سهام دون «سهام» وشوقي «طبيب» بلا أدوية…

26 مايو 2016

وجب الخروج بمشروع «مقاومة الفساد» وما يتبعه أو تأسّس عنه من «الحقيقة والكرامة» و«هيئة مكافحة الفساد»، كما «القطب القضائي»، من منطق «الاستحقاق الثوري» إلى مرتبة «إنقاذ الدولة» أو ما تبقّى منها، حين لم يعد الرهان أو هو تجاوز (منذ أمد طويل) مسألة «العدالة الانتقاليّة» وما هو دورها من «محاسبة أزلام النظام السابق» إلى «الحفاظ على ما تبقّى من وجود الدولة»، أيّ الخطوة الأخيرة أو الخط الختامي، أمام منطق «الفوضى الشاملة»…

أخطر من الفساد ذاته أن صار الفساد «شكلا مقبولا» أو هو ذلك «السلّم» الذي يميّز، بل يفاضل «الفاسد قليلا» عن «الفاسد كثيرًا»، بل يمكن الجزم باستحالة أو هو عجز المنظومات جميعها (بما في ذلك القضاء) عن الوقوف في وجه هذا «الإخطبوط» الذي ليس فقط يزداد تمدّدًا، بل أصبح ينتحل (في بعض الأحيان) صفة «الصفاء الثوري» حين صارت الحرب بين أطراف الفساد لا ترحم…

 

الأغبياء والسذج ومرضى النفوس يعتقدون بمنطق «أفضليّة» نظام بن علي في مجال الفساد، أي أن الفساد في عصره كان «أقلّ شأنًا»، فقط، كان الفساد يعمل وفق «قوانين» (غير مكتوبة) أشدّ قداسة من قوانين الدولة، تحت إمرة «رأس الدولة» وراعي الفساد فيها، في حين يسعى الفسّاد حاليا إلى تأسيس «قيادة» (جديدة) وصياغة «قوانين» (أخرى)، حين لم يعد هناك ذلك «العُراب» (رئيس الدولة) القادر بل المستفرد بتوزيع الغنائم وتحديد المجالات.

جزء كبير من حرب «محاربة الفساد» لا تعدو أن تكون تصفية حسابات داخل «منظومة الفساد» (الجديدة)، حين كان الفساد ولا يزال (منذ وقت بورقيبة إلى الآن) يصفّي حسابه مع خصومه من الفاسدين وغير الفاسدين، من خلال «دولة القانون والمؤسّسات»…

 

ما يميّز الوقت الحالي، إضافة إلى «حروب التصفية» بين أذرع المافيات هو «وجود» شيء اسمه «الثورة»، أسّست لحدّ أدنى أو لوجوب إتباع ما هو «ضروري» من شروط إخراج اللعبة في شكل «عدالة انتقاليّة»…

تعلم سهام بن سدرين ومن معها أنّهم أشبه بالطبيب الذي يعالج مريضًا أو بالمحامي الذي ينوب حريفًا، حين لا يشترط القانون وجوب الشفاء (بالنسبة للطبيب) أو تحصيل الحقّ (بالنسبة للمحامي)، بل (وهنا الخطورة)، «بذل الجهد الأقصى» أيّ أنّنا أمام، أشبه ببطولة الهواة لكرة القدم، حيث «العبرة بالمشاركة»….

 

وسط نداء تونس الذي عبّر أزلامه صراحة عن رفضهم لهيئة الحقيقة والكرامة وحركة النهضة التي لا يهمّها أن تبوس أفاعي الدنيا شريطة المحافظة على «الوجود» وكذلك «السلامة» إلى حين استدراك «الذات» وتوفير شروط «التمكين»، لا يمكن للسيّدة سهام بن سدرين (مهما تكن نواياها) سوى أن تلعب من أجل «الظهور» وكذلك «الصورة»، بل (في أفضل الحالات) أن تتحوّل هيئة الحقيقة والكرامة من «الذراع الثوري» للدولة، إلى «تأدية الواجب» (في أفضل حال).

لذلك نفهم ونتفهّم ما قامت به الهيئة حين جاءها «الحريف الأوّل» فكادت أو هي أقامت الأفراح والليالي الملاح، وكادت تقارنه بما هو «طارق بن زياد» حين كسر (سي) سليم شيبوب «سوء الحظّ» الذي أسّس له «الشيخان» وجعلاه مدخلا لحقيقة «أخرى» وكرامة «بديلة»…

 

Chawkiضمن الوعي الحاكم أو الممسك لعقل أو غريزة البقاء لهذه الهيئة، لا يمكن أن يكون سليم شيبوب (في الآن ذاته) «المجرم» إلى حين «ثبوت التوبة» وكذلك «المنقذ من الكساد» وأساسًا «كاسر السحر» الذي ضرب به «الشيخان» الهيئة. لذلك ليس مهمّا أن يكون ملفّ (سي) سليم منقوصا من قضايا عديدة… يكفيه فخرًا أنّه «فاتح الهيئة»، حين جاءت «سهام» أمامه و«الشيخان» من ورائه…

 

عبر شخصية دون كيشوت للكاتب الشهير سرفانتاس، علينا أن نعيد الرواية، وقد جعلنا إلى جانب البطل الواهم بمحاربة طواحين (الفساد) بطلة هي الأخرى «تحاسب» الفساد. سهام بن سدرين وشوقي الطبيب أصبحا أو هما جزء من الفلكلور القائم لمحاربة الفساد أو على الأقل الحدّ منه. كلاهما أو على الأقل شوقي الطبيب يعترف أنّه «نملة» (مع الاعتذار من الصديق والأستاذ)، ليس فقط لا يحارب، بل في طريق فيلة العالم الهائجة، في زمن لم تعد فيه «المعجزات» قائمة، وكذلك صار مطلوبًا من «دون كيشوت» (سواء يعلم أو لا يدري) أن يراوح بين «فلكلور» يطمئن «المواطنين» وكذلك «أداة» لضرب بعض الفساد لفائدة بقيّة الفساد….

المسألة أشبه بفيلم أو مسلسل مشوّق فعلا. عصابات الفساد تهاجم منزل «الطبيب» الذي عليه أن ينتزع الورم من جسد الدولة والوطن وبالتالي ينقذ «الثورة». صورة لم يشاهدها التونسي سوى في «مسلسل وادي الذئاب» لكن لسوء الحظّ، لا مكان هنا (في تونس) لإعادة تصوير المشاهد: سي سليم أخفى أكثر من سبعين في المائة من ملفاته (أي من ثروته)، وشوقي الطبيب (الصحفي السابق والمحامي الحالي) أذكى من أن يترك «الرسالة» دون قراءة…

 

الفساد صار جزءا من المشهد السياسي، والبعض لم يعد يرفع يداه عند الصلاة طلبًا للصلاح أو الفلاح، بل بأن يحكم البلاد من هم «أقلّ فسادًا»… فهم الشيخان المعادلة، وجعل من «ترويض» الفاسدين رياضة جديدة. كل اختصّ بفاسدين من طينة خاصّة. (الشيخ) الباجي قائد السبسي يؤمن بالرقية الشرعية وهو الذي صار مواظبًا على تلاوة القرآن الكريم في كلّ مكان، في حين فضل (الشيخ) راشد الغنوشي، أن يكون على شاكلة «رهبان النصرانيّة» قادر بكلمة واحد على محو الذنوب جميعها، في المقابل بار «فندق الحقيقة والكرامة» حين لم يعد يأتيه «الزبائن» سوى بعد المرور بالرقيّة الشرعيّة والدعاء المستجاب من الشيخين، في حين لا يزال شوقي الطبيب أسوة بتلك الأسطورة الاسكندينافية يسعى لاقتلاع السيف من الصخرة، ليكون «الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق»…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي