المغرب أرفع مردودًا ومن ثمّة أقلّ تكلفة.

عجز الوزير عن التعبير ولم يكن بوسعه أن يستبطن (كما هو حال أيّ مسؤول يشعر بالمسؤوليّة) الحالة الذهنيّة للمتلقّي، فيصنع أو ينسج الخطاب الأفضل القادر على بلوغ وعي هذا المستمع أو ذاك المتفرّج أو ربّما القارئ أو المتابع للمواقع الإلكترونية.

 

هناك طواقم إعلاميّة في كلّ وزارة وفي كلّ ولاية وفي جميع مؤسّسات الدولة، إلاّ أنّها تعمل وفق الهوى الشخصي، دون خطّة شاملة ودون التدقيق في فواصل كلّ وزارة أو دقائق كلّ حالة، أو هو كلّ يوم أو ساعة أو دقيقة…

8930299-Sourire-soleil-avec-des-lunettes-de-soleil--Banque-d'imagesالوزير الجاهل بأبجديات التواصل، لا يفهم أنّ الغالبيّة العظمى من المتلقين (أي المواطنين الذين يمارسون حقّ الانتخاب) يصنع قراره أو يشكّل صورته عن هذا المسؤول أو ذاك الموضوع من خلال الإعلام، أيّ أنّ القول في ذاته عديم الفائدة، بل يكون «التأثير» (الإيجابي أو السلبي) بحساب القدرة أو خطّة تفعيل الفكرة أو الخطاب من خلال الإعلام. لذلك لا يكون الجلوس أمام الكاميرا أو المكروفون أو حتّى قلم الصحفي، مثل الجلوس إلى «أصدقاء» المقاهي أو هي المجالس الخاصّة أو الصالونات الضيّقة.

 

سقط بن علي وضاعت دولته لعجزه أو عدم كفاءة المنظومة السياسيّة التي وضعها عن تشكيل خطاب سياسيّ وصياغة مشروع إعلامي، يجمع الاقناع بالرضا، كذلك سقطت حكومات ما بعد 14 جانفي (جميعها وإن كان بدرجات متفاوتة) في الفخّ ذاته. الجميع (أو يكاد) إمّا أنّه يخاطب ذاته أو أنّه يستبطن أنّ المتلقّي قادر على فهم ومن ثمّة قبول كلامه (مهما قال)…

 

من الظلم والتجنّي أن نمسح خطايا الطبقة السياسيّة الحاكمة (أو غيرها) في هذا الوزير. لن يكون الأوّل الذي مارس هذا الشكل من الخطاب «الساذج»، ولن يكون الأخير، الذي ينافس كبار الفكاهيين، بل هي أزمة شاملة أو هو «تلوّث عامّ»….

أخطر من عدم كفاءة هذا الوزير (على مستوى التواصل الإعلامي) أن يرى نفسه «عبقر بن جهبذ»، أي ذاك القادر على «الارتجال» بل هناك من الوزراء من يعتبر «الرجوع إلى المستشارين» طعن في كبرياء «معاليه» وكذلك انتقاص من كفاءة «سيادته»….

 

سيكولوجيّا، يعاني هذا الوزير، أسوة بطبقة سياسية بكاملها، من عقدة «البتر» إن لم نقل «الخصي». أغلبهم أو الغالبيّة العظمى من الوزراء وكبار المسؤولين يأتون إلى وسائل الإعلام من باب «إثبات للذات» (في بعدها الفردي)، أيّ «أنا وهنا»، وليس وفق منطق الدولة وناموس الوزارة.

 

لطلبة معهد الصحافة وعلوم الإخبار مادة خام ضخمة، تصلح لإنجاز عشرات الدراسات والأبحاث أو حتّى التعاون مع خبراء علم النفس، لنتأكّد بالدليل المادي والتحليل الأكاديمي أنّنا أمام من جاؤوا يبحثون عن «متنفّس» (شخصي) وفرصة (للذات) قبل الحديث أو حتّى التفكير وفق منطق الدولة وناموس الوزارة…

من حقّ العمق الشعبي أن يسخر ومن الطبيعي أن يصير هذا الوزير أو ذاك المسؤول مضغة في أفواه أو على صفحات الانترنت. قد (ونقول قد) يكون معاليه «كفاءة» علميّة، وقامة «أكاديميّة» ومرجع لا يُشقّ له غبار في هذا الميدان، أي ميدان الطاقة عامّة والشمسيّة منها على وجه الخصوص، لكن وجب أن يتواضع معاليه ويفهم ويدرك ويتيقّن أنّ «طاقته العلميّة» في حاجة، بل عديمة الوجود، دون «تواضع معاليه» واستنجاده أو هي الاستعانة بمن يحذق فنّ «تسويق الخطاب»…

 

الخاتمة:

لن تتغيّر الأحوال في القريب العاجل ومن الصعب أن تتبدّل في آجال متوسطة، لأنّ المسألة لا تعني النوايا أو التعبير عن التمنيات.

 

ربّ ضارّة نافعة:

عديد الوزراء وكبار المسؤولين يملكون قدرة التحوّل إلى مجال الكوميديا ومنافسة كبار النجوم في هذا الفنّ. أضحكوا فضحكنا…

 

مشروع فني لهذا الوزير بعد مغادرة الوزارة:

عرض فكاهي بعنوان: لا شمس إلاّ جمعية «شمس»…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي