الغنوشي عند بوتفليقة: الضرب هنا والوجع هناك…

14 مارس 2016

عندما ننطلق من مسلمة أنّ «وكالة الأنباء الجزائريّة» تمثّل الوجه الإعلامي الرسمي لهذا البلد، يحقّ لنا أن نعتبر تعامل هذه المؤسّسة مؤشرًا على تعامل السلطة.

زيارة غير معلنة أدّاها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى الجزائر العاصمة، قابل خلالها (بحسب وكالة الأنباء الجزائريّة) الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وجاء في برقيّة أخرى تصريحًا للغنوشي، يمكن اعتباره في صيغة «البيان المشترك» حين لا يحتلّ زعيم حركة النهضة «منصبا رسميّا» في الدولة التونسيّة…

 

البرقيّة الأولى (أي اعلان الزيارة) جاءت في «جملتين مفيدتين» (47 كلمة) لا غير في حين أتى تصريح الغنوشي من خلال «فقرة محترمة» (215 كلمة)، جاءت جميعها، تعبيرًا عن الوجه الذي يريده «شيخ النهضة» وكذلك «رئيس الجزائر» لهذه الزيارة «المفاجئة/المفاجأة»…

الزيارة مفاجئة حين لم يتمّ الإعلان عنها أو الإشارة إليها من الطرفين، لكنّها «مفهومة» و(ربّما) مطلوبة في هذا الظرف بالذات، حين لا يمكن لهذا التنقّل إلى الجزائر العاصمة، من قبل «زعيم النهضة» إلاّ أن يكون «شديد الارتباط» بالهجوم الارهابي على بن قردان، سواء للتزامن أو (وهذا الأهمّ) لاكتفاء «تصريح الغنوشي» (للوكالة الرسميّة الجزائيّة) بالتعرّض إلى «المسألة الارهابيّة»، ممّا يعني وجود «حاجة» لدى هذا الطرف وذاك «للتشاور» (العبارة المعتمدة عادة في مثل هذه المواقف)…

 

بوتفليقة والغنوشي

بوتفليقة والغنوشي

ما يصدم القارئ العادي لتصريح الغنوشي، كما المراقب أو المحلّل أنّ «مرشد النهضة»، استهلّ تصريحه بالقول: «لقد طمأنت الرئيس بوتفليقة بأن تونس صامدة في مواجهة الإرهاب» ، ممّا يعني أنّه (أي الغنوشي) يمثّل «تونس» (البلد والدولة والقيادة السياسيّة) سواء أرسلت (هذه) «الدولة» الغنوشي أو فوّض ذاته، أو طلبته الجزائر، يأتي في المحصّل هو من يمثّل «تونس» (البلد والدولة والقيادة السياسيّة)، ليس فقط من باب «طمأنة» الجانب (الرسمي) الجزائري، بل في الانتقال إلى «توصيف الأوضاع» ومن ثمّة «التطلّع» إلى «الغد الأفضل» (العبارة المعتمدة عادة في مثل هذه المواقف)…

تحدّث راشد الغنوش بلغة «أرفع» من كلام رئيس حزب، واستقبلته الجزائر كذلك، وبالتأكيد أنّها تعاملت مع على مستوى المباحثات بما يفوق وزن «رئيس حركة النهضة التونسية» (كما جاء في التعبير الرسمي ضمن البرقيّة).

 

إضافة إلى توصيف الوضع في البلاد وفي الجنوب خاصّة، يمكن الجزم أنّ راشد الغنوشي قصد من خلال تصريحه «طمأنة» الطرف الجزائري حين نفى «ما كان يروج بكون تونس بلد حاضن للإرهاب»(الجملة مأخوذة من البرقيّة)، حين يجزم أكثر من طرف جزائري سواء في السلطة أو من خارجها، أنّ لا خوف من الارهاب القادم مباشرة من ليبيا، لسعة الصحراء وطبيعة تضاريسها المكشوفة، بل (وهنا أهميّة كلام الغنّوشي)، يأتي الخوف (الجزائري) على مستويين اثنين:

أوّلا: انخراط أعداد متزايدة من التونسيين في التنظيمات الارهابيّة، حين تُجمع جميع المراجع على أنّ تونس تحتلّ «مرتبة متميّزة» على مستوى «تصدير الارهابيين» قياسًا مع عدد سكّانها وكذلك مقارنة ببعدها عن «منطقة التوتّر» الأولى، أي سورية والعراق، دون أن ننسى ارتفاع عدد المنتسبين إلى (ما يسمّى) داعش في ليبيا من التونسيين.

ثانيا: أن يؤدّي هذا الارتفاع في عدد الإرهابيين التونسيين (في الخارج) إلى «عودتهم» إلى تونس (كما كان الحال في بن قردان) ومن ثمّة الاستعاضة عن «التصدير» بما هو «استهلاك محلّي»…

تعلم القيادات الجزائريّة علم اليقين أنّ الخيارات السيّئة التي قد تطال تونس جميعها «مرّة»، أي انتشار الارهاب داخل أراضي «جار الشرق» أو (لا قدّر الله) سقوط جزء من البلاد تحت سيطرة الإرهاب، ممّا يعني أنّ الجزائر ستكون حينها مخيّرة بين أمرين:

أوّلا: عدم التدخّل العسكري المباشر، والاكتفاء بسياسة عسكريّة «دفاعيّة»،

ثانيا: التدخّل العسكري المباشر، والغرق في مستنقع، ترفضه العقيدة العسكريّة رفضًا باتًا.

في هذه الحالة وتلك، وما هو قائم من انعكاس على «الأمن الوطني الجزائري»، تفضّل الجزائر أن تكون تونس «قوية» (بما يكفي) لتأمين ذاتها.

 

لا حاجة للتأكيد أن الهجوم على بن قردان جعل «أدوات الاستشعار» (في الجزائر) تعمل بأقصى قدرتها على مدار اليوم والساعة والدقيقة والثانية، ليس فقط لمعرفة «منتهى» هذه المعركة، بل (وهنا الأهميّة)، مطالعة الواقع في بن قردان، بين تنوّع موازين القوى، وثانيا خطّة كلّ طرف، وثالثًا مجرى الأحداث في علاقة بالتحكّم في هذه القدرات.

 

جاء راشد الغنوشي إلى الجزائر، «قارئا للكفّ» (السياسي) في تونس أكثر منه «خبيرًا عسكريّا»، لذلك يستحيل أن ننتظر منه القيادات الجزائريّة تحليلا (عسكريّا) في هذا الشأن، بل فقط (وحصرًا) سؤاله عن قدرة «القرار السياسي» (التونسي) على تأمين «ما يكفي» من مستلزمات الانتصار على الارهاب، أو (على الأقلّ) الصمود في وجهه.

 

دعوة الغنّوشي (في جانب منها وهو الأخطر بالنسبة للجانب التونسي) تأتي إعلان جزائري رسمي وعلني ومباشر ودون مواربة، أنّ خوف الجزائر من وعلى «السلطة السياسيّة»، سواء على مستوى التماسك أو الفاعليّة، يأتي أكبر من خوفها من «الارهاب» (ذاته)، على الجزائر، المتشبّثة بعقيدة «صفر جندي خارج الحدود»، التي تملك خطّة عسكريّة، سواء منها «دفاعيّة» (بالكامل) وكذلك «هجوميّة» (بعيد عن الأعين والاعلام)، بل يأتي خوفها من تونس (الطبقة السياسيّة) على تونس (الخطّ الأوّل ضدّ الإرهاب)…


8 تعليقات

  1. تعقيبات: roger vivier online

  2. تعقيبات: Victoria's Secret online

  3. تعقيبات: moncler jacket cheap

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي